إن لم تكن حرباً فما عساها تكون؟

من الصعب ألاّ يفسر قول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اليائس: "في هذه الفترة الصعبة التي نمر بها لا يمكن إلا أن نتحلى بالصمت والصبر والصلاة". كأنه نداء استغاثة بوجه تصميم "حزب الله" على المجازفة بسلامة لبنان في سياق تنفيذ أجندة خارجية ضمن ما يسمى "وحدة الساحات". فلبنان اليوم أقرب من أي وقت إلى حرب كبيرة قد تضعه على شفير الهاوية على مختلف المستويات الحياتية، والمعيشية، والبنيوية والسياسية.

الحرب طالت كثيرا واللعب بالنار لم يعد مجرد لعب، فيما تقترب النار أكثر وأكثر من منازل اللبنانيين. فمشاهد استهداف مخازن السلاح والذخائر والصواريخ التي تم تصويرها من بيوت المدنيين في قلب البقاع بين زحلة والرياق وبعلبك، وزخم الضربات والاغتيالات في الأحياء السكنية والتجارية في بلدات مثل مرجعيون ومدن مثل صيدا، تكشف حجم الخطر المحدق بكل اللبنانيين.

قواعد اللعبة تتغير باستمرار. وبغض النظر عن قدرات "حزب الله" القتالية والتسليحية، يمكن القول إن ثقل الحرب الإسرائيلية التي بدأت في غزة غداة عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي يكاد ينقل بشكل شبه حاسم نحو الحدود الشمالية، وذلك وفق تصريحات جديدة لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي أكد المعلومات التي نتحدث عنها بقوله قبل يومين: "إن مركز الثقل لعمليات الجيش الإسرائيلي ينتقل تدريجا من قطاع غزة إلى الحدود مع لبنان". أضاف: "إسرائيل مستعجلة لتوسيع العمليات التي تستهدف لبنان إذا لزم الأمر".

ويمكن تلمس بوادر حدث دراماتيكي آت إذا ما قاطعنا المواقف مع طبيعة التطورات العسكرية الأخيرة في لبنان والأفق الصعب للمفاوضات حول صفقة في غزة، وتوتر الإيرانيين و"حزب الله" بسبب عدم تنفيذهم تهديداتهم بشن هجوم على إسرائيل، ردا على اغتيال كل من رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في قلب طهران وتحت مسؤولية "الحرس الثوري"، وأعلى شخصية عسكرية في "حزب الله" في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت حيث معقل الحزب المذكور ومربعه الأمني المحصن.

ومع تعثر المفاوضات حول غزة حتى كتابة هذه السطور، يبدو أن تمسّك إسرائيل بشروطها في عدد من البنود، ورفض "حماس" لها، سيجعل من الصعب التوصل إلى الصفقة التي يبحث عنها الأميركيون والأوروبيون.

وإذا ما انهارت مفاوضات القاهرة كما يُخشى، فمن الصعب عدم انتقال مركز ثقل العمليات الإسرائيلية إلى لبنان لتوجيه ضربات أقوى إلى "حزب الله". والأخير يمتلك وسائل لاستهداف العمق الإسرائيلي بقوة وعنف. إنما الفارق بينه وبين الجيش الإسرائيلي، أن لبنان منقسم عموديا حول مسألة حرب "المساندة والمشاغلة"، فيما الرأي العام الإسرائيلي يبدو أكثر التفافا حول فكرة تصعيد المواجهة مع "حزب الله" والقيام بعملية كبيرة وواسعة لتغيير الواقع عند الحدود الشمالية لإسرائيل.

ومن هنا خطورة الموقف الذي يحذر منه جميع الديبلوماسيين المعتمدين في لبنان، أكانوا أجانب أم عربا. وبعضهم يشير إلى أن ساعة الحقيقة قد أتت بالنسبة إلى جبهة لبنان مع إسرائيل، ولا بد من فعل شيء قبل فوات الأوان.

عندما يصل الأمر بأعلى مسؤول في السلطة التنفيذية اللبنانية للجوء إلى "الصمت والصبر والصلاة"، فمعنى ذلك اليأس والاستسلام، لأنه لم يعد من شيء يمكن فعله لمنع المغامرين من دفع لبنان واللبنانيين إلى نار الجحيم.