ارتفاع ملحوظ.. 13 شركة مهتمة بالمحافظ النقدية في لبنان وطلبات جديدة

لا تحبّذ الاقتصادات القوية، وخصوصاً الكبرى التي تسعى بكل ما أوتيت من قدرة وتنظيم وتشريعات دقيقة، انفلاش الـ"كاش" في أسواقها، خوفاً من انتفاخ التضخّم من جهة، وتغلغل "المال الأسود" في شرايين اقتصادها من جهة أخرى. ولذا عزّزت ودعمت معظم الدول المتقدمة والنامية على حد سواء أسواقها المالية، من خلال الحث على إنشاء شركات لتحويل الأموال، وتسهيل القوانين التي ترعى عمل بطاقات الاعتماد المصرفية، والمحافظ الإلكترونية، وبهذا استطاعت ضبط تفلّت السيولة، وتنظيم حركة الأموال والأسواق، والتدقيق بالملفات الضريبية.

بعد توقف قسري عن استعمال البطاقات الإلكترونية في لبنان بسبب نضوب السيولة في #المصارف، وانهيار العملة، واحتجاز الودائع عادت المصارف اللبنانية إلى تلمّس الطريق مجدداً، وباشر العديد منها إعادة إصدار خدمات الدفع الإلكتروني لعملائه شرط أن تكون مؤونة تلك البطاقات جديدة ونقداً. هذه الخدمة التي تطوّر استعمالها في أسواق العالم أعادت إلى اللبنانيين تلك الميزة والقدرة التي افتقدوها في الأعوام الأربعة الماضية، وأعادت منحهم أمان التسوق محلياً وخارجياً، حيث ما عاد إلزامياً حمل كمّيات نقدية كبيرة في المحافظ والجيوب والتجوال في الأسواق، مع ما يعنيه ذلك من خطر التعرّض للسرقة.

 

يشجّع مصرف لبنان حالياً العودة إلى استخدام بطاقات الدفع، وهو يسهّل الأذونات الإدارية ذات الصلة بذلك، مراهناً على قدرة هذه المنتجات على المساعدة في امتصاص السيولة بصورة كبيرة من السوق، وخفض التضخم عبرها، اللهم في حال انتشار استعمالها بنحو واسع وارتفاع عدد حامليها.

تأتي المحافظ الإلكترونية في إطار توجّه الدولة نحو تقليل التعامل بالأوراق النقدية وزيادة نسبة الدفع الإلكتروني التي تنعكس إيجاباً على المؤشرات الاقتصادية للدولة وتساعد في الحد من تداول النقود ونقل الفيروسات، فضلاً عن أنها أثبتت نجاحها في مختلف دول العالم.
المحافظ الإلكترونية

فما هي المحافظ الإلكترونية؟ هي منصة أو تطبيق يُحمَّل على الهاتف الذكي لاستخدامه في العمليات المصرفية الأساسية، مثل عمليات الدفع وتحويل الأموال وبعض الخدمات الأخرى، وتوفرها البنوك وشركات تحويل الأموال. أهم ما يميز المحفظة الإلكترونية هو سهولة الحصول عليها دون الحاجة إلى حساب بنكي بشكله الاعتيادي وإمكانية تنفيذ المعاملات المالية بنحو فوري وسهل وآمن دون الحاجة إلى بذل الجهد والوقت، وكل هذا مقابل رسوم بسيطة للغاية مقارنة بالوسائل الأخرى.

تتيح المحافظ الإلكترونية لمالكها إجراء معاملات مالية إلكترونياً من خلال الهاتف المحمول بطريقة سريعة وآمنة ما يخفف من استعمال الأموال النقدية الـ CASH مع ضمان الخصوصية والسرية. وقد أثبتت المحافظ الإلكترونية نجاحها في العديد من دول العالم، ولكن بالطبع يجب أن تعمل ضمن ضوابط وقيود وتخضع للمراقبة الفعّالة من السلطات المالية والنقدية المعنية.

سمح مصرف لبنان بتقديم خدمة "المحفظة الإلكترونية" (Electronic Wallet) في لبنان وذلك ضمن الشروط التي حددها التعميم 69 وتعديلاته اللاحقة. وأبرز هذه الشروط أن يُستحصَل على موافقة مصرف لبنان المسبقة على أي من هذه التطبيقات أو البرامج الإلكترونية التي ستُستخدم للقيام بالعمليات وعلى شروطها التقنية وعلى الآلية المتبعة لتنفيذ هذه العمليات، وأن تحافظ على الدوام على رأسمال لا يقل عن 10 مليارات ليرة. وإذا أصيبت بخسائر فعليها أن تعيد تكوين رأسمالها خلال ستة أشهر على الأكثر تحت طائلة سحب الترخيص الممنوح لها بممارسة عملياتها في لبنان.

ثمة شروط محددة يجب أن تلتزم بها الشركات التي تحصل على ترخيص في لبنان، منها أن تباشر أعمالها ضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ صدور قرار الترخيص تحت طائلة سحب هذا الترخيص، ويجب ربط "المحفظة الإلكترونية" برقم هاتف مسجَّل على اسم العميل المعني وأن تنفذ هذه العمليات بين العملاء آنياً، ويجب التحقق من هوية كل شخص يستفيد من هذه الخدمة ومن مصدر الأموال التي ستغذّي "المحفظة الإلكترونية".

ووضع مصرف لبنان سقفاً للأموال التي يمكن توفرها في "الـمحفظة الإلكترونية"، حيث لا يجب أن يتعدى مجموعها للفرد في أي وقت مبلغ 150 مليون ليرة أو مبلغ 3 آلاف دولار أميركي، وإن كان العميل تاجراً أو من أصحاب المهن الحرة يكون سقف الأموال المتوفرة في المحفظة 4 مليارات ليرة، أو 5 آلاف دولار. كذلك، وتماشياً مع المعايير الدولية، يجب أن لا يتعدى مجموع الأموال المرسلة من كل عميل:
- مبلغ 15 مليون ليرة يومياً ومبلغ 150 مليون ليرة شهرياً للعمليات التي تجري بالليرة اللبنانية.
- مبلغ 300 دولار يومياً و3 آلاف دولار شهرياً أو ما يوازيها بالعملات الأجنبية الأخرى للعمليات التي تجري بالدولار الأميركي أو بأي من هذه العملات الأجنبية.

ويجب منح المستخدم إمكانية تحويل أموال "المحفظة الإلكترونية" إلى حسابه المصرفي و/أو سحبها نقداً، وكذلك إمكانية رفض أي عملية تلقّي الأموال وحجب أي مستخدم آخر بالكامل. ويجب عدم عدم تجاوز العمولة المستوفاة من مقدم خدمة "المحفظة الإلكترونية" 0.5% (نصف في المئة) من قيمة كل عملية تجري على المحفظة وإرسال إعلام (Notification) إلى المستخدم فور قيامه بأي عملية على "المحفظة الإلكترونية". ويشدد مصرف لبنان على أن تراعي المحافظ الإلكترونية القوانين والأنظمة كافة المتعلقة بالامتثال ومكافحة تبييض الأموال وتعيين ضابط امتثال (Compliance Officer) على أن يمتلك الخبرات الكافية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ويخضع باستمرار لدورات تدريبية في هذا المجال وتطبيق إجراءات العناية الواجبة المعززة (Enhanced Due Diligence) على العملاء الجدد (Onboarding New Customers) المستفيدين من خدمة "المحفظة الإلكترونية". ويجب الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان بغية تعرّف هذه الموسسات إلى عملائها الجدد (Onboarding New Customers) من خلال اعتماد أنموذج "اعرف عميلك إلكترونياً" (E-KYC) لتنفيذ عمليات مصرفية ومالية ضمن الحدود المسموح بها.

 

أما في لبنان، فتشهد السوق اللبنانية ارتفاعاً في عدد الشركات المهتمة بالمحافظ النقدية واستقطابها الكثير من المستخدمين، إذ بلغ عدد المحافظ الإلكترونية المرخصة من مصرف لبنان نحو 13 ويوجد عدد من الطلبات قيد الدرس من "المركزي" ولجنة الرقابة على المصارف.
الصبوري: محافظ جديدة ستحدث نقلة نوعية

يشهد الدفع الإلكتروني تطوّراً سريعاً في العالم، ومنها المحافظ الإلكترونية التي تتيح للأفراد والمستثمرين استخدامها عبر المصارف لتسهيل العمليات التجارية وضمان سرعة التحويلات المالية خصوصاً أن استخدامها يتم عن طريق برامج آمنة ضمن بروتوكول محدد.

الكثير من الدول اعتمدت المحافظ النقدية آلية ضمن مصارفها، إذ وصل عدد مستخدمي هذه المحافظ عالمياً إلى نحو 2.8 مليار لعام 2021، فيما يتوقع ارتفاع العدد إلى 4.8 مليارات مستخدم في عام 2024، خصوصاً مع اعتمادها على الهواتف أو الساعات الذكيّة.

ويوضح المدير العام لشركة Zwipe في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا رمزي الصبوري أن مصرف لبنان يضع معايير وشروطاً لاستخدامها من الأفراد والشركات التجارية الكبرى، فيما لجنة الرقابة على المصارف تراقبها وتتأكد من التزامها بالتعاميم والأنظمة، كاشفاً أن من بين الطلبات التي يدرسها مصرف لبنان لإنشاء محافظ إلكترونية، محفظة ستحدث نقلة نوعية في السوق اللبنانية.

ويرى الصبوري أن "الانتقال إلى استخدام المحافظ النقدية مهم جداً، ويسهم في خفض الكاش وتعجيل الحركة الاقتصادية". فالكاش برأيه يشكل "خطراً كبيراً على الاقتصاد لكونه يسهم في عمليات تبييض الأموال، عدا عن إسهامه في زيادة طباعة النقد مع الأخذ في الاعتبار تكلفة الطباعة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة. لذا من الأهمية، وفق ما يقول "اعتماد الدفع الإلكتروني عبر التطبيقات المرخصة في لبنان، لكونها تسهّل كثيراً من العمليات المالية بطريقة علمية ومعتمدة من مصرف لبنان مع أهمية وجود بروتوكول يضمن الحركات المالية الآمنة ونشر الوعي لعدم استخدام أي تطبيق لا يتضمّن شهادة الأمان، خصوصاً أن العالم الإلكتروني يشهد عمليات قرصنة". لذا يرى الصبوري ضرورة تطبيق شروط محددة يمكن أن تكون مرتبطة ببصمة الشخص مالك الحساب في عملية سحب دفع وتحويل أمواله الخاصة والإفادة منها، وغيرها من الشروط الصارمة للتأكد من هوية المستخدم والتي يجب تطبيقها لحماية أمواله والحد من الهدر الذي يشهده القطاع المصرفي في لبنان. وفي الانتظار، يؤكد الصبوري أن الأولوية تبقى لإقرار قوانين تحدد مصير الودائع.

الثقة بالبطاقات المصرفية؟

عندما بدأت ثورة الدفع بالهاتف الخلوي من خلال المحافظ النقدية عام 2010، كان من المتوقع أن تزول البطاقات المصرفية ويتوقف استخدامها تدريجاً. ولكن حالياً بعد 13 عاماً، اتضح أن الهاتف فعّال ومرن في الكثير من الاستخدامات ويسهّل الكثير من العمليات، بيد أن بعض نتائج الاستمارات التي أُجريَت عالمياً مع مستخدمي المحافظ النقدية بيّنت أن نسبة كبيرة منهم لا يمكنهم الاستغناء عن بطاقاتهم المصرفية وغير قادرين على بناء ثقة مع أي مصرف يعتمد فقط على البطاقات الرقمية، عدا عن أن تفعيل المحافظ النقدية يتطلّب برامج وأنظمة مواكبة لعصر الإنترنت والتكنولوجيا، ومن الواضح أن غالبية الدول متأخرة في عالم التكنولوجيا ومن بينهم لبنان، بما يصعب فعاليتها على نحو شامل. وتالياً، يمكننا القول إن المحافظ النقدية ليست ما يبحث عنه المودع حالياً، بيد أنها ستكون حلاً مستداماً، على الرغم من الصعوبة التي قد تواجهها، والوقت الطويل لتقبّلها. أما بالنسبة إلى البطاقات المصرفية، فقد بدأ عددها بالتراجع السريع إلى أن وصل في نهاية عام 2022 إلى 2,379,207 بطاقات، ثمّ إلى 2,168,582 بطاقة في نهاية شهر نيسان 2023، أي بتراجع عن عام 2019 بمقدار 868,174 بطاقة بنسبة 28.6%، وفق الدولية للمعلومات. ولكن الصبوري يؤكد أن الحديث عن تراجع عددها أو زيادتها ليس ذا أهمية ما لم تُستخدَم في مراكز التسوّق والمحال، وتالياً يجب الحض على قبولها بالكامل في نقاط البيع بغية تشجيع التعامل بها.