المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024 08:08:14
أكثر ما أثير في التسريبات حول تحفظات لبنان على بنود التفاهم الذي يُعمل عليه لوقف النار على قاعدة أنه الآلية التنفيذية للقرار 1701 هو البند المتعلق بانضمام بعض الدول لا سيما فرنسا والولايات المتحدة إلى لجنة ثلاثية تتألف أصلاً من لبنان والأمم المتحدة وإسرائيل من أجل مراقبة تطبيق التفاهم، وكذلك حق إسرائيل في الدفاع عن النفس أو بالأحرى الأطراف المعنية بالتفاهم أي لبنان أيضاً. كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد طالب الولايات المتحدة بـ"رسالة ضمانات منفصلة" إلى إسرائيل تبلّغها فيها أن من حقّها شنّ هجوم في حال رصد أيّ انتهاك للاتفاق. وذلك فيما شدد نتنياهو على أن "إسرائيل ستنفذ عمليات ضد حزب الله إن كان ذلك ضرورياً لحماية أمنها، بغضّ النظر عن أيّ اتفاقات مع لبنان".
هذه الادبيات مستعارة كلياً من تفاهم نيسان لعام 1996 بين إسرائيل والحزب مع فارق أساسي أن الحزب كان تحت رعاية سوريا وكلمتها حين كانت مسيطرة على لبنان، فيما الضغط الأساسي أن يكون الحزب تحت رعاية الدولة اللبنانية وحدها. وهذه هي النقطة الأساسية إلى جانب نقاط أخرى تتصل بأن الحرب الإسرائيلية على لبنان والخسائر الكبيرة التي تكبّدها الحزب وكبّدها للبنانيين وللبنان غير مسبوقة ولا يُعتقد أنها ستتيح له تكرارها على غير تفاهم نيسان الذي كان تسوية موقتة لوقف القتال ليس إلا. في تفاهم نيسان 1996 تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز من وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر رسالة ورد فيها "عزيزي السيد رئيس الوزراء:
في ما يتعلق بالحق في الدفاع عن النفس المشار إليه في التفاهم، تدرك الولايات المتحدة أنه إذا تصرف حزب الله أو أي مجموعة أخرى في لبنان بما يتنافى مع مبادئ التفاهم أو تطلق الهجمات على القوات الإسرائيلية في لبنان (…) تحتفظ إسرائيل بحق الرد لاتخاذ التدابير المناسبة في الدفاع عن النفس ضد المجموعات المسلحة المسؤولة عن الهجوم. وفي ما يتعلق بالحظر المفروض على استخدام مناطق معينة لشن هجمات، تدرك الولايات المتحدة أن الحظر لا يشير فقط إلى إطلاق نيران الأسلحة، ولكن أيضاً إلى استخدام هذه المناطق من جانب المجموعات المسلحة كقواعد لشن الهجمات منها".
كانت الرسالة معطوفة على بنود التفاهم الذي يستعاد منه راهناً التالي: "مع عدم انتهاك هذا التفاهم ليس هناك ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس".
إنشاء مجموعة رصد تتألف من الولايات المتحدة، وفرنسا، ولبنان وإسرائيل (كانت هناك سوريا أيضاً) وتحل محلها راهناً الأمم المتحدة ممثلة باليونيفيل، ستكون مهمتها مراقبة تطبيق التفاهم المذكور أعلاه. الشكاوى ستقدم إلى مجموعة الرصد. في حالة زعم انتهاك التفاهم، الطرف مقدم الشكوى عليه أن يفعل ذلك في غضون 24 ساعة. سيتم تحديد إجراءات التعامل مع الشكاوى المقدمة من قبل مجموعة الرصد". ورد آنذاك أيضاً أن الولايات المتحدة مع فريق استشاري، يتألف من فرنسا والاتحاد الأوروبي، وروسيا والأطراف المهتمة الأخرى، تساعد في احتياجات إعادة الإعمار في لبنان. وهذا سيرد راهناً بصياغة أخرى جنباً إلى جنب مع التعهد بمعالجة النقاط العالقة بين لبنان وإسرائيل على الخط الأزرق وفق ما تم التفاهم في وقت سابق بين الرئيس نبيه بري والموفد الأميركي آموس هوكشتاين.
الاختلافات الكبيرة التي ستطرأ تستند إلى أن ظروف الحرب المدمّرة راهناً للبنان مختلفة جداً والتساهل إزاء تنفيذ مضمون القرار 1701 بما في ذلك منع تسليح إيران أو سواها لـ"حزب الله" وتوفير كل السبل لاستعادة الدولة اللبنانية سلطتها بات مسؤولية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ففي مقابل منح إسرائيل حلاً لا يسمح للحزب "بالبقاء مع أسلحته وعناصره في موقع يهدّد إسرائيل وشمالها"، ثمة حاجة لمنح لبنان وليس أي طرف أو دولة أخرى مسؤولية جنوب لبنان بل مسؤولية كل لبنان بحدوده ومعابره.
وفيما تتفهم القوى السياسية التفاوض واقعياً مع بري بدلاً من الحزب باعتبار أنه من تسبب بالحرب وهو الطرف الوحيد فيها، فإن هناك خشية من توظيفه ذلك كإقرار بمشروعية استمرار سيطرته على القرار اللبناني خصوصاً بعدما نجح في إجهاض مطلب انتخاب رئيس للجمهورية قبل وقف النار كما طالبت دول عدة. يخشى أن تتجدد الحاجة إلى إنهاء الحرب بأي ثمن بالنسبة إلى الخارج كما يخشى كثر في الداخل قطباً مخفيّة يسعى من خلالها بري إلى عدم تقييد سلاح الحزب لمصلحة الدولة نظراً لحراجة موقعه وموقفه كذلك.