المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الأحد 29 أيار 2022 08:40:01
على الرغم من القدرات التعطيلية للكتل الأقلوية التي أنتجتها انتخابات العام 2022، إلا أنها أحدثت تغييراً متعدد الأوجه، لا سيما في التوازنات التي تم ارساؤها، أو في إعادة نسج التحالفات.
انسحاب السعودية وعودتها
نتائج هذه الانتخابات تأتي بشكل مختلف جذرياً عن نتائج انتخابات العام 2018، والتي كرست الأكثرية لصالح حزب الله وحلفائه، وحقق التيار الوطني الحرّ ما لم يكن يحلم بتحقيقه، من خلال نيله غداة يوم الانتخاب على كتلة نيابية من 29 نائباً.
تلك الانتخابات بدأت في مسار إخراج السعودية سياسياً من لبنان، بعد انخفاض منسوب الاهتمام بالملف اللبناني، وتحميل المسؤولية للبنانيين على خياراتهم، فيما كانت السعودية سياسياً تحمّل مسؤولية ذلك لسعد الحريري، الذي يتحمل جزءاً أساسياً من إقرار قانون الانتخاب. هنا أيضاً لا يمكن إغفال مسؤولية القوات اللبنانية في إقرار هذا القانون الانتخابي، والتي لا تزال متمسكة به لحسابات مسيحية، تمنحها فرصة زيادة عدد كتلتها النيابية. فتغلبت الحسابات التفصيلية على الحسابات الاستراتيجية.
قررت السعودية العودة بقوة إلى المعادلة اللبنانية قبل أيام قليلة من الانتخابات الأخيرة. ولو كانت هذه العودة قد حصلت قبل فترة تشكيل اللوائح، لكانت النتائج التي تحققت أكبر بكثير مما تحقق حالياً.
اختارت السعودية عودتها إلى لبنان عبر التركيز على التحالف مع القوات اللبنانية ومع الحزب التقدمي الاشتراكي، بانتظار بلورة موقف لكتلة سنّية أو كتل سنية للمرحلة المقبلة، إلا إذا حصل تغير على صعيد العلاقات بين السعودية وسعد الحريري، فيعود هو وفق برنامج سياسي واضح.
حققت السعودية بهذا العودة نقطة أساسية، وهي إسقاط مفاعيل الثلث المعطل. وإذا كان هناك من يعتبر أن اتفاق الدوحة قد ألغى مفاعيل اتفاق الطائف، فإن هذه الانتخابات يمكنها إلغاء مفاعيل اتفاق الدوحة، لعدم حصول طرف لوحده على الثلث المعطل، خصوصاً أن الحلفاء الذين كان يرتكز عليهم حزب الله لتثبيت الثلث المعطل في الحكومة قد خسروا وتراجعوا. فلا طلال ارسلان سيتمكن من الحصول على وزير في الحكومة بعد تركيب كتلة نيابية له، ولا سليمان فرنجية سيكون قادراً على تحصيل وزيرين في الحكومة، ولا التيار الوطني الحرّ سيكون قادراً على تحصيل عدد مرتفع من الوزراء، على ما كان عليه الوضع سابقاً. وعليه، ستعود الحكومة إلى معادلة ثلاثة أثلاث من دون ثلث معطل فيها.
طاولة حوار شامل
هذه الانتخابات أحدثت تغيراً كبيراً في موازين البرلمانات، التي كانت تتشكل منذ اتفاق الطائف بنسخته السورية. وهو قابل لأن يفتح الطريق أمام عودة البحث في تطبيق الطائف بشكل كامل، أو إدخال تعديلات عليه. ولكن ذلك يحتاج إلى الجلوس على طاولة حوار شامل، وبرعاية إقليمية ودولية، للوصول إلى تفاهمات حول كيفية توزيع التوازنات. إلا أن الخوف يبقى بأن أي تغيير من هذا النوع قد يكون مرتبطاً بعناصر العنف التي ستفرض على اللبنانيين الذهاب إلى الحوار، على شاكلة ما جرى في 7 أيار.
اتفاق الطائف أحدث تغييراً في موازين القوى بين الطوائف، ووضع إصلاحات دستورية لم يتم الإلتزام بها، وافتتحت بموجبه عملية سياسية جديدة. بينما اتفاق الدوحة وضع آليات وتفاهمات حول آلية إدارة الحكم. وبالتالي، فإن حجم أي تسوية ستكون مستندة على ثلاثة عوامل أساسية. العامل الأول، معطيات ومتغيرات خارجية تنعكس على الوضع الداخلي بموجب تغير موازين القوى. والعامل الثاني، يرتكز على التحالفات الداخلية وكيفية نسجها. فيما العامل الثالث سيكون مرتكزاً على الصراع القابل للانفجار، أو لان يتحول إلى عنف يقود في النهاية إلى تلك التسوية.
حالة انتقالية
وما نجح حزب الله في تكريسه باتفاق الدوحة هو الاعتراف بحصوله على الثلث المعطل، وبتشريع المقاومة من خلال إرساء معادلة "الجيش والشعب والمقاومة". وهي معادلة تلقى معارضة كبيرة في هذه المرحلة، بقدر ما تلقى تمسكاً أكثر تشدداً من قبل حزب الله، الذي يسعى إلى تكريسها.
هكذا يتضح أن لبنان سيكون في حالة انتقال من أكثرية وأقلية إلى مجموعات أقليات، لن يكون أحدها بمفرده قادراً على التحكم بمسار الأمور أو في فرض تشكيل الحكومات، إلا بحال قررت القوى الأخرى التنحي جانباً، أو لعب دور سلبي بدلاً من الدور الإيجابي. فعندها يتمكن حزب الله من إنتاج سلطة عبر تحالفات وعلاقات "على القطعة" مع قوى وشخصيات متعددة.