المصدر: رويترز
الخميس 17 حزيران 2021 17:47:31
تقوم البنوك اللبنانية، التي كانت محرّكاً للاقتصاد ذات يوم عبر استقطاب ودائع بمليارات الدولارات من الخارج، بخفض الوظائف، وتشهد انكماشاً في دفاتر القروض وتلاحق السيولة لكى تظل قيد النشاط.
وقال أربعة مصرفيين كبار لـ"رويترز" إنّ نحو ثلاثة آلاف مصرفي، أو ما يزيد عن عشرة بالمئة من قوة العمل في القطاع المصرفي، استقالوا أو خسروا وظائفهم منذ اندلاع الأزمة المالية في أواخر 2019، فيما تواصل الأرقام الارتفاع.
وتسري قيود فعلية على رأس المال، وحيل بين المودعين ومعظم مدخراتهم وهوى الإقراض للقطاع الخاص. وفي نيسان، انخفضت القروض المصرفية 25 بالمئة على أساس سنوي إلى 33 مليار دولار وفقاً لمذكرة صادرة عن "بنك بيبلوس".
وقال أحد المصرفيين إنّ "القطاع مات... لا يقوم بالإقراض، ولا يحقق أرباحاً".
وتواجه البنوك أكبر تحدٍّ منذ الحرب الأهلية في الفترة بين 1975 و1990، وهو الصراع الذي أسفر عن أضرار أقل للبنوك وفقاً لبعض المعايير. وكبدت الأزمة القطاع خسائر بقيمة 83 مليار دولار وفقاً لتقرير حكومي صادر في العام الماضي، وهو رقم يتضاءل إلى جانبه الناتج الاقتصادي للبنان البالغ 55 مليار دولار في 2019.
وقال توفيق غاسبار، الخبير الاقتصادي الذي عمل مستشارا لصندوق النقد الدولي ووزير مالية سابق "الأزمة في لبنان بالأساس انهيار مصرفي في المقام الأول".
وشكّل قطاع الخدمات المالية في لبنان قرابة تسعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2018.
وبدعم من البنك المركزي، الذي يعرض أسعار فائدة مغرية للدولارات الجديدة لخدمة الدين الآخذ في الانفجار في البلاد، استقطبت البنوك الودائع، على الأخص من اللبنانيين في المهجر. وحينما انهار ذلك الهيكل في 2019، تداعى الاقتصاد، وتضرر النظام المصرفي.
بدوره، أكد رئيس جمعية المصارف سليم صفير أنّ البنوك الآن تصمد بفعل عوامل من بينها السيولة الناتجة عن "التخلص من المديونية"، إذ ينقل الكثير من اللبنانيين أموالهم من البنوك لسداد ديون على أفراد وأخرى خاصة بالشركات.
وقال صفير، وهو أيضاً الرئيس التنفيذي لـ"بنك بيروت"، إنّه "في الأوضاع العادية يكون الإقراض هو عمل البنك، لكن في مثل تلك الأوضاع يمنحنا ذلك السيولة، يمنحنا هواء جديدا لمواصلة الصمود خلال الأزمة".
'لا استراتيجية'
وبحسب تقديره، فإن القطاع، الذي كان يوظّف نحو 28 ألفاً قبل الأزمة، يعمل به الآن نحو 25 ألفاً.
وقدم المصرفيون الكبار الثلاثة الآخرون أرقاماً مماثلة لخسائر الوظائف في القطاع، وأضافوا أن الرقم سيواصل الزيادة.
وقالت المصادر إنّ معظم فاقد الوظائف في قطاع التجزئة المصرفية، الذي يخدم في المعتاد أنشطة مصرفية أساسية مثل استقطاب الودائع أو بيع القروض إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي فقدت قوة الدفع أو ببساطة انهارت.
وتراكمت خسائر الوظائف في ظل الجمود السياسي الذي ترك لبنان بلا حكومة، بعد أن استقال مجلس الوزراء في أعقاب انفجار هائل بمرفأ بيروت العام الماضي والذي ألحق أضرارا بأجزاء كبيرة من العاصمة.
وأدّى الجمود السياسي لتأخير اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو عامل حيوي في خطة إنقاذ أوسع نطاقاً لإصلاح النظام المالي والاقتصادي اللبناني المتضرر.
ويقول مصرفيون ومحلّلون إنّ أي إعادة هيكلة لبنوك لبنان البالغ عددها نحو 40 يجب أن يكون جزءاً من خطة إعادة هيكلة شاملة.
وقال مصرفي كبير آخر: "لا توجد استراتيجية للقطاع المصرفي. نعمل في ظل انعدام للرؤية"، مضيفاً أنّ البنوك قادرة على العمل فقط "في وضع الاستمرارية".
ولفتت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز"، بعد أن تعثرت الحكومة في سداد الديون العام الماضي، إلى أنّ المدى الكامل للخسائر لن يتضح إلّا حين تعيد الحكومة هيكلة جبل ديونها.
وأضافت "ستاندرد آند بورز" أنّ تكلفة إعادة هيكلة النظام المصرفي قد تتراوح بين 23 مليار دولار إلى 102 مليار دولار.
وأصدر البنك المركزي توجيهات للبنوك بزيادة رأسمالها الدفاعي 20 بالمئة بحلول نهاية شباط وطالب البنوك بتعزيز السيولة بنسبة ثلاثة بالمئة لدى بنوك المراسلة التي تتعامل معها.
وقال صفير إنّ البنوك أكملت الزيادة، مضيفاً أنّ "التوجيه الآخر كان بزيادة السيولة الأجنبية".
وأكد أنّ هذا "أكثر صعوبة إذ أنه يجب عليك تسييل بعض أصولك الأجنبية، وسيتعين على المودعين إعادة تحويل بعض ودائعهم في الخارج للبلاد". وقال: "هذا السبب في أنه يستغرق بعض الوقت".