الحرب في لبنان بعيون صحافيين أجانب: أحيانًا ينظرون إلينا بشكّ كبير... يخافون من التجسس

"الناس متوترون جدًا، وهناك خوف من التجسس. هذا ما يجعل العمل أكثر تعقيدًا. أحيانًا ينظرون إليّ بشكّ أكبر ويبدون أقلّ استعدادًا للتحدث مع صحافي أجنبي، لكنني أفهم السبب". هذا ما يقوله الصحافي الأميركي ويليام كريستو لـ"النهار"، البالغ من العمر 28 عامًا، عن المناخ العدائي المتزايد ضد الصحافيين الأجانب في لبنان، خصوصا مع تصاعد حدّة الحرب واتساع رقعهتا.

كريستو صحافي مستقل ويعمل لصحيفة "الغارديان" البريطانية، يكشف عن تفاصيل عمله منذ اندلاع الحرب خلال العام الماضي، مركزا على تغطية الوضع في لبنان من زاوية حقوق الإنسان، قائلاً: "حاولت تعقب مصدر الذخائر التي تحتوي على الفوسفور الأبيض والتي استُخدمت في جنوب لبنان. أثبتنا أنها أميركية، وكذلك الأسلحة التي استُخدمت لقتل المسعفين في الهبارية".

تجربته في تغطية الحرب كانت الأولى من نوعها، ويشرح: "رغم أنني صحافي منذ خمس سنوات، هذه المرة الأولى أغطّي حربًا". ويصف كريستو التحديات التي واجهها في جنوب لبنان، "حيث كان الأمر صعبًا للغاية، لأن هناك خطرًا دائمًا يحيط بنا".
ويكشف عن مقتل بعض زملائه وإصابة آخرين، الأمر الذي كان له بالغ التأثير عليه: "عندما نتحدث إلى الأشخاص الذين فقدوا أحبّتهم، نكون نستمع إلى أسوأ لحظات حياتهم. كان من الصعب الموازنة بين توثيق القصة وإظهار مشاعرهم مع احترام خصوصيتهم".

كريستو هو أحد الصحافيين الأجانب الذين يمكن مشاهدتهم في المناطق المتضررة من القصف. يسعى إلى تسليط الضوء على ما يحدث في لبنان ونقله إلى العالم، تمامًا كما يفعل زملاؤه في مؤسسات إعلامية دولية أخرى. ومن بين هؤلاء، يبرز الصحافي الفرنسي آرثر سري الدين، البالغ من العمر 24 عامًا، والذي يعمل مع مؤسسات إعلامية كبرى مثل LCI و"ليبراسيون" و"راديو فرانس". 

يقول لـ"النهار": "أصبح الدمار جزءًا من المشهد. في الأشهر الأولى، كنا مندهشين لرؤية منزل أو اثنين تعرّضا للقصف الإسرائيلي. كان الأمر هائلًا وغير مسبوق. ولكن اليوم، نواجه قرى بأكملها سوّيت بالأرض، ولا يمكننا الوصول إليها بسبب الخطر والقنابل الإسرائيلية".

الصحافي الفرنسي كان يتنقل بين الشرق والغرب على الحدود لتوثيق تصاعد الأحداث، وعمل على تقارير ووثائقيات وتحقيقات وتغطيات مباشرة "لبناء أكبر توثيق ممكن".

وعن المخاطر التي تواجه الصحافيين، يقول سري الدين: "جميعنا نتعرض للضغط لتغطية هذه الحرب، تمامًا كما عايشنا المخاطر. لقد قُتل ثلاثة من زملائنا في هذا النزاع بنيران الجيش الإسرائيلي. نحن في مناخ من الصراع الدائم مع زملائنا أحيانًا، للعثور على الكلمات الصحيحة والتحليل المناسب، والتمسك بقيمنا الأخلاقية وسط حرب تزداد عنفا".

أما الصحافية الإسبانية مارتا ماروتو، البالغة 29 عاما، والتي تعمل لوسائل إعلام إسبانية عدة، فقد وصلت قبل شهرين من اندلاع الحرب في لبنان. تصف تلك الفترة بأنها كانت صعبة جدًا، إذ لم يكن لديها الكثير من المعرفة بالبلاد أو تاريخها أو مجتمعها، وتقول لـ"النهار": "كان عليّ أن أتعلم وأدرس بسرعة كبيرة". رغم هذه التحديات، ركزت خلال العام الماضي على تغطية انتهاكات القانون الدولي وجرائم الحرب، محاولة دائمًا أن أضفي الطابع الإنساني على الأحداث. كنت أحاول وضع وجوه وأسماء للأشخاص الذين يقفون وراء هذه الأرقام".

رغم أنها تعمل بمفردها في معظم الأحيان، تؤكد مارتا أنها لم تتعرض لمضايقات، لكنها تتبع نهجًا حذرًا في عملها. وتضيف: "أكون حذرة جدًا لأنني لا أتحدث العربية بطلاقة". وتوضح أنها إذا شعرت بعدم الراحة أو عدم الترحيب بها في مكان ما، فتغادر بلا تردد: "إذا طُلب مني ذلك، فلا أصر على البقاء".

وعن مشاهد الدمار والإصابات التي شاهدتها، تروي: "عندما أعود إلى المنزل، أعتقد أنه من الصعب التمييز بين شعوري الإنساني وإحساسي الصحافي". وتوضح أن "رؤية الأنماط المدمرة نفسها تتكرر في لبنان بعد عام واحد من تغطيتي لحرب غزة تجعلني أشعر بالإحباط والغضب. أكتب وأتحدث مرات عديدة بغضب وأحيانًا بحزن عما يحدث".

تغطية الصحافيين الأجانب للحروب تُعتبر تجسيدًا للتحديات الإنسانية والمهنية في سعيهم إلى نقل الحقائق. ومشاهدات الصحافيين الثلاثة، رغم تنوع خلفياتهم، تبرز عمق المعاناة وحجم الدمار جراء ما يحصل. صحيح أن بعض سياسات المؤسسات الإعلامية قد تؤدي إلى التفاف على الحقيقة، ولكن بالتأكيد العالم يعاين الدمار ويرى ما يفعله المعتدي.