المصدر: Kataeb.org
الكاتب: انطوان م. واكيم
الثلاثاء 24 حزيران 2025 12:01:36
"لفهم حقيقة المشاكل، اتبع المال".
جون لو كاري
في نهاية عام 2002، نشر البنتاغون دراسة وقعها دونالد رامسفيلد وأعضاء آخرون في الإدارة، توقعت أنه بحلول عام 2017، ستكون الصين العدو الرئيسي للولايات المتحدة. وقد خلصت استقراءات المحللين في مراكز الأبحاث العسكرية، بعد إدخال بيانات الاتجاهات الديمغرافية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، إلى أن الصين ستبدأ بحلول عام 2017 في استهلاك كميات مفرطة.
الصين والولايات المتحدة مترابطتان اقتصاديًا بشكل كبير، لدرجة أن “إمبراطورية الوسط” قد تصبح خصمًا لا تتم محاربته مباشرة، بل يتم عزله وتطويقه ووضعه في حالة من التفوق العسكري الأمريكي.
ما يحدث منذ بداية الحرب في أوكرانيا وصولاً إلى غزة، لبنان، سوريا، وأخيرًا إيران، ليس سوى حرب عالمية غير متماثلة ذات تداعيات جيوسياسية واقتصادية كبرى، تهدف إلى ضمان استمرارية الهيمنة الأمريكية، والحفاظ على أحادية القطب في العالم، وسيادة الدولار، واستعمار أسواق جديدة لاقتصاد أمريكي مثقل بالديون. كما حدث في أوكرانيا، فإلى جانب اتفاقات المعادن النادرة واستغلال الموارد الطبيعية، يشارك أكبر مدير أصول في العالم، “بلاك روك”، في إعادة الإعمار والزراعة والصناعة، إلى جانب بنوك مثل “جي بي مورغان” واستراتيجيين كـ “ماكنزي”.
التطويق العسكري للصين تم التخطيط له منذ سنوات. فإلى جانب وجود البحرية الأمريكية في بحر الصين، أو في جزر المحيط الهندي مثل “دييغو غارسيا” في الجنوب، تمتد القواعد العسكرية الأمريكية من اليابان إلى كوريا الجنوبية، إلى “غوام”، إلى الفلبين، ومناطق أخرى في الشرق. أما في الغرب، فهناك قواعد في أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان، تستخدم أيضًا للتشويش الإلكتروني على الصين والتحكم في اتصالاتها.
إيران، نظرًا لموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، تشكّل جسرًا يربط روسيا بالصين، وتُعد عضوًا أساسيًا في مجموعة “بريكس” ومنظمة “شنغهاي للتعاون”. نُضيف إلى ذلك اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة مع الصين عام 2021، التي تؤمّن استثمارات صينية ضخمة بقيمة 400 مليار دولار مقابل أسعار جذابة للنفط الإيراني.
جغرافيًا أيضًا، فإن إيران، كما أوكرانيا، تقع على مسار مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، والتي تم التصدي لها عبر الممر الهندي الذي تم تدشينه في سبتمبر 2023، قبل هجوم غزة تحت راية زائفة في 7 أكتوبر. علمًا أن الهند دعمت إسرائيل في حربها ضد “حم في غزة.
لذلك، النظام الإيراني مدعو لتغيير سياسته تجاه الغرب، وإلا فمصيره في خطر.
إنها بداية عصر جديد: عصر حرب باردة مع الصين. الإمبراطورية الأمريكية، المثقلة بالديون والمشكلات الاجتماعية الداخلية، تقاتل للحفاظ على سيطرتها. إنها حرب باردة متعددة الأوجه: اقتصادية، تجارية، عسكرية، وقبل كل شيء، تكنولوجية، مع التنافس على الذكاء الاصطناعي، النانو تكنولوجيا، الروبوتات، الفيزياء الكمومية، وغيرها.
يجب على “حزب الله” في لبنان أن يفهم أن هذه الأحداث لا تتجاوزه فحسب، بل تتجاوز دولاً بكاملها وقوى إقليمية. إنها حرب بين قوتين عظميين، عملاقين، وفي هذه الحالة، يجب خفض الرأس كما يقول مثل لبناني شهير. هناك تغيير هائل في منطقتنا، حيث أن الصيغة القديمة منذ قيام نظام الملالي في 1979، التي غذّت الصراع السني-الشيعي وقدمت فوائد كبرى للغرب، قد تغيّرت.
الانخراط العسكري في هذا الصراع الجديد لن يكون انتحاريًا فحسب، بل عديم الجدوى وخطير جدًا، إذ يمنح العدو الإسرائيلي ذريعة قد تكون هذه المرة لتدمير لبنان بالكامل. أضف إلى ذلك أننا لا نستطيع محاربة إمبراطورية تدعم الجيش اللبناني، وتسمح لشعبها باستخدام الدولار. والأهم من ذلك، عندما تسعى هذه الإمبراطورية إلى استقرار لبنان، من أجل مصالحها بالطبع، لكنها في الوقت نفسه تمدّ يد العون، وفقًا لمصالحها، لمساعدة البلد على الخروج من أزمته الاقتصادية المستمرة منذ ست سنوات، والتي لم تفعل فيها الطبقة السياسية الفاسدة سوى مراكمة الثروات على حساب الشعب اللبناني. للمرة الأولى تتقاطع مصالح الولايات المتحدة ولبنان! يجب على لبنان أن يغتنم الفرصة، محافظًا على سيادته، ومحررًا أراضيه المحتلة، وهذا لا يمكن أن يتم إلا عبر الدبلوماسية.
كما قال باولو كويلو في “دليل محارب لاجل النور”: “كل غضب الطائر لا يمكنه فعل شيء ضد القط.” لذلك، يجب إعلان الحياد، ويجب على “حزب الله” أن يتحلّى بالحكمة لا بالإيديولوجيا، وأن ينفصل عن إيران، ويعيد تعريف وطنيته ومصلحته الشيعية، ويسلّم سلاحه رسميًا للدولة لنتمكن من بناء دولة قوية تواكب التحولات الإقليمية وتستفيد منها.
يجب على اللبنانيين أن يستوعبوا التحولات القادمة. كما يجب أن يدركوا أن نموذجهم الاقتصادي القديم أصبح متجاوزًا. عليهم تبني رؤية اقتصادية وثقافية ملائمة للمستقبل. يجب الاستثمار في الزراعة وحمايتها، في البنية التحتية، في التكنولوجيا، الصناعة والتصدير، وألا يعتمدوا فقط على السياحة مع البقاء كـ “مجتمع استهلاكي”. يجب على لبنان ان ينتج.
يجب على اللبنانيين أن يتحاوروا معًا، وأن يصبح لبنان ملتقى تعيش فيه كل الأديان بسلام. نموذج ثقافي يتعلّم فيه الناس محاربة الفساد من عقولهم أولًا، ليتمكنوا من محوه من مؤسساتهم العامة. لقد حان الوقت لكي تولد الجمهورية اللبنانية من جديد من رمادها وتنير العالم.
لبنان لا يملك لا القوة ولا الوزن لمجاراة خطط عملاق، عملاق مثقل بالعجز، جائع، يستولي على ثروات الآخرين، وعلى حافة الإفلاس لدرجة أن العالم بأسره يدعو بصمت لنجاته، لأن سقوطه يعني كارثة اقتصادية كبرى تهدد الكوكب بأسره. ببساطة، نحن أمام إمبراطورية تحارب من أجل سيادتها وبقائها، وتُطبق مقولة “لامبيدوزا” في رواية “الفهد”: “لكي يبقى كل شيء على حاله، يجب أن يتغيّر كل شيء.