"الحزب" يدخل حرباً طويلة... وواشنطن تراهن على إيران لإنهائها

إنها "حرب لبنان الثالثة"، كما يصفها الإسرائيليون. لكنها حرب بأساليب جديدة وآليات مختلفة عن الحروب السابقة. ما هو واضح حتى الآن، أن الإسرائيليين وضعوا برنامجاً عسكرياً محدداً لمسار عملياتهم. يتدرجون في توسيعها وتصعيدها، حيث انتقلت إلى مرحلة استهداف المناطق السكنية والمأهولة، في إطار الضغط على حزب الله من خلال إلحاق الأذى ببيئته الحاضنة.
في موازاة التصعيد المتدرج والمتوسع، يُبقي الإسرائيليون هامشاً أمام القنوات الديبلوماسية التي تتحرك بكثافة. ولكن وفق قاعدة واحدة، وهي دفع حزب الله للرضوخ لشروطهم ووقف المواجهات، وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة، والتراجع إلى ما بعد نهر الليطاني. لذلك، ينفذون التصعيد، وفي موازاته يعملون على إيصال الرسائل بضرورة دفع الحزب إلى التراجع والتنازل.

الحرب في أولها
بالنسبة إلى حزب الله، المرحلة أصبحت مختلفة كلياً. بعد المجازر التي ارتكبت، لا يمكنه التفاوض، ولا يمكنه الموافقة على وقف إطلاق النار حالياً. لأن أي تهدئة أو اتفاق سيعني أنه خرج مهزوماً. علماً أن مصادر قريبة من الحزب تؤكد أنه يمتلك الكثير من الأوراق والأسلحة التي لم يستخدمها حتى الآن. وهو يضع برنامجاً واضحاً لآلية استخدامها واختيار التوقيت المناسب لذلك، لأنه وفق تقديراته فإن الحرب ستكون طويلة.
المعادلة الإسرائيلية واضحة، وهي بعد كل موجة تصعيد كبير وغارات كثيفة، تتقدم بطلبات من الحزب للتنازل. وطالما أن الحزب لم يوافق، فإن الغارات ستتكثف وتتوسع وعمليات التهجير ستتزايد. حزب الله لا يزال يربط وقف إطلاق النار في لبنان بوقف النار في غزة. ولذلك، فإن التقديرات السياسية والديبلوماسية تعتبر أن إطلاق معركة لبنان هو دخول في مرحلة جديدة بالحرب الإسرائيلية في المنطقة، وأي وقف لإطلاق النار في لبنان هو الذي يفترض أن يؤدي إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.
ما يقوم به الإسرائيليون هو ضرب إمكانيات حزب الله، وتعطيل قدراته لفترة طويلة، وإبرام اتفاق سياسي يريح إسرائيل لعقود. ما يفترض أن يطال وظيفة لبنان في المرحلة المقبلة سياسياً، عسكرياً واقتصادياً. الطريقة الوحيدة بالنسبة إلى نتنياهو لدفع حزب الله إلى وقف الحرب هو الضغط العسكري الكبير عليه. وفي حال تمكن حزب الله من إلحاق أذى كبير في إسرائيل، فيمكن لذلك أن يسهم في الجلوس على الطاولة التفاوضية. أما بحال لم يتمكن الحزب من توجيه ضربات قاسية وموجعة، فإن التوسيع الإسرائيلي للضربات سيبقى مستمراً.

سكان الجنوب ومستوطنو الشمال
بالنسبة إلى حزب الله، وفق مصادر قريبة منه، فإن ما يتحدث عنه الإسرائيليون حول فتح النافذة الديبلوماسية أو الحل السياسي، هو كلام للاستهلاك الإعلامي، لأن المسار الإسرائيلي واضح حول النية التصعيدية. أما مصادر ديبلوماسية غربية مواكبة لمسار التفاوض، فتشير إلى أن أي اتفاق يطالب به الإسرائيليون، الهدف منه هو فرضه من موقع القوة، وأن تظهر إسرائيلُ حزبَ الله وكأنه رضخ لكل شروطها وضغوطها، وهو ما لا يمكن أن يقبل به حزب الله. تؤكد المصادر الديبلوماسية أن هناك رسائل دولية ومن جهات عديدة تصل بشكل أو بآخر لحزب الله وتدعوه إلى وقف الحرب.

حزب الله وفق المصادر القريبة يقول إنه لا وقف للحرب إلا بوقف الحرب في غزة، وخلق معادلة اسمها تهجير سكان الجنوب مقابل تهجير مستوطني الشمال الإسرائيلي. ويؤكد الحزب أن سكان المستوطنات لن يعودوا طالما الحرب لن تتوقف على غزة. يقرّ الحزب بتلقي رسائل كثيرة، لكنه يشير إلى أن الكلمة ستكون للميدان. وتضيف المصادر القريبة من الحزب: "ندير المعركة على قاعدة أن الحرب لا تزال في أولها، لا سيما أنها تتطور وتتحول، فالمواجهات كانت قد بدأت كجبهة إسناد، وتحولت إلى حرب استنزاف طويلة، أما اليوم فتغيرت كل القواعد، والإسرائيلي يريد الدخول في معركة ضد حزب الله منفصلة عن جبهة غزة، وهذه الحرب ستتطور وتتغير".
يعتبر الحزب أن الإسرائيلي لا يزال يحاذر الدخول في الحرب البرية، لعدم تكبد خسائر كبيرة وطالما أنه لا يزال يتمتع بالتفوق الجوي. كما أن بيروت والضاحية لا تزال محيدة في هذه المرحلة، ولكن قد يتم استهدافها لاحقاً لزيادة الضغط، وهذا سيكون له حسابات مختلفة.

الوفد التركي والقطري
من ضمن المساعي الديبلوماسية، برزت زيارة وفد تركي وقطري إلى بيروت لنقل رسائل لحزب الله والتفاوض معه حول صيغة حلّ شامل. وحسب المصادر، فإن الحزب بقي متمسكاً بضرورة وقف الحرب على غزة. عقد الوفدان لقاءات مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ومع حزب الله، ومع قائد الجيش، وقدموا رؤاهم وطروحاتهم، إلا ان المعادلة لا تزال ثابتة وهي ارتباط جبهة لبنان بجبهة غزة.

ومن ضمن التحركات الدولية التي يتم العمل عليها، برزت زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعقد لقاءات مع مسؤولين دوليين. يأتي ذلك وسط معلومات تفيد بأنه يتم العمل في مجلس الأمن الدولي بين عدد من الدول لإعادة اصدار موقف يدعو إلى وقف إطلاق النار والالتزام بالقرار 1701. وبحسب المعلومات، فإنه يتم العمل على إعداد نص جديد حول القرار 1701، ولكن باستخدام صيغ مختلفة للصيغة المكتوبة سابقاً.

تباين بين الحزب وإيران؟
في ظل التصعيد القائم، تُطرح في لبنان أسئلة كثيرة حول موقف إيران، لا سيما في ضوء تصريحات الرئيس الإيراني عن عدم قدرة الحزب على مواجهة إسرائيل لوحده، وحول نوايا إيران للدخول في مفاوضات جديدة في نيويورك حول الملف النووي. هذا أدى إلى خلق أجواء كثيرة حول التباين في الآراء بين إيران وحزب الله، بينما يعتبر آخرون أن هناك تبايناً في الآراء داخل إيران نفسها، بين الفريق الرئاسي الجديد، وبين الحرس الثوري، الذي يصر على التصعيد.
بالنسبة إلى المصادر القريبة من الحزب، فهناك تأكيد بأن لا خلاف مع إيران، وطهران لن تتخلى عن الحزب. فالحزب هو الخط الأمامي للمشروع الإيراني في المنطقة، سياسياً، واستراتيجياً. وطهران لديها حسابات عديدة، خصوصاً أن المعركة لن تكون مع إسرائيل لوحدها، بل تتدخل فيها الولايات المتحدة الأميركية. لذلك هناك حسابات استراتيجية عديدة لا بد لها أن تتكامل بين الحزب وإيران.
في هذا السياق، يتواصل الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من الاجتياح البري، أو تأجيل العملية. إذ تراهن واشنطن على دور طهران في إيجاد مخرج أو تسوية أو دفع الحزب إلى خفض التصعيد. وفي هذا السياق أيضاً، فإن القنوات الأميركية الإيرانية مفتوحة على مصراعيها.