المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الخميس 23 كانون الثاني 2025 07:59:58
يقف لبنان أمام محطتين مهمتين جداً توازياً مع الرسائل الإيجابية التي يوجهها الخارج الصديق إليه، والذي تشكل الزيارة المهمة المرتقبة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى بيروت مؤشراً بارزاً حياله، بعدما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استهل هذا المسار الأسبوع الماضي. المحطتان تسيران على نحو متوازٍ من دون أفضلية لواحدة على أخرى: الأولى هي إنجاز تأليف حكومة لها مواصفات محددة أقله وفق الانتظارات الكبيرة للداخل والخارج على حد سواء على قاعدة استبعاد السلوك السابق في المحاصصة السياسية وفي إدارة غير مؤهلة وفاسدة للمؤسسات في البلد.
والأخرى هي إتمام فترة التنفيذ الأولية لاتفاق وقف النار التي تبلغ 60 يوماً تنتهي يوم الأحد المقبل بنجاح والانتقال إلى المرحلة المقبلة من بدء مرحلة جديدة من خلو جنوب الليطاني من أي وجود لـ"حزب الله" أو سواه من القوى المسلحة. المحطتان تشكلان شرطاً أساسياً لقادة إقليميين ودوليين ولا سيما لقادة دول الخليج العربي من أجل تقديم المساعدة في إعادة الإعمار إلى لبنان. ولذلك تكتسب الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السعودي أبعاداً مهمة يفترض أنها تندرج في إطار المرحلة الجديدة التي يدخلها لبنان على كل المستويات، باعتبار أنها تحصل بعد انقطاع كان مريراً وصعباً ومكلفاً جداً بالنسبة إلى لبنان في الأعوام الماضية، لا سيما في ظل إدارة إيران الواقع اللبناني سابقاً عبر "حزب الله" ، وهي تشكل في حد ذاتها مفتاحاً للعودة الخليجية من الباب الواسع مع دلالات الزيارة المرتقبة أيضاً لوزير خارجية دولة الكويت لبيروت.
لا أعذار أمام لبنان في للإخلال بهذا المسار فيما بدأت تمتد الأيدي إلى لبنان من أجل تقديم العون وفق مصادر ديبلوماسية. وهذا يسري في الدرجة الأولى على المساعدات التي بدأت بعض الدول بتقديمها إلى الجيش اللبناني على قاعدة دعمه لأداء مهامه في ظل وقف إطلاق النار، وفي محاولة لتهدئة المخاوف الإسرائيلية وغيرها كما بفعل الثقة بأنه قادر على الاضطلاع بالمهام المتعلقة بضبط الوضع وضمان فرض الدولة اللبنانية سيادتها على كل الأراضي اللبنانية وتعزيز أمن الحدود مع إسرائيل . ففي الأيام الماضية وقبيل إنهاء الرئيس جو بايدن ولايته ، أبلغ الكونغرس الأميركي أن إدارته تقوم بتحويل 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، و7.5 ملايين دولار أخرى مخصصة لإسرائيل، من أجل مساعدة الجيش اللبناني. ويوم أمس الأربعاء أعلن الاتحاد الأوروبي عن دفعة ثالثة من المساعدات المالية للجيش اللبناني بقيمة 60 مليون يورو تشكل مؤشرات قوية عن التزام الخارج تعهداته وانتظاره التزام لبنان تعهداته في المقابل . تأخذ هذه المصادر في الاعتبار ما يهدد به " حزب الله" من احتمال لجوئه إلى العمل العسكري مرة أخرى إذا لم تلتزم إسرائيل بالموعد النهائي للانسحاب ، بناء على ما كان أدلى به أمينه العام الشيخ نعيم قاسم من أنه : "قد ينفد صبرنا قبل 60 يوماً أو يستمر لفترة أطول... عندما نقرر التحرك، سترون ذلك بشكل مباشر". ولكنها تعتقد في الوقت نفسه أن هذه التهديدات على صلة بالاستهلاك الداخلي في شكل أساسي لاعتبارات عدة تتصل بالواقع الذي أضحى عليه الحزب والذي يختلف جذرياً عن السابق والتهديدات التي كان يسوقها، بالإضافة إلى عدم وجود مصلحة لديه بفتح حرب قد تستغلها إسرائيل لإطاحة ما تبقى من ترسانته، فيما أن هذه التهديدات موجهة أيضاً في اتجاه الداخل اللبناني من أجل عدم استضعافه وإظهار قدرته على تحصيل ما يريد عبر ذلك سياسياً. ومع أن الحذر الذي يبديه الخارج إزاء هشاشة الوضع في الجنوب وإمكان عدم استمرار وقف النار ، تعتقد المصادر الديبلوماسية أن هناك أموراً كثيرة على المحك على هذا المستوى بحيث يصعب العودة إلى الوراء.
اللعب يبدو هامشه أكبر في الجانب السياسي والقدرة لدى القوى السياسية المتحكمة بالوضع في لبنان منذ عقود ، على الالتفاف على متطلبات الخارج أو ملاقاتها إنما على حساب تظهير قوة تعلو أو تستضعف المرجعيات الدستورية وتبرز استمرار الحاجة إلى موافقتها في حال لم تستطع تطويع الخارج كما تريد . وهذه النقطة الأخيرة، أي القدرة على تطويع الخارج، لم تعد بالقوة نفسها كما في السابق، على غرار الفترة التي زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان بعد انفجار المرفأ وانهيار الوضع المالي، فيما أن التطاحن قائم أكثر لحسابات داخلية تنافسية في الدرجة الاولى. تغيرت الأمور كثيراً والدينامية الإقليمية تدفع بالأمور قدماً على نحو يرجح ألا تستطيع القوى الداخلية فرملتها . ولكن الحذر الكبير يلازم كل خطوة ولا ضمانات فعلية إزاء ما بعدها حتى تحقيقها والانتهاء منها. وتبعاً لذلك تقر هذه المصادر بأن منح وزارة المال للثنائي الشيعي لا يجد ممانعة فعلية من الخارج، إنما ربطاً بمن يتسلمها، لا سيما أن مسؤولية هذه الوزارة كانت كبيرة في الأعوام السابقة وما حصل في لبنان ، مع الرغبة في طمأنة الثنائي، وإن كانت لا تنفي أنه يضمر ابتزازاً تحت عنوان الميثاقية على هذا الصعيد . ولكن هذه المصادر تقر في الوقت نفسه بأن الانطلاق من ثابتة هذه الحقيبة يجعل الأمور تدور من حولها بصعوبة بما يعنيه ذلك في ترجمة هذا المعطى في الحسابات السياسية والطوائفية وحسابات الربح والخسارة كما حسابات القوة والأقل قوة كذلك .