الخليفي لـ"المدن": رئاسة لبنانية "بالتوافق"... وندعم خيار الشعب السوري

في عناوين الحلّ والدعم، وعدم ترك الشعوب في اللحظات العصيبة، تحضر دولة قطر في ميادين مختلفة. فهي الدولة التي تتحول إلى مقصد لدول عديدة في مجال الوساطة الدولية، التي بدأتها في الشرق الأوسط، وتوسعت لتشمل دول مختلفة في العالم. حضورها ينطلق من خلفية الاهتمام وتوفير المساعدات اللازمة للمجتمعات، والتقريب في وجهات النظر. ما بين لبنان وسوريا تؤيد دولة قطر مطالب الشعبين، ولذلك بادرت وسارعت إلى افتتاح سفارتها في دمشق، لعدم ترك الشعب السوري لوحده، ولتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة، ومواكبة مسار الانتقال السياسي للسلطة. أما في لبنان، فلم تتأخر قطر يوماً عن الإطلالة على الملفات اللبنانية المتعددة، من خلال توفير المساعدات وتقديمها لمختلف القطاعات، أو من خلال مواكبة الاستحقاقات الدستورية ولا سيما انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل السلطة وإنجاز الاصلاحات المطلوبة.
في هذا السياق تأتي زيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، إلى بيروت، للقاء المسؤولين، والبحث في كيفية الانطلاق نحو مسار جديد سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وإصلاحياً، مع تأكيد الحرص على سيادة لبنان.
***

"المدن" أجرت مقابلة مع الدكتور الخليفي، أكد فيها أن الهمّ القطري الأساسي -بالتعاون مع المجموعة الخماسية- هو العمل على توفير المساعدات الإنسانية والاجتماعية، وانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل السلطة، وتثبيت الأمن والاستقرار في الجنوب، من خلال دعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأخرى. والأهم، هو إنجاز الاستحقاق الرئاسي بما يتوافق عليه اللبنانيون. أما في سوريا، فيؤكد أن دولة قطر لم تحِد عن موقفها المؤيد للشعب السوري، وهي ستبقى إلى جانبه، وحقه في تقرير مصيره من دون التدخل من أي جهة، ومواكبة كل التطورات والقيام بالمساعي لوقف الخروقات الإسرائيلية المدانة وغير المقبولة. كما أن قطر تدعم الشعب السوري بطموحاته ورغبته في تحقيق العدالة.
ويشدد الخليفي أن دولة قطر لن تألو جهداً في العمل في سبيل تحقيق حلم الدولة الفلسطينية للشعب الفلسطيني، وفيما يلي نص المقابلة:

تزورون لبنان في لحظة تحول جيوستراتيجية كبرى، تبدو منطقة الشرق الأوسط وكأنها تتشكل من جديد. معروف تاريخياً أن لبنان يتأثر بكل ما يجري من حوله، وخصوصاً بسوريا. فما هي رمزية زيارتكم إلى لبنان بهذا التوقيت على وقع التحولات السورية، لا سيما أن دولة قطر بقيت ثابتة على موقفها في عدم السعي لإعادة تعويم النظام السوري؟
- تأتي هذه الزيارة لتأكيد موقف دولة قطر الثابت في دعم لبنان وشعبه الشقيق. إذ لم تغب القضية اللبنانية يوماً عن الحكومة والقيادة القطرية. نحن نتحرك في إطار التنسيق الجيد مع المجموعة الخماسية سعياً لإيجاد حل سياسي للوضع اللبناني الراهن، ودعم جهود استقرار المنطقة، مع التأكيد على سيادة لبنان على كافة أراضيه. وما يحدث في الدول المجاورة له تأثيرات مباشرة على لبنان. لذا، سنساهم في الجهود الرامية لتعزيز أمن المنطقة.
فيما يخص سوريا، استمرت دولة قطر في موقفها الثابت تجاه الأزمة السورية، نظراً لإيمانها بحق الأشقاء في سوريا في نيل مطالبهم المشروعة. إلا أن عدم تجاوب النظام السوري مع كافة المبادرات الدولية والعربية ألزم دولة قطر بالثبات على موقفها المعروف.

لطالما كان هناك اهتمام قطري بالملفين اللبناني والسوري. البلدان بحاجة إلى ورش عمل سياسية واقتصادية واجتماعية، وأمامهما تحديات إعادة بناء مقومات الوحدة الوطنية والحفاظ على اللحمة الاجتماعية. وقطر إحدى الدول الرائدة في الوساطات الدولية والعمل على تقريب وجهات النظر بين الدول أو بين المكونات المختلفة داخل كل دولة، فما هي رؤية سعادتكم للمرحلة المقبلة؟ وهل يمكن لدولة قطر أن تضطّلع بدور تقريبي في لبنان حول إعادة تشكيل السلطة، وكذلك في سوريا من خلال الجمع بين مختلف مكونات المجتمع السوري لبناء سوريا الجديدة؟
-نرى أن المرحلة المقبلة يجب أن ترتكز على مبادئ أساسية تقوم على دعم الاستقرار وتعزيز الحوار الوطني الشامل. ملف تشكيل السلطة في لبنان هو بيد اللبنانيين أنفسهم، وهم وحدهم القادرون على حلّه متى توافرت الإرادة وتعاضدت الجهود الداخلية للوصول إلى موقف موحد، يحفظ استقرار لبنان ويساهم في رسم مستقبله. ستواصل دولة قطر جهودها في دعم هذا الحراك السياسي وتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف. وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، تدرك قطر أهمية الحفاظ على أمن لبنان داخلياً وخارجياً. ولم تتوانَ عن تقديم الدعم للجيش اللبناني، إيماناً منها بأهمية الحفاظ على هذه المؤسسة وتعزيز دورها في حماية واستقرار لبنان.
كما تدعم دولة قطر تطلعات الشعب السوري الشقيق، ورغبته في تحقيق العدالة والعيش بكرامة وأمن، وبناء دولة تلبي تطلعاته بعد سنواتٍ من الظلم والعدوان مرت بها سوريا تحت حكم النظام السابق. ونتطلع لعملية سياسية شاملة تضم كافة أطياف المجتمع السوري. ونرى أهمية تضافر الجهود الدولية في مسار التنمية والازدهار بعد سنوات من الصراع. الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية تعد ملحة في هذه المرحلة المهمة، ودولة قطر على استعداد تام لدعم كافة الجهود الإقليمية والدولية في إطار واضح وشامل.

سوريا، فلسطين ولبنان، أمام تحديات وجودية بفعل الأطماع الإسرائيلية التوسعية والهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية، ما هي رؤيتكم للتعاطي مع هذه التهديدات انطلاقاً من الدور الأبرز الذي لعبته الدوحة في سبيل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، والمواقف المتكررة التي أطلقها سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حول التمسك بحل الدولتين وحق الفلسطينيين بدولتهم المستقلة؟
- إن موقف دولة قطر ثابت حيال عدالة القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، لا سيما حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الموقف كان ولا يزال حاضراً في جميع مواقف القيادة القطرية في المحافل الدولية. وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، لعبت دولة قطر دوراً محورياً في تهدئة الأوضاع وتخفيف المعاناة عبر تقديم المساعدات الإنسانية، فضلاً عن جهودها الدبلوماسية مع الشركاء للتوصل إلى وقف إطلاق النار ضمن هدنة إنسانية.
لن تألو دولة قطر جهداً في حشد الدعم لضمان حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على دولته المستقلة، ودعم الجهود الإقليمية والدولية المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني، إيماناً منها بأن الحل الشامل والعادل لهذه القضية المحورية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

تنخرطون في لبنان باهتمامات متعددة، قدمتم مساعدات وفيرة لمختلف القطاعات ولا سيما للجيش اللبناني، وقطر إحدى الدول المؤثرة جداً بين مجموعة الدول الخمس المعنية بلبنان، فما هي رؤيتكم لمسار العمل الدبلوماسي حول إنتاج تسوية في لبنان؟ علماً أن الدول الخمس تنطلق في عملها من ثوابت أرساها اجتماع الدوحة في حزيران 2023، فهل هناك أسماء أو مواصفات محددة للرئيس المرتقب في لبنان؟
- يُعد استقرار لبنان ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة. وتؤمن دولة قطر بأن حل الفراغ الرئاسي يجب أن ينبثق من توافق داخلي بين الأطراف اللبنانية. لقد ذكرت سابقاً وأكرر الآن، قطر لا تزكي اسماً بعينه، فهذا شأن لبناني والقرار بيدهم. بل إن قطر ستعمل وتتعاون مع من يختاره اللبنانيون أنفسهم.
يتجلى دور دولة قطر في المشاركة الإيجابية في إنهاء الأزمات السياسية. في ظل الظروف الراهنة والتحديات التي تمر بها لبنان، تواصل دولة قطر جهودها الحثيثة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين.
ويجب الاستفادة من الأحداث الأخيرة لتوحيد الصف اللبناني. ومن الضروري الإدراك بأنّ السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار في لبنان، هو عن طريق نبذ الخلافات بين مختلف التيارات السياسية والتركيز على إعلاء مصلحة لبنان.

سقط النظام السوري في ظل عبارات سياسية يتم استخدامها على مستوى المنطقة عنوانها "تقويض النفوذ الإيراني"، وإعادة انتاج نظام إقليمي قائم على التوازن. ما بين سقوط النظام والتوازن الإقليمي، فإن قطر تحقق تقدماً من خلال دعمها لخيارات الشعب السوري، وفي الوقت نفسه تمتلك علاقات جيدة مع إيران في سياق رؤية الدوحة للتقارب الإقليمي، فما الذي سينجم عن هذه التحولات؟
- تبنت دولة قطر نهج الوساطة كركيزة أساسية لسياستها الخارجية، مستمدة ذلك من المادة السابعة من الدستور، والتي تنص على أن سياسة الدولة تقوم على توطيد السلم والأمن الدوليين عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية. يتفق هذا النهج مع دور الدولة في حل المنازعات على المستويين الإقليمي والدولي من خلال الوساطة والحوار، مما يستلزم علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام. 
إيران دولة جارة وتربطها علاقات تاريخية مع دولة قطر، قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. تحرص دولة قطر على الحوار الدائم والمستمر مع إيران، بما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة. من خلال هذه الجهود، نرى أهمية التقارب الإقليمي بين إيران ودول المنطقة وبحث القضايا المشتركة بشفافية ووضوح، بما ينعكس على أمن الجميع واستقرار المنطقة.
دولة قطر كانت وما زالت داعمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها. ندعم عملية انتقال السلطة السياسية بشكل سلمي في سوريا، على أن يقودها الشعب السوري نفسه من دون أي تدخلات خارجية. كما أنه لا بد من تضافر الجهود العربية والدولية لوقف الانتهاكات والاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية في سوريا.