الرئاسة مجمّدة والبحث في "القيادة" عاد إلى الصفر

لا جديد رئاسياً. الملفّ لم يعد مطروحاً من أساسه، وإن كان خرج من إطاره اللبناني الداخلي إلى الحيّز الدولي والإقليمي. لم تُحدث الأوضاع الإقليمية المتأزّمة تغييراً في الإصطفافات أو تعدّلها. احتلّت قيادة المؤسسة العسكرية صدارة الاهتمام المحلّي وحتى الدولي على حساب انتخابات رئاسة الجمهورية، لكنّ العلاقة الجدلية بين الملفين لا تزال قائمة.

رفض تعيين قائد جديد للجيش يبنيه أصحابه على خلفية عدم وجود رئيس للجمهورية يعتبر بالعرف المعني الأول باختيار الشخصية المؤهّلة لقيادة المؤسسة العسكرية، ولذا فإنّ تعيين أي شخصية في الوقت الحاضر سيكون بمثابة فرض أمر واقع جديد على الرئيس المنتخب حديثاً والإرث القديم الذي عليه تقبّله. سبب إضافي لرفض ذلك مردّه أيضاً إلى اعتبار أنّ لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الرأي المرجّح في اختيار القائد المعيّن أي استمرار سلطته على العهد الجديد. في الاعتبارات المسيحية يفترض هؤلاء الرافضون أنّ رأي باسيل لا يختصر رأي كل المسيحيين.

‎على عتبة الفراغ الذي يهدّد قيادة الجيش، هناك من يستعجل إجراء انتخابات الرئاسة كي يقفل الباب على تعيين جديد ويوافق ضمناً على تأجيل تسريح القائد الحالي، ولا يعارضه ضمناً.

‎ربطاً بحرب إسرائيل على غزة والمواجهات التي يقودها «حزب الله» على الساحة الجنوبية صار الاستحقاق الرئاسي مؤجّلاً دولياً، وتنقل مصادر ديبلوماسية اطّلعت على أجواء اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية في الرياض، أنّ البحث بينهما تطرّق إلى الملف اللبناني على سبيل تأكيد استقرار الوضع من دون الغوص في بحث مستفيض في الملف الرئاسي. تعبّر المصادر عن اعتقادها أنّ الظرف لا يسمح بطرحه في ظلّ الأحداث المتسارعة في غزة ما يعزّز فرضية ربطه بمسار الحرب الدائرة حالياً.

‎وإزاء الأفق المقفل داخلياً، تحدّثت مصادر موثوق فيها عن رغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري في بعث رسالة إلى القطريين لمعاودة ضخّ الحرارة على خطوط التواصل وتحريك الجمود الرئاسي. وقالت مصادر أخرى إنّ الرسالة لا تقتصر على الرئاسة، بل لها علاقة بموضوع غزة وتبادل الأسرى بين «حماس» والإسرائيليين بناءً على دور قطر في الملف بعد انسحاب العُمانيين. وقد أعطيت قطر دوراً كهذا لعلاقاتها الوطيدة بالجانبين ولحاجة غزة إلى دولة تساندها في إعادة إعمارها مجدّداً بعد الدمار الذي دمّر مساحات واسعة منها.

‎لكن مصادر سياسية داخلية جزمت بأنه لا تحريك لملف الرئاسة لا في الداخل ولا في الخارج، ولولا مشارفة ولاية قائد الجيش على الانتهاء لما كان لأي موضوع داخلي حيّز من البحث، ولكنّها هي أيضاً موضع خلاف كبير بين «التيار» و»الثنائي» ورئاسة الحكومة. وتكشف أنّ البحث عاد إلى نقطة الصفر، فبعد أن كان التعيين مرجّحاً عادت حظوظ التمديد لتتقدّم نتيجة تبدّل رأي بري ورغبته في التمديد لقائد الجيش الحالي، وليس تعيين خلف له من دون أن تستبعد أن يكون تغيير الموقف مرتبطاً بعدم الرغبة في التماهي مع رأي باسيل الذي يصرّ على موافقة الـ24 وزيراً مجتمعين، وهو الأمر الذي يرفضه ميقاتي رفضاً قاطعاً.

‎لا انتخاب رئيس في الوقت القريب، ولا تعيين قائد للجيش، ومصير القيادة العسكرية الذي تبدّل بين ليلة وضحاها أعاد التمديد إلى السكّة كحل متقدّم على ما عداه، وإن كان المتوقع أن يصبح موضع خلاف داخلي كبير، بذريعة أنه مطلب الأميركيين ورغبتهم التي غلّبها ميقاتي على أي احتمال آخر وهو الرافض تسليف باسيل أي ورقة إيجابية، ولو كان ثمنها عودة وزراء «التيار» للمشاركة في اجتماعات الحكومة.

‎وإذا كان لكل خطوة ثمن في السياسة فإنّ للتمديد أو التعيين ثمناً ليس معلوماً بعد. كان من المفترض أن يجري التعيين كسلّة متكاملة، ثم عاد التمديد إلى الواجهة، وهو خيار له ثمنه أيضاً. والمهمّ أنّ بتّ مصير القيادة العسكرية والخلاف في شأنها يجري بمعزل عن حسم مصير رئاسة الجمهورية، وباستثناء إطلالة المرشح سليمان فرنجية الأخيرة فإنّه لا أثر للرئاسة في معجم السياسة الداخلية، كما الخارجية، وإن كانت أوساط في محافل دولية تجزم بأنّ الحل سيحين موعده في لبنان في لحظة تحوّل مصيرية لم يحن أوانها بعد.