المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الجمعة 28 شباط 2025 07:42:39
مع موجة الزخم العربي والدولي التي أفضت إلى إنجاز الرئاسة والحكومة، والانفتاح الذي قادته المملكة العربية السعودية على لبنان، بات الاختبار الأصعب للقوى السياسية اللبنانية استكمال هذا الزخم.
لم يعد إضعاف نفوذ "حزب الله" ونزع سلاحه الخارج عن سيطرة الدولة، ورفع القبضة الإيرانية عن البلاد، من خلال تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، الشروط الوحيدة التي تمليها دول الخليج بقيادة السعودية لاستكمال عناصر العودة الطبيعية إلى الربوع اللبنانية، مع كلّ ما ترتّبه هكذا عودة من استعدادات لدعم عملية إعادة الإعمار والتعافي، بل تذهب تلك الشروط بالتوازي مع دعوة صارمة إلى تحقيق أمرين أساسيين وحيويين، لا تراجع عنهما، إذا كان لبنان يرغب فعلاً في الحصول على الدعم والمساعدات، ومن دونهما لا مكان للدعم. أوّل الأمرين، التزام الحكومة من الأكفّاء الخارجين عن سيطرة الأحزاب ولا سيّما "حزب الله"، منع تكرار سيناريوهات الحرب والمواجهة مع دول المحيط، كما حصل في الماضي، من خلال التعرّض للمملكة السعودية بالهجوم والانتقاد وتصدير الكبتاغون، وغيرها من الممارسات التي أساءت إلى العلاقات بين البلدين، وأدّت إلى قطع شرايين الدعم على نحو خنق اللبنانيين واقتصادهم. وهذا الشرط يقود إلى الشرط الثاني المتصل بإطلاق ورشة إصلاحات تحدّث عنها وزير الخارجية فيصل بن فرحان، مستبقاً أيّ حديث عن دعم ما لم يقترن بما اعتبره "عملاً حقيقياً ورؤية إصلاح حقيقيّ.
والواقع أنّ هذا الموقف ليس جديداً بل هو الموقف الثابت للمملكة منذ مشاركتها الأخيرة في مؤتمر دعم لبنان عام ٢٠٢١ حين أعلن بن فرحان أنّ "أيّ مساعدة تقدّم إلى الحكومة اللبنانية الحالية أو المستقبلية، تعتمد على قيامها بإصلاحات ملموسة وجادّة"، مع ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها وتجنّب أيّ أليات تمكّن الفاسدين من السيطرة على مصير لبنان. وهذا الموقف تبنّاه لاحقاً وفي شكل رسميّ مجلس الوزراء السعوديّ في جلسة عقدها بعد أيّام قليلة على انعقاد المؤتمر. وكان واضحاً التزام المملكة بشروطها هذه، إذ امتنعت عن المشاركة في مؤتمر الدعم الأخير المنعقد في باريس في تشرين الأوّل الماضي، في رسالة واضحة أنّ المملكة ليست في وارد إعطاء شيكات على بياض، بعدما تلمست أنّ لبنان لم يفِ بأيّ من التزاماته بالإجراءات الإصلاحية المطلوبة منه.
والمعلوم أنّ الإصلاحات المشار إليها تدخل في أكثر من مجال سياسي واقتصادي وقضائي، وتشكّل التحدّي الأوّل أمام الحكومة العتيدة التي ستواجه في بداية مشوارها استحقاق السير بالإصلاح على المستوى البلديّ من خلال إنجاز الانتخابات البلدية لإعادة تكوين السلطات المحلية المعزّزة لوضع اللامركزية الإدارية على سكّة التنفيذ، يعقبها الإصلاح البارز الآخر المتمثّل بإنجاز الانتخابات النيابية التي ستعيد تكوين السلطة التشريعية.
لا شكّ أنّ الورشة ضخمة ولا يمكن رفع سقف التوقّعات حيال إمكان تنفيذها، لكنّ السلطات اللبنانية ستكون مدعوة وفي شكل ملحّ في ظلّ افتقادها لأيّ خيارات أو بدائل أخرى، للسير فيها، وإلّا فإنّ مشروع إعادة الإعمار لن يسلك طريقه.