الصوت الطالبي يؤسّس للتغيير

في موسم الانتخابات يغيب النبض الطالبي الشبابي عن الساحات، ويتراجع تأثيره في معارك التغيير. المشهد يختلف في ظل الاصطفافات السياسية والطائفية لأطراف السلطة التي قمعت انتفاضة اللبنانيين في 17 تشرين الاول 2017، والتي شكلت رهاناً على إمكان التغيير بعدما شارك #الطلاب وحتى تلامذة المدارس في تحركات جماعية ضد السلطة الفاسدة. أعطى تحرك الشباب روحاً للثورة وزخماً وتحفيزاً للاستمرار في الانتفاضة لإنقاذ البلد من وضعه المأسوي الذي طبعته الطبقة السياسية وحاولت تحميل الشعب اللبناني أعباءه ومسؤولية الخروج من الأزمة.

خرج التلامذة والطلاب كتأكيد لاستعادة الكرامة الإنسانية والبحث عن وطن يستحقهم وينقذهم من براثن السلطة التي تدفع البلد إلى الانهيار، وهي محطة كان يمكن البناء عليها لتأسيس حركة شبابية تشكل رافعة للتغيير في الانتخابات اليوم. لكننا أمام مرحلة مختلفة، بعدما أسقط الصوت الشبابي وصودر لحسابات السلطة والمصالح الفئوية الضيّقة. الصوت الطالبي الحرّ المستقلّ هو صوت تأسيسي للتغيير، وعندما يغيب طلاب الجامعات ويفقدون عناصر تأثيرهم وفعاليتهم تفقد قوى التغيير روحها، تماماً كما فقدت انتفاضة تشرين خزانها التغييري.

كان يمكن الرهان على قوة الصوت التغييري للطلاب لو كانت الحركة الطالبية في الجامعة اللبنانية في حالة تعافٍ، وهي التي شكلت طليعة في الاحتجاجات الاجتماعية والمعيشية في زمن النهوض. والجسم الطالبي هو المعنيّ أكثر من غيره بالدفع نحو التغيير عبر الانتفاضة على السلطة وفسادها.

لا يمكن لقوى التغيير أن تحقق خروقاً ولا افتراض التغيير من دون الخزان الطالبي المصادر صوته اليوم ضمن الاصطفافات الطائفية والمذهبية في الانتخابات وفي الصراع السياسي، فحين تخرج الحركة الطالبية من أحرام الجامعات تشكل فاعلية استثنائية للاحتجاجات الشعبية، حتى في الانتخابات، وعندما كان يتحرك طلاب الجامعة اللبنانية في الشوارع كانوا يقطعون شرايين السلطة والنظام، ويرفعون مطالب اجتماعية ترتبط بالبلد.

فهل نشهد في الانتخابات كسراً للولاءات المطلقة تعزز إمكانات التغيير، وإن كانت قوى السلطة تحاصر الطلاب وتمنعهم من تقديم صورة نقيّة للبنان المستقبل.

لن يحدث التغيير في الانتخابات وغيرها ما دام طلاب لبنان على الهامش. هم قادرون على التغيير وانتشال اللبنانيين من الإحباط. هم كانوا يتقدّمون بتحرّكهم على أساتذتهم، وهم قادرون على كسر الهيمنات الطائفية والمذهبية والأيديولوجية. واليوم عليهم مسؤولية إطلاق روح التغيير، فصوتهم التأسيسي يمكن أن يراكم، لإحداث التغيير.

من المهم أن يدرك الطلاب أن النتائج التي حققوها في انتخاباتهم في بعض الجامعات الخاصة الكبرى لا تنطبق على الساحات السياسية والطائفية في البلد، لكن يمكن الاستفادة من تجربتها، وإن كان لا يمكن إسقاط نتائجها على الانتخابات النيابية. وينبغي أن يتنبهوا أيضاً إلى أن للمعركة الطالبية ذات البعد العام، وجهين، سياسياً وطائفياً... فالعملية الانتخابية مثلاً في الجامعات لم تلغ الخطاب السياسي والطائفي المتوتر بين الطلاب داخل الأحرام، وكشفت أيضاً عما توغله البنية الطالبية في توليد تعقيداتها الإضافية، مستجلبة تعقيدات البنية اللبنانية الأصلية. فيدخل الخطاب الطائفي الى عمق الجامعات بدلاً من توليد الأفكار وإنتاجها.

هذا الكلام لا يعني أن الطلاب غير قادرين على التأثير في الانتخابات النيابية. صوتهم التأسيسي يكون فاعلاً بانتخاب قوى التغيير واختراق الحيّز الأهلي والطائفي، وتسهيل انفتاحه. والتغيير يحتاج إلى صبر وتراكم وبناء حاضنة شعبية تؤسّس لخيارات مختلفة.