الضغوط الأممية والأميركية تسابق "حرب الأعماق"

شكلت التحذيرات الأممية التي تلاحقت امس من اخطار اندلاع حرب واسعة في لبنان مؤشراً متقدماً للغاية حيال المستوى البالغ الخطورة الذي تجاوزته المواجهات المتقابلة بين إسرائيل و"حزب الله" في ظل اتساع "حرب الأعماق" لليوم الثاني على التوالي، بما رسم صورة شديدة القتامة من امكان انفلات زمام السيطرة على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية في أي لحظة.

واذا كان الاعتداء الإسرائيلي اول من امس على سهل بعلبك شكل المؤشر الأكثر خطورة منذ حرب تموز 2006 حيال انزلاق المواجهات الى حرب أعماق من شأنها ان تفجر الحرب، فان الرد الصاروخي الواسع والكثيف وغير المسبوق الذي تولاه "حزب الله" امس الى حدود عكا، عكس رسالة نارية للحزب مفادها الإمعان في تعميق ازمة "نازحي المستوطنات الشمالية " التي تتحكم بسياسات الحكومة الإسرائيلية وخططها وشروطها حيال المواجهة مع "حزب الله". هذه التطورات المثيرة لتصاعد القلق من امكان ان يكون لبنان يقترب يوما بعد يوم من حافة الحرب، ستجعل من الأيام الفاصلة عن بدء شهر رمضان بحدود العاشر من اذار المقبل أياما مفصلية لجهة اختبار ما اذا كان "ربط الساحات" سيبقى ساريا ام ستنفصل الجبهة الجنوبية عن حرب غزة لحظة التوصل الى اعلان الهدنة التي تتلاحق المفاوضات في شأنها.

وبدا لافتا في هذا السياق ان أجواء مناقضة للتصعيد الميداني برزت لاحقا اذ أوردت وكالة "رويترز" ان "حزب الله" سيوقف اطلاق النار اذا وافقت "حماس" على هدنة مع إسرائيل ما لم يستمر قصف لبنان. كما ان وزارة الخارجية الأميركية اكدت ان إسرائيل أبلغت واشنطن انها لا تريد التصعيد مع لبنان وأنها تريد حل النزاع ديبلوماسيا، وشددت الخارجية على "اننا لا نريد تصعيد التوتر في شمال إسرائيل سواء منها أو من حزب الله وتركيزنا الآن على التوصل لوقف نار مؤقت في غزة".

التحذيرات الأممية
ولكن معالم القلق من انزلاق الأمور نحو تفلت خطير برزت خصوصا في بيانات المسؤولين الأمميين في لبنان وتحذيراتهم في ظل المجريات المتفجرة التي توالت فصولها في اليومين الأخيرين .

وفي هذا السياق أصدرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا التي كانت التقت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نهارا، بيانا "أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء التوسع التدريجي في تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق من حيث المساحة والكثافة، مما يزيد من مخاطر اندلاع نزاع أوسع نطاقا ويقوض قرار مجلس الأمن رقم 1701".

وحثت على "الوقف الفوري لدوامة العنف الخطيرة والعودة إلى وقف الأعمال العدائية". وأعربت عن "أسفها لتأثير القتال على حياة المدنيين وممتلكاتهم ونزوح الآلاف من سكان المناطق الحدودية" واعادت "تأكيد الحاجة الملحة إلى الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين في جميع الأوقات". وأشارت الى انها "في إطار ممارسة مساعيها الحميدة، كثفت المنسقة الخاصة تواصلها مع جميع المعنيين من أجل اتخاذ خطوات عاجلة لوقف التصعيد. كما شجعت على بذل جهود متضافرة من قبل الشركاء الدوليين لمساعدة الأطراف على إيجاد حلول مستدامة تعزز الأمن والاستقرار على طول الخط الأزرق. وأكدت التزامها دعم عملية سياسية تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار وإيجاد حل طويل الأمد للصراع على النحو المنصوص عليه في القرار 1701.".

في السياق نفسه اعلن رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو "اننا شهدنا خلال الأيام الماضية تحولاً مقلقاً في تبادل إطلاق النار ونشهد الآن توسعاً وتكثيفاً للضربات". واضاف "واصلنا عملنا النشط مع الأطراف لتخفيف التوترات ومنع سوء الفهم الخطير، ولكن الأحداث الأخيرة لديها القدرة على تعريض الحلّ السياسي لهذا النزاع للخطر". وختم : "إننا نحثّ جميع الأطراف المعنيّة على وقف الأعمال العدائية لمنع المزيد من التصعيد وترك المجال لحلّ سياسي ودبلوماسي يمكن أن يعيد الاستقرار ويضمن سلامة الناس في هذه المنطقة".

رد "حزب الله"
اما على الأرض فكان البارز القصف الصاروخي على الجليل الأعلى. واعلن "حزب الله" صباحا استهداف قاعدة ميرون للمراقبة الجوية على جبل الجرمق "رداً على ‏العدوان الإسرائيلي على محيط مدينة بعلبك في البقاع، بدفعة صاروخية كبيرة من راجمات عدة " فيما أفادت معلومات أن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها ناهز الـ 40 صاروخاً. واعلن الجيش الإسرائيلي بدوره "اننا استهدفنا موقعا عسكريا وبنية تحتية تابعة لـ"حزب الله" ردا على قصف قاعدة ميرون". وشنت إسرائيل غارتين على بلدتي جبشيت والبيسارية للمرة الأولى. كما استهدفت غارتان بلدة المنصوري في قضاء صور. ثم اعلن "حزب الله" انه استهدف موقع رويسات العلم في مزارع شبعا والتجهيزات التجسسية في موقع ‏الرمثا وجنودا اسرائيليين على تلة الطيحات. وبعد الظهر، شن الطيران الحربي غارات على أطراف عيتا الشعب لجهة تلة الراهب. وعصرا اعلن "حزب الله" انه استهدف مرة ثانية قاعدة ميرون بدفعة من صواريخ ضد الدروع "ما أدى الى إصابة قسم من تجهيزاتها ومعداتها الفنية والتجسسية وتدميرها بالكامل" . ثم اعلن الحزب لاحقا انه "ردا على الاعتداءات الإسرائيلية على القرى والمناطق الجنوبية استهدف مقر قيادة الفرقة 146 في جعتون بعشرات صواريخ الكاتيوشا وحقق فيها إصابات مباشرة" .

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اطلاق صلية صاروخية كثيفة من القطاع الغربي في اتجاه مستوطنات الجليل الغربي وصولا إلى تخوم عكا ولفتت الى ان "صواريخ لبنان تصل لأول مرة الى 16 كيلومترا داخل الجليل" . وتداولت مواقع تواصل اجتماعي صور حرائق كبيرة الحقها القصف الصاروخي بالمستوطنات في الجليل من بينها حريق في احد المعامل .

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية ان "حزب الله" أطلق الصواريخ على الجليل الغربي أثناء وجود رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هناك .

وبازاء هذه التطورات اعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت "ان حزب الله وايران يسعيان الى تحويل رمضان الى مرحلة ثانية من 7 تشرين الأول وسنوقف ذلك ".