الـ "Black Friday" تعثّر...والتعويل على الأعياد

"إقتصرت الحركة التجارية منذ تشرين الأول ولغاية اليوم على "السوبرماركت" ومحطات الوقود". بهذه الجملة يمكن اختصار الدورة الاقتصادية في لبنان، منذ منتصف أيلول حتى الأمس القريب، قبيل إعلان اتفاق وقف النار،  حيث إن مقولة "خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود" سائدة منذ أزمة تفجير "البيجر"، وبدء الحرب فعلياً، مع ما رافقها من تداعيات القتل والتدمير والنزوح.

إمتنع اللبنانيون عن الإنفاق أو البذخ كما اعتادوا، واقتصرت مشترياتهم خلال فترة الحرب على الحاجات الأساسية الضرورية والملحّة. واختلفت نسبة إنفاق الأسر والأفراد حالياً بين فئات المجتمع اللبناني المستجدّة:

- فقد توقّفت الفئة النازحة والمتضرّرة من الحرب، كلّياً عن الإنفاق وخرجت من الدورة الاقتصادية، أوّلاً لأن معظمها توقف كليّاً عن الإنتاج بسبب تضرّر مصالحه التجارية أو مؤسساته ومصانعه في المناطق المدمّرة، وثانياً لأن شريحة كبيرة من هؤلاء النازحين فقدت وظائفها في تلك المناطق وهي عاطلة عن العمل في المناطق التي نزحت إليها. أمّا النازحون الميسورون، فإنّ جزءاً منهم هاجر إلى بلاد أخرى والجزء العاجز عن ذلك، يمتنع عن إنفاق مدّخراته المالية النقدية سوى بغرض تلبية الحاجات الأساسية.

- أما الفئة غير المتضررة وهي الفئة الفقيرة المقيمة في مناطق آمنة، فإن قدرتها الشرائية بالأساس معدومة وتأثرت بشكل إضافي مع تراجع الوضع الاقتصادي.

- بالنسبة إلى الفئة المتوسطة والمقيمة في مناطق آمنة، وعلى الرغم من أن قدرتها الشرائية قد تكون حافظت على نسبتها، إلّا أن المخاوف التي كانت سادت من تصاعد وتيرة الحرب وتوسّعها لتشمل المناطق الآمنة كانت تجعلها تتحفّظ على الإنفاق سوى لتأمين احتياجاتها الأساسية أيضاً، وتحاول قدر المستطاع إدّخار ما أمكنها "ليومها الأسود".

- تبقى الطبقة الميسورة المقيمة في لبنان والتي سافر جزء منها هرباً من الحرب. أما الفئة التي ما زالت في لبنان، فهي النسبة الضئيلة من اللبنانيين التي تتجرّأ على الإنفاق على كماليات ولكن أيضاً بتحفّظ ووتيرة أقلّ من المعتاد تحسّباً لـ "اليوم الأسود"، وهي التي تراها في بعض مطاعم المناطق الآمنة أو مقاهيها أو متاجرها.

فكيف تأثرت الحركة التجارية والدورة الاقتصادية نتيجة نزوح أكثر من مليون لبناني قُبيل وقف إطلاق النار وإقفال عدد من المؤسسات والمصانع وارتفاع نسبة البطالة؟ وكيف أصبح نمط إنفاق الأسر في مواسم التنزيلات، مثل الـ "Black Friday"؟

في هذا الإطار، أوضح ممثل القطاع التجاري في المجلس الاجتماعي الاقتصادي عدنان رمال لـ "نداء الوطن" أن بداية العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان منذ عام لم تكن لها تداعيات كبيرة على الحركة الاقتصادية إذ إن الدورة الاقتصادية كانت فعّالة بنسبة 90 في المئة، إلّا أنّ تطوّر الأحداث الأمنية في مختلف المناطق منذ شهرين أدّى إلى تعطّل حوالى 50 في المئة من حجم الجغرافيا اللبنانية بسبب الدمار والأضرار التي أصابتها، وبالتالي فإن المؤسّسات والمصانع والوظائف في تلك المناطق توقفت كليّاً. لافتاً إلى أن الدورة الاقتصادية في الجنوب على سبيل المثال توقّفت بنسبة 90 في المئة باستثناء مدينة صيدا، كذلك الأمر بالنسبة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والتي تعتبر منطقة كبيرة جغرافياً واقتصادياً وسكنياً، فقد تعطّلت فيها الحركة الاقتصادية بالكامل، والوضع نفسه في البقاع طوال فترة الحرب.

وأشار رمّال إلى أن تلك المناطق تشكّل 50 إلى 60 في المئة من حجم الدورة الاقتصادية في لبنان خصوصاً أنه توجد في تلك المناطق، كافة أنواع القطاعات الاقتصادية، وعلى رأسها الزراعة، وهو القطاع الأكثر تضرراً اليوم والأكثر تكبّداً للخسائر حيث قدّرت منظمة الفاو تضرر 70% من هذا القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر.

القطاع السياحي والخدماتي القائم في الجنوب والبقاع والمعطّل تماماً، وصولاً إلى القطاع التجاري المعطّل أيضاً في كل تلك المناطق. بالإضافة إلى ذلك، فقد تعطّلت وظائف كافة العمال والموظفين في المناطق المدمّرة أو المتعرّضة لأضرار أو المقفلة بسبب الأحداث الأمنية.

هذا الوضع بحسب رمّال، عطّل الدورة الاقتصادية في تلك المناطق منذ شهرين، وهي التي تشكّل 50 في المئة من إجمالي الدورة الاقتصادية في لبنان. ما سيُترجم تراجعاً بحجم الاقتصاد اللبناني بين 10 و15 في المئة.

أما بالنسبة للحركة التجارية في المناطق الآمنة وغير المتضررة، فرأى رمّال أن النصف الثاني من الاقتصاد أيضاً متوقف عن العمل "فالحرب غيّرت سلوكيات الاستهلاك، حيث إن الدورة الاقتصادية معطّلة بنسبة 90 إلى 95 في المئة في مجمل القطاعات في المناطق الآمنة باستثناء القطاعات الغذائية والاستهلاكية التي ارتفع حجم أعمالها في بيروت وجبل لبنان بنسبة 40 إلى 50 في المئة نتيجة نزوح المواطنين من الأماكن غير الآمنة إليها، رغم أن تلك الزيادة لا تشكل ارتفاعاً في حجم الاقتصاد لأنها تعوّض تعطّل القطاع الغذائي في المناطق المتضررة".

ولفت إلى أن الحركة كانت معطّلة في بعض القطاعات في المناطق الآمنة بنسبة 100 في المئة حيث يمتنع المستهلك عن الإنفاق على الكماليات حتّى أنها قد تكون في بعض الأوقات حاجات أساسية! مشيراً إلى أنه مع انطلاق موسم الأعياد الذي يبدأ في منتصف تشرين الثاني، موعد الحسومات black November ويمتدّ لما بعد عيد الميلاد، والذي يشكل بالحدّ الأدنى 25 في المئة من إجمالي الحركة التجارية السنوية، فإن المؤشرات قبل يوم من اتفاق وقف النار لم تكن إيجابية خصوصاً أنه لم يكن من الممكن التعويل على المغتربين الذين يشكّلون نسبة كبيرة من الحركة التجارية خلال العيد. مؤكداً أن إحجام المقيمين عن الإنفاق بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وعدم إمكانية قدوم المغتربين خلال موسم العيد بسبب الحرب، كان سيؤدي إلى خسارة جزء كبير من الحركة التجارية التي نشهدها عادة في تلك الفترة وإلى تراجع كبير في حجم الناتج المحلي الإجمالي".

الأخطر بعد الحرب

وفيما اعتبر رمّال أن مرحلة الحرب والدمار هي مرحلة مؤذية جدّاً على الاقتصاد اللبناني، قال إن الأخطر من ذلك، هو مرحلة ما بعد الحرب، ومصير تلك القطاعات بعد توقف الحرب وكيفية إعادة إعمار المؤسسات المدمّرة التي خسرت مراكزها وبضائعها، بالإضافة إلى مصير الموظفين والعمال في تلك المؤسسات. سائلاً من سيعوّض خسائر أصحاب العمل والعمال؟

يبقى السؤال، هل يتم إنقاذ موسم الأعياد مع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار؟ وهل ستشهد الأسواق حركة ناشطة تساعدها على تعويض قسم من الحركة التي خسرتها حتى الآن؟