القرار 1701 بات عنوان الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني

أكدت المحادثاتُ التي أجرتْها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في بيروت أمس المؤكدَ لجهة أن القرار 1701 بات عنوانَ الاهتمامِ الدولي بالوضع اللبناني في ضوء المواجهاتِ المشتعلة على الحدود مع اسرائيل والخشية من أن تأخذ تل ابيب «بيديْها» تحقيقَ هدف درء خطر «حزب الله» عن جبهتها الشمالية وطمْأنة المستوطنين إلى أن «7 اكتوبر» ثانياً لن يتكرّر من جنوب لبنان.

ومع ارتسام واقعٍ لم يَعُد بالإمكان إغفالُه لجهةِ تحويل تل ابيب «المشاغَلةَ» التي أعلنها «حزب الله» عبر جبهة الجنوب «فرصةً» لوضع مطلب تنفيذ الـ 1701 بحذافيره على الطاولة في سياق مسارٍ «هجومي دفاعي» تُراكِم بناءه على قاعدة الضغط الأعلى لإبعاد «حزب الله» إلى شمال الليطاني والأدنى لدفْعه بما بين 5 إلى 7 كيلومترات عن الحدود، يزداد الاقتناعُ بأن هذا العنوانَ صار مُلازِماً لكل الترتيبات التي يُعمل عليها لمرحلة ما بعد حرب غزة، وأن لبنان الرسمي لن يكون قادراً على «إشاحة النظر» عن مجمَل المشهدية التي انفلشتْ من فوق الخط الأزرق الذي أصبح «خطّ نارٍ» اختُرق على المقلبين واحترق معه وقْف العمليات الحربية الذي كان سارياً منذ 2006.

ولاحتْ من كواليس لقاءات كولونا التي حطّت في بيروت بعد محطتيْن لها في تل ابيب ورام الله، هي التي كان يفترض أن تزور بيروت السبت ولكن «عطلاً تقنياً» على الطائرة التي كانت ستقلها بدّل برنامج جولتها، مؤشراتٌ إلى أن وضوحاً أكبر بات قائماً لدى دول الثقل في العالم وشركائها العرب المعنيين بالوضع اللبناني، حيال ربْط تطبيق الـ 1701 بما بعد انتهاء الحرب على غزة، بما يعكس واقعيةً تقوم على صعوبة تَصَوُّر طرْح منطقة عازلة جنوب الليطاني في خضمّ المواجهاتِ (في غزة والجنوب)، ومن دون أن يعني ذلك بأي حال أن ثمة حظوظاً لمثل هذا الطرح ولا أنّ اسرائيل أسقطتْ بالكامل إمكانَ إكمال إشعال فتيل الحرب وصولاً إلى لبنان وجنوبه في محاولةٍ لـ «جلْب» الجميع «على الساخن» إلى هدفها الذي لن تحيد عنه.

وفيما التقت كولونا كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووفداً من قوة بلادها العاملة في «اليونيفيل»، فإن المعطيات التي توافرتْ عن اجتماعاتها أفادت أنها كررت موقف بلادها بالدعوة إلى تجنيب المنطقة أي صراع والدعوة لضبط المواجهات، وأثنت على التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون (تم بقانون في البرلمان).

وإذ عُلم أن رئيسة الديبلوماسية الفرنسية بحثت آفاق الأزمة الرئاسية في لبنان وإمكان تحريك الجمود المستحكم في هذا الملف منذ نحو 14 شهراً، نقل تلفزيون «lbci» عن مصادر بري «أن كولونا دعت لبنان إلى طرح أفكار لتطبيق الـ 1701 وشددت على انتخاب رئيس للجمهورية كي يكون مرجعاً للحوار في هذا الموضوع»، فيما تحدثت مصادر أخرى عن أن كولونا لم تطرح تَراجُع «حزب الله» إلى شمال الليطاني.

وأجرتْ كولونا محادثاتها على وقع خلاصاتٍ بارزة لزيارتها تل ابيب حيث دعتْ من هناك الى «خفض التصعيد على الحدود بين إسرائيل ولبنان»، محذرة من أنه «في حال خرجت الأمور عن السيطرة، أعتقد أن ذلك لن يكون في مصلحة أحد، وأقول ذلك لإسرائيل أيضاً»، كما على وهج مواقف اسرائيلية على طريقة «العصا والجزرة»، عبّر عنها: أولاً وزير الخارجية إيلي كوهين بإعلانه انه «لا بد من إجبار حزب الله على الانسحاب من جنوب لبنان (...) وهناك فرصة لتفادي الحرب في لبنان، وإذا فشل المجتمع الدولي بإبعاد الحزب عن الحدود فسنتصرف وحدنا»، معتبراً أن بإمكان فرنسا أداء «دور مهم» لمنع اندلاع هذه الحرب، ثم وزير الدفاع يوآف غالانت الذي هدّد «إذا أراد حزب الله أن يصعّد دَرَجةً، فسنصعّد خمس مرّات. نريد استعادة السلام، وسنفعل ذلك إما من خلال اتفاق، أو من خلال عمل قوي مع كل تداعياته».

وفي حين كان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن يصل إلى تل أبيب في زيارةٍ قال مسؤولون إنها من المتوقع أن تركّز على إنهاء إسرائيل في نهاية المطاف الحرب المكثفة في غزة والانتقال إلى صراع محدود ومركّز بدرجة أكبر، مضتْ اسرائيل في إحاطة محادثات كولونا في بيروت بستار من تحذيراتٍ بدت أقرب الى الحرب النفسية والدعائية التي تبلورت على أكثر من مسار:

- ما أشيع بالتواتر عن أن لبنان تلقى أخيراً تهديداتٍ عبر قنواتٍ فرنسية بلغتْ «حزب الله» ومفادها أنه ما لم يوقف تماديه في العمليات فإن تل ابيب ستعمد إلى تدمير مراكزه ومواقعه العسكرية ومستودعات ترسانته على امتداد الخريطة اللبنانية، فكان ردّ الحزب بأنه «في حال ارتكاب أي مغامرة من هذا النوع فإن بنك أهدافه سيكون على امتداد الخريطة الاسرائيلية».

- ما نقلته صحيفة «التايمز»البريطانية عن ضابط إسرائيلي بارز من أن جيشه وضع خططاً لغزو جنوب لبنان، وأن ما حدث في قطاع غزة لا يُقارن بما يمكن أن يفعله «حزب الله» في الشمال وأن «القرار بشأن إطلاق قوة برية عبر الحدود يعود لنتنياهو وحكومته الحربية».

- نشرَ معهد «ألما» الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجيّة والأمنية، مقطع فيديو نادر جداً يُظهر القائد العسكري لـ «حزب الله» عماد مغنية (اغتيل في دمشق في 2008) داخل أحد الأنفاق التابعة لـ«حزب الله» في لبنان.

- ما أوردته صحيفة «معاريف» عن شبكة أنفاق «استراتيجية» تابعة لـ«حزب الله» في لبنان، متحدثة عن أن الحزب وبعد حرب 2006 أنشأ بمساعدة الكوريين الشماليين والإيرانيين، مشروع شبكة أنفاق أقليمية يبلغُ طولها عشرات الكيلومترات وتربط جنوب لبنان ببيروت والبقاع، وأنّ «تلك الأنفاق تسمح بتنقل قوات حزب الله سيراً على الأقدام من مكانٍ إلى آخر بغرض تعزيز الدفاع أو تنفيذ الهجوم بطريقة آمنة ومحمية ومخفية، وانها تتيح لعناصره التنقل عبر الدراجات النارية والمركبات الرباعية الدفع والصغيرة والمتوسطة الحجم».

وفيما كان رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد يعلن «أننا في لبنان قدمنا وبذلنا الشهداء، وقد فاق عددهم المئة شهيد حتى الآن من أجل أن نكبح جماح عدوان شيطاني تتحمل مسؤوليته بالكامل الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني»، شهدت تطورات الوضع الميداني مزيداً من الارتقاء النوعي في عمليات الحزب (نعى 3 من عناصره اول من أمس) كما في مستوى التجرؤ الاسرائيلي الذي وبعد أن طاول شمال الليطاني قبل يومين، أكمل في مسار تدميري لمنازل سكنية واستهداف أشخاص في بعضها، وكاد أن يتسبب بمجزرة خلال تشييع أحد عناصر الحزب في عيتا الشعب.