القطاع السياحي سيساهم بـ 5.5% من الناتج المحلي في 2023

ليس من الصعب تعداد الأزمات اللبنانية في شقيها السياسي والاقتصادي، وكذلك من السهل جداً رصد بعض مكامن القوة والضعف في بنية الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني في أمكنة كثيرة ويصاب بدوار الانهيار المالي والنقدي وغياب الدولة عن رعاية ومعالجة مشاكله البنيوية.

لكن برغم ما سبق، لا يزال الاقتصاد يمتلك بعض الأوراق الرابحة، التي يمكن لو أتيح لها إدارة رسمية مسؤولة وجدية، أن ترفد الاقتصاد اللبناني والمالية العامة بعائدات ونسب أرباح ونموّ تعزز قدرتهما على النهوض من حفرة الانهيار. إحدى تلك الأوراق هي القطاع السياحي، بعراقته وحرفية العاملين فيه، وتلك الخبرات العظيمة التي دفعته ليكون في طليعة القطاعات الاقتصادية وركناً أساسياً في دفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام.

أصيب القطاع بجروح عدة، وأصيب كأترابه من القطاعات بـ"الحجر الكوروني" تلاه الانهيار الكبير والإقفال على السيولة في المصارف، وسقوط النقد والرواتب وخروج غالبية مطاعمه وفنادقه من الخدمة، ومغادرة نخبة طواقمه إلى حيث الفرص الجديدة والأمن الاجتماعي في بلاد الله الواسعة.

فعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية والمالية والامنية التي تمر بها البلاد بين الفترة والأخرى، لا يزال القطاع السياحي في لبنان يساهم بنسبة معقولة من الناتج المحلي وصلت إلى 6.6%، وبإيرادات بلغت 149.11 تريليون ليرة في عام 2023. فالقطاع الذي يعاني ركوداً منذ عام 2011 حين اندلع الصراع في سوريا، زادت معاناته منذ تفجر الأزمة المالية أواخر 2019.

ولكن قبل هذه الفترة، وتحديداً بين عامي 2009 و2011 كان القطاع السياحي بكل مكوّناته يعيش فترات ذهبية تاريخية، بدليل أن إيراداته بلغت في عام 2010 نحو 9.7 مليارات دولار من أصل ناتج محلي قُدّر حينها بـ50 مليار دولار بما يشكل نحو 20% من الدخل القومي بشكل مباشر، ونحو 35% بشكل مباشر وغير مباشر، وفق ما يقول رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري طوني الرامي.

وفي انتظار انتظام الأمور، وعودة المسوؤلين الى تلقف كرة الإصلاحات وإجراء المقتضى للمعالجة الاقتصادية عموماً والسياحية خصوصاً، يرى الرامي أن السياحة هي القاطرة لكل القطاعات الإنتاجية التي ستنتعش فور انطلاق العجلة السياحية، لافتاً الى أن الموسم السياحي في فترة صيف 2023 أثبت إدارة أهل القطاع للأزمة وترجم ذلك بموسم صيفي رائع حرك القطاعات كافة وردّ اعتبار لبنان.

تقديرات المجلس العالمي للسياحة؟

لا ينفك اللبنانيون، مقيمين ومغتربين، يحرّكون دورة السياحة الراكدة ويحفّزون الحياة فيها للنهوض مجدداً وصناعة مسار إنقاذي لقطاع كان على مدى التاريخ الحديث للبنان بمثابة بترول البلاد، وتتكئ على نشاطه ونموّه وعائداته، مالية الدولة وموازناتها.

فبحسب تقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة (World Travel & Tourism Council) فإن المساهمة المباشرة لقطاع السياحة والسفر في الاقتصاد اللبناني وصلت إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بمساهمة بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، ويتوقع أن يساهم بنسبة 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 وبنسبة 5.2% في عام 2034. وبالنسبة للإيرادات فقد ساهم القطاع بإيرادات بلغت قيمتها 149.11 تريليون ليرة في عام 2023 مقابل 22.3 تريليون ليرة في عام 2022. وكان القطاع ساهم بإيرادات بقيمة 604.13 تريليون ليرة في عام 2019 أو ما نسبته 18.9% من الناتج المحلي الإجمالي. وتوقّع أن يساهم القطاع بإيرادات بقيمة 127.32 تريليون ليرة في عام 2024 وبقيمة 155.81 تريليون ليرة في عام 2034، وأن تسجّل الايرادات معدل نمو سنوي مركباً بنسبة 2% خلال الفترة الممتدّة بين عام 2024 وعام 2034.

ولكن الرامي الذي يؤكد أنه مع تفشي ظاهرة "الكاش" ثمة صعوبة في إجراء إحصاءات موثقة، بيد أن الأرقام المتداولة من القطاع أحصت إيرادات بنحو 5 الى 6 مليارات دولار في عام 2023 (مع الأخذ في الاعتبار توقف العجلة السياحية على اثر 7 أكتوبر). أما اليوم وبعد حرب غزة فيشير الرامي الى "تدحرج الحركة السياحية لتصبح نسبة الإشغال الفندقي متدنية جداً لا تتجاوز 7%، فيما قطاع السيارات المستأجرة لا يعمل بأكثر من 10% من قدرته، أما القطاع المطعمي فوضعه أفضل نسبياً خصوصاً في فترة الأعياد والعطل الرسمية". وإذ يشير الرامي الى أن القطاع المطعمي خسر 50% من مؤسساته، بيد أنه يرى أن ما بقي صامداً من القطاع الذي يقدر عدد مؤسساته بنحو 300 علامة تجارية تشكل بارقة أمل ومصدر "فرح" للبنانيين الذين لا تزال قدرتهم الشرائية تخوّلهم الصرف على الترفيه.

وفيما قدّر الرامي عدد العاملين في القطاع السياحي بنحو 175 ألف موظف مسجّل في الضمان الاجتماعي في عام 2010، ما لبث أن انخفض العدد الى ما بين 90 ألف وظيفة و120 ألفاً، علماً بأنه عندما تمت دولرة الرواتب استرجع القطاع السياحي نحو 10 آلاف موظف من الخارج يشكلون بمعظمهم الكفايات التي هاجرت إثر الأزمة. ولكن المجلس العالمي للسفر والسياحة الذي وردت دراسته في التقرير الاقتصادي الأسـبوعي لمجـموعة بـنك بيبلوس، قدر أنه كان ثمة 369,000 وظيفة في عام 2023، بما يشكل ارتفاعاً ﺒ8,800 وظيفة عن 360,200 وظيفة في عام 2022. في المقابل، أشار المجلس إلى أنه كان ثمة 415,700 وظيفة في قطاع السياحة والسفر في لبنان في عام 2019، ما شكل نسبة 22.9% من مجموع العمالة في لبنان لعام 2019. وشكلت وظائف القطاع ما نسبته 22.7% من مجموع العمالة في لبنان لعام 2023، في مقابل نسبة 19.8% في عام 2022.

بالإضافة إلى ذلك، توقع أن يصل التوظيف في قطاع السياحة والسفر إلى 375,600 وظيفة في عام 2024 و430،100 وظيفة في عام 2034، وهو ما سيمثل نسبة 23.1% من إجمالي الوظائف في لبنان في عام 2024 و26.2% من العمالة في عام 2034.

وقدّر المجلس إجمالي إنفاق الزائرين الدوليين في لبنان بقيمة 112.37 تريليون ليرة في عام 2023، مقارنة بـ8.1 تريليون ليرة في عام 2022، في مقابل إنفاق محلي وصل إلى 17.31 تريليون ليرة في عام 2023، مقارنة بـ8.5 تريليون ليرة في عام 2022. وبلغ إجمالي إنفاق الزائرين الدوليين 519.4 تريليون ليرة، فيما وصل الإنفاق المحلي إلى 49.27 تريليون ليرة لبنانية في عام 2019. وتوقّع أن يصل الإنفاق المحلي إلى 14.67 تريليون ليرة في عام 2024 و22.72 تريليون ليرة لبنانية في عام 2034، وأن يسجّل معدل نمو سنوي مركباً بنسبة 4.5% خلال الفترة الممتدّة بين عام 2024 وعام 2034.

أما الإنفاق الترفيهي فبلغ 124.1 تريليون ليرة في عام 2023 مقابل 15.7 تريليون ليرة لبنانية في عام 2022، فيما بلغ مجموع الإنفاق المتعلق بأنشطة الأعمال 5.6 تريليون ليرة لبنانية في عام 2023 في مقابل 8.3 تريليون ليرة في عام 2022. وبلغ الإنفاق الترفيهي في لبنان والإنفاق المتعلق بأنشطة الأعمال 537.4 تريليون ليرة و31.3 تريليون ليرة لبنانية على التوالي في عام 2019. وتوقّع أن يصل إجمالي إنفاق الزائرين الدوليين في لبنان إلى 590.54 تريليون ليرة في عام 2024 و98.88 تريليون ليرة في عام 2034، وأن يسجّل معدل نمو سنوي مركباً بنسبة 0.9% خلال الفترة الممتدّة بين عام 2024 وعام 2034.