اللبناني يتدبر أموره "بالتي هي أحسن": انقطاع القرطاسية في الدوائر الرسمية والأدوية متاحة في السوق السوداء

فرضت الدولة اللبنانية عبر حكومة تصريف الأعمال حزمة جديدة من الضرائب، وأقرت زيادات على تكاليف مالية للمواطنين في جميع المجالات، بدءا من استيفاء رسوم السير السنوية عن السيارات، وصولا إلى معاملات تتعلق بالمياه والكهرباء غير المتوافرة عبر الشبكة الرسمية، بل عبر مولدات الأحياء التي تفرض تعرفة عالية، إلى ضرائب تطال حصريا المواطنين.

وقد شرعت الحكومة النفقات ـ الواردات الجديدة إلى صناديقها، بإقرارها ضمن الموازنة العامة، علما بأن الضرائب عادت قيمتها المالية كما كانت عليه قبل الأزمة (اعتبارا من نهاية 2019)، باعتماد سعر صرف الدولار الأميركي وفقا لما هو معتمد في السوق الموازية، أي السوق السوداء، في حين أن ودائع المواطنين محجوزة في المصارف بسعر يقل عن قيمتها الحقيقية بـ 15%، في حال أتيح لهم الحصول عليها دفعة واحدة.

وبعد ساعات من فتح الصناديق الخاصة بشركات تحويل الأموال أمام المواطنين لتسديد رسوم السير السنوية (الميكانيك)، انهار «السيستم» بفعل الضغط الهائل جراء الإقبال الكثيف من المواطنين على الدفع.

وبدا أن اللبناني ملتزم بتسديد ما يترتب عليه، إلا أنه لا يحصل في المقابل على خدمات بديهية جراء ما يدفعه، ليس أقلها وجود شارة لاصقة يضعها على زجاج سيارته، في إشعار إلى دفعه رسم السير السنوي لتلافي توقيفه على حواجز لرجال قوى الأمن الداخلي تتولى التدقيق في هذا الشأن.

أكثر من ذلك، سأل أحد المواطنين بعد تمكنه «بمساعدة مشكورة من رجال الأمن القيمين على إحدى دوائر تسجيل مصلحة السيارات والآليات، دون مروري بمعقبي المعاملات، وأسجل لرجال الأمن لياقتهم وتفهمهم معاناة المواطنين»، كما قال لـ «الأنباء»: «سألت عن الدفتر الجديد الممغنط الخاص بالسيارات والذي يتضمن بياناتها، بعد منحي ورقة A4، فكان الجواب إثر دفعي 1300 دولار بدل تسجيل سيارتي، بينها غرامات قيمتها 210 دولارات بدل تأخير التسجيل، بسبب وقف العمل في هيئة إدارة السير طويلا: تحصل على الدفتر عندما تتوافر الدفاتر». والمقصود هنا الدفاتر الممغنطة وغيرها من القرطاسية التي كانت تؤمنها شركة مملوكة من هشام عيتاني المقرب من وزير الداخلية والبلديات السابق نهاد المشنوق، وقد حصلت على عقود بالتراضي لتأمين خدمات القرطاسية والتجهزيات العائدة لدوائر تتبع وزارة الداخلية والبلديات.

لم يحصل المواطن المعني على دفتر، والشيء عينه بالنسبة إلى دفاتر السوق الخصوصية والعمومية وغيرها، والتي تحتاج إلى تجديد لمن تخطوا سن الـ 50 سنة، إلى طلبات شبان وشابات بلغوا السن القانونية (18 سنة) الحصول على دفاتر السوق لقيادة السيارات في شكل شرعي.

والمشهد عينه ينسحب على دوائر أخرى في طليعتها العقارية، حيث تغيب صكوك الملكية، وشهادات قيد وغيرها، وتتم الاستعاضة عنها بأوراق، لابد من حفظها ونسخ عدد كبير منها، لأنها أوراق قابلة للتلف او التمزيق في أي لحظة.

مواطن آخر تحدث إلى «الأنباء» عن تأمينه دواء لأحد مرضى السرطان من «السوق السوداء»، في ضوء انقطاع حاد لأدوية مرضى السرطان. «تواصلت مع وكيل الشركة المستوردة لدواء عبارة عن حبوب تعطى للمرضى الذين بلغوا حالة حرجة، وأفادني بأن الدواء نفد بسرعة من الأسواق، أي الصيدليات، وانه يتوقع وصول شحنة جديدة منتصف الشهر الجاري، لكنها، وكما قال، غير مشمولة بالدعم من قبل الدولة. وأجبته بأني أريد تأمين الدواء بعيدا عن المساومة على السعر، إلا انه اعتذر بالقول: غير متوافر. وفي النتيجة حصلت على الدواء بعد ساعات قليلة عبر أحد الوسطاء».

«باللتي هي أحسن».. هكذا يتدبر اللبناني أموره غير مراهن على إحداث نقلة نوعية إلى الأفضل في سبيل الحصول على خدمات يدفع ثمنها.