برز في السنوات الأخيرة الشرخ الكبير بين اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق، بين سياديين مؤمنين بالدستور وقدرة الجيش اللبناني على الدفاع وحيدًا عن لبنان، وموالين للدويلة وسلاحها غير الشرعي إضافةً إلى اقتصادها وعالمها الموازي والذي يضرّ بمصلحة الشعب اللبناني، انطلاقًا من حماية مصالح إقليمية. والشرخ هذا بدأت تتظهر نتائجه على الساحة الوطنية بعد مراحل عدّة، الأولى في 17 تشرين الأول 2019، الثانية بعد الانتخابات النيابية عام 2022، والثالثة بظلّ الفراغ الرئاسي والتعطيل، وصولاً إلى فتح جبهة "مساندة" رغمًا عن إرادة أغلبية اللبنانيين.
وبِظلّ الشرخ الحاصل في لبنان، هناك وجهتا نظر لما يحدث، ففريق المعارضة يُصوّر المعركة على أنها عابرة للطوائف تهدف إلى نزع كل سلاح وحصره بيد الشرعية اللبنانية من ثم البحث بملف تغيير النظام أو تعديله أو حتى تطويره، فيما يُخوّن فريق الممانعة كلّ المعارضين ويصوّر الخلاف على أنه طائفي هدفه إقصاء طائفة أو فريق من الحياة السياسية في لبنان.
وفي السياق، تقف المعارضة اليوم أمام امتحان هو الأهمّ في مئوية لبنان الثانية، وهي تخوض معركة تحرير لبنان من سطوة السلاح لإرساء "المساواة" بين الفرقاء السياسيين قُبيل أي حوار أو مؤتمر سيُناقش أزمة النظام، عاجلاً أم آجلاً، وتحقيق السيادة الغائبة عن الجمهورية اللبنانية.
وظهرت المعارضة للمرّة الأولى منذ ثورة الأرز وتحالف 14 آذار كطرفٍ سياسي كبير عابر للطوائف، بعد الانتخابات النيابية التي جرت في أيار من العام 2022، وتوضحت ملامح هذا الفريق في استحقاق الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، حيث يضم كتل: الكتائب، الجمهورية القوية، تجدُّد وعدد من النواب المستقلّين السياديين، أي إن هذا التجمّع النيابي إذا صح التعبير يضمّ نواباً مسيحيين، مسلمين ودروزًا معارضين لفريق السلاح وسياسة الفرض. وفي حزيران الفائت، استطاعت المعارضة بالتقاطع مع التيار الوطني الحرّ حصد 59 صوتًا لمرشحها جهاد أزعور في الانتخابات الرئاسية، أي إنها كانت الأقرب إلى الأكثرية (65 صوتًا).
ويشير مصدر معارض في حديثٍ لـ
kataeb.org إلى أن العمل مستمرّ بين أطراف المعارضة لتكبير هذه الجبهة ولتمكينها من خوض المعركة السياسية لتحرير لبنان من سطوة السلاح، ويؤكد أهمية التعددية داخل المعارضة الذي يُعطي بعدًا وطنيًا جامعًا للمعركة، بعيدًا عن محاولات حزب الله إظهارها على أنها طائفية أو تقسيمية.
وتابع المصدر قائلًا: "لدى حزب الله موالون من الطوائف كافة وهناك من هم مقتنعون بعقيدته وبأهداف محور الممانعة أكثر من جمهوره، وبالتالي أي حديث عن معركة طائفية بوجه الحزب هو كلام تضليلي ولا يخدم سوى حزب الله".
ممّا لا شكّ فيه، أن حزب الله استطاع من خلال استراتيجية "فرّق تسُد" أن يحصد تأييدًا ولو خجولًا من الطوائف كافة، لكن المعارضة اليوم استطاعت خلق "بلوك" نيابي قادر على إيقاف مشاريع الهيمنة على قرار الدولة، وأهمه منع انتخاب رئيسٍ موالٍ لطهران، فهل تلوح في الأفق ثورة أرز جديدة؟