المصدر: النهار
الاثنين 5 تموز 2021 18:39:14
فيديوات السّهر والاكتظاظ على مواقع التواصل لا تُظهر فقط أن اللبنانيين يعيشون في بحبوحة، إنّما تدلّ أيضاً على إهمالهم وقلة وعيهم بمخاطر انتشار دلتا في لبنان، بعد وصوله إلينا، ما سيؤدّي إلى كوارث في حال انتشاره. فوضع كورونا في لبنان عاد ليشكّل خطراً على الصحّة العامة، مع تسجيل إصابات بدلتا، في وقتٍ يعاني القطاع الصحيّ فقدان الأدوية والمستلزمات الطبيّة وهجرة الأطباء والممرّضين، بالتوازي مع توافد مئات الآلاف من المغتربين خلال عطلة الصيف. لذلك يُصبح احتمال إقفال البلاد، بما فيها المؤسّسات السياحيّة الأكثر تضرّراً منه، قريباً إذا ما استمرّت الفوضى بهذا الشكل.
"الأماكن كلّها "مفوّلة"، منذ حوالى شهر، ولم يعد هناك قدرة استيعابيّة 50%"؛ هذا ما يؤكّده أحد اصحاب الحانات في مار مخايل. وبنظره، لا أحد قادرٌ على تطبيق إجراءات الوقاية، وعلى رأسها التباعد، "فهذا الأمر مستحيل، لأنّ الناس التزمت الحجر المنزليّ لأكثر من سنة، ويريدون أن يتنفّسوا الآن، ويجب ألّا ننسى أنّ جزءاً كبيراً من اللبنانيين تلقّوا اللقاح"، ويقول: "لا ندري كم يُمكننا أن نستمرّ في هذا الوضع مع بداية انتشار دلتا ذي الانتقال السريع، وأعتقد أنّ إقفال البلاد قرار وارد جدّاً".
ويجزم مدير أحد الحانات في مار مخايل بأن الإجراءات جميعها مطبَّقة، لكن "على الزبائن أيضاً أن يتحلّوا بمستوى أعلى من الوعي والمسؤولية، إذ لا يمكننا أن نضع رقيباً على كلّ شخص أو طاولة ومنع الزبائن من الرقص، فعلى كلّ منهم أن يخاف على نفسه".
من جهته، يأسف نائب نقيب أصحاب الملاهي والمطاعم والباتيسري خالد نزهة لرؤية مشاهد الاكتظاظ في الحانات وفي بعض الأماكن الأخرى، ويقول: "نحن كنقابة، منذ بداية الأزمة، نحثّ الناس على الوقاية، وننسّق مع الوزارات المعنِيّة ومع أصحاب المؤسّسات في ما يتعلّق بتطبيق إجراءات الحدّ من انتشار كورونا من تعقيم وحجز مسبَق وتباعد اجتماعي وغيرها؛ والمرحلة المقبِلة هي مرحلة خطيرة جداً بسبب تسجيل حالات من المتحوِّر دلتا في لبنان".
ويُضيف نزهة أنّ "الحدّ من انتشار دلتا الآن في المؤسسات السياحية يقوم على ثقافة ووعي الناس، وعلى القانون، إذ على الدولة أن تضرب بيد من حديد تجاه أيّ مخالف، وأن تمنع هذه الظواهر التي تتكرّر في أكثر من مكان".
وعن احتمال إعادة إغلاق قطاع المطاعم والملاهي مع توافد أعداد كبيرة من المغتربين والأجانب، بالتزامن مع بداية انتشار متحوِّر دلتا في لبنان، يقول نزهة :"إذا استمرّ الناس في اتّباع هذا السلوك من عدم الالتزام بالإجراءات والفوضى دون محاسبة، فستغلق المؤسّسات، وسنعود إلى الصفر. وقد حذّرنا، ونحذّر من أنّ الاستمرار في التراخي في تطبيق القوانين سيؤدّي إلى إقفال المؤسّسات، خصوصاً مع انتشار دلتا في لبنان، إذ إننا متنا وعشنا لكي نفتح، لكن نتمنى ألّا نصل إلى الإقفال".
ولا يتردّد نزهة، من موقعه النقابي، في الإعلان عن رفع "الغطاء عن أيّ مؤسّسة مخالِفة للإجراءات، وندعو الدولة لأن تقوم بواجباتها، فنحن في مرحلة مصيرية".
في السياق، تحاول النقابة ما بوسعها لأن تطبّق المؤسسات الإجراءات، وتحثّ الناس على ارتياد الباحات الخارجية، بالرّغم من أن قسماً كبيراً من المؤسّسات ذات نظام مغلق، ولا تملك باحات خارجية، خصوصاً الحانات"، التي تسعى في الحالات جميعها إلى الالتزام بالمعايير التي توصي بها لجنة كورونا، خصوصاً أن النقابة واللجنة تعقدان اجتماعات متلاحقة لتطبيق المعايير الصحية، حيث أوصت اللجنة بحسب نزهة "بالتشدّد أكثر بتطبيق إجراءات الوقاية مع انتشار متحوِّر دلتا، ونحن حريصون على اجتياز المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة، فإن لم تقم الدولة والوزارات والبلديات بدورها الرقابي، فنحن مقبلون على كارثة".
من الجانب الاقتصاديّ والحركة في الملاهي مع قدوم قسم كبير من المغتربين، يلفت نزهة إلى أنّ الحركة في الحانات لا تتمركز في بيروت إنّما في الأماكن الجبليّة المفتوحة. وحتى الآن لا نشهد الضغط المعهود في السهر، لا سيّما أنّ هذه الأماكن مسموح لها أن تفتح فقط حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وأنّ عدداً كبيراً من الملاهي وأماكن السهر لم يفتح، بل ليس قادراً على ذلك.
ومع توقّع توافد المزيد من المغتربين في تموز وآب، فإنّ اعتماد القطاع اليوم على اللبنانيين في دول الخليج وأمله فيهم، وهم حوالى 450 ألفاً، وحوالى 250 ألف مغترب في إفريقيا، وغيرهم في ألولايات المتحدة الأميركية وكندا، وعلى الطبقة الميسورة في لبنان، "ونأمل خيراً".
ما هو رأي الطب بمظاهر الاكتظاظ في الملاهي المغلَقة مع وصول المتحوِّر دلتا إلى لبنان؟
تفيد رئيسة قسم الأمراض الجرثومية والمعدية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة سهى كنج بأنّ "إجراءات الوقاية المطبَّقة على كورونا الأوّل، تُطبَّق نفسها على متحوِّر دلتا، فطريقة انتقاله وأعراضه ومشاكله هي نفسها، إلّا أنّ الفرق هو أنّ دلتا ينتقل 60% أكثر من كورونا العادي، لذلك، فإنّ الرقص في مكان مغلَق دون أيّ تباعد ودون ارتداء الكمامة، يشكّل خطراً كبيراً جداً بإصابة الناس بدلتا".
وتشدّد كنج على أنّ "أن ينتبه الناس إلى أنّ خطر انتقال دلتا في الأماكن المغلَقة عالٍ جداً، واستمرارهم بهذا السلوك سيؤدّي إلى انتشاره في لبنان، ما قد يُضطَرّ الوزارات المعنيّة إلى إعادة إغلاق البلاد".
من هنا، فخيار ارتياد الأماكن المغلَقة ليس مناسباً أبداً مع تسجيل إصابات دلتا في لبنان، و"حتى الأشخاص الذين تلقّحوا بالجرعتين ليسوا محميّين 100% بشكلٍ يسمح لهم بالتجمّع في الأماكن المغلقة؛ والمسؤوليّة اليوم تقع على الفرد بشكلٍ كبير، خصوصاً على مَن يعتبرون أنّهم تلقّحوا وبأنّهم بمأمن، وهذا خطأ، لأنّ هناك حالات لأشخاص ملقَّحين وأصيبوا بالفيروس، وقد ينقلونه لمَن لم يتلقوا اللقاح بعد"، برأي كنج.
وتنصح الدكتورة، في حال ارتياد الأماكن المغلَقة، بضرورة التزام التباعد بحدود المتر ونصف المتر بين طاولة وأخرى، إلى جانب وجود تهوئة في المكان، "لكن في الحانات المغلقة حيث لا تهوئة والناس يكتظون دون أيّ تباعد، فالأمر ليس مقبولاً".