المصدر: المدن
الكاتب: لوسي بارسخيان
الأحد 29 أيلول 2024 18:26:12
دفعت حالة الإرباك التي خلّفها صمت حزب الله حتى ما بعد منتصف يوم السبت حيال مصير أمينه العام حسن نصرالله، بموازاة استمرار التصعيد الإسرائيلي في استهداف قاس لمختلف المناطق اللبنانية، ولجوئه إلى أساليب عدوان لم تكن قد استخدمت منذ حرب تموز 2006، وأبرزها القصف المباشر لمركبات وآليات عابرة على مختلف الطرقات، وحتى في المناطق التي صنفت أكثر أمناً، إلى جانب ترويعه المواطنين بقراهم.. دفع هذه الحال إلى موجة نزوح باتجاه سوريا في اليومين الأخيرين، بلغت ذروتها يوم السبت. وعليه اختلطت مواكب سيارات اللبنانيين المغادرين مع مختلف الآليات الصغيرة والكبيرة ووسائل النقل، التي استخدمها عدد كبير من السوريين المقيمين في لبنان أيضاً، ليسلكوا بها الطريق المؤدية إلى بلدهم. فكان أن عجّت باحة الحدود اللبنانية عند معبر المصنع الرئيسي بالآلاف، الذين تواصل توافدهم حتى ما بعد الإعلان الرسمي عن استشهاد نصرالله.
معبر المصنع
مشهد الازدحامات المترافقة مع أحداث أمنية يلازم تاريخ موجات الهروب عبر بوابة لبنان الرئيسية إلى سوريا. وهو يكاد يكون مشهداً متكرراً لما حصل في حرب تموز 2006. علماً أن المعبر نفسه كان بوابة العبور الرئيسية للنازحين السوريون، في بدايات أحداث سوريا التي وقعت في العام 2011، حين شهد لبنان موجة نزوح معاكسة باتجاهه.
في استطلاع لـ"المدن" حول الوجهة التي أتى منها المغادرون، والمحطة التي يتوقعون بلوغها بعد مغادرة الأراضي اللبنانية، لم يكن مفاجئاً أن معظمهم من قرى الجنوب اللبناني والضاحية والبقاعين الغربي والشرقي، وبين هؤلاء مواطنون سوريون قضوا أكثر من عشر سنوات في لبنان. ولم تكن مغادرة أماكن لجوئهم من ضمن حساباتهم، لولا اقتراب العدوان الإسرائيلي منها، إلى جانب تسجيل مغادرة عدد قليل من أبناء قرى لم تتعرض لاستهدافات. وقد عبّر معظم هؤلاء عن خشية من تطور الأحداث إلى أبعد من موجات العنف التي يشهدها لبنان حتى الآن، فاستدركوا الحال بالتوجه إلى منازل لهم أو لأقربائهم في الجانب الآخر من الحدود.
ولكن خلافاً لما كان عليه الحال في العام 2006، وجد الكثيرون أنهم متروكون لمصير مجهول في سوريا، خصوصاً أنه ليس لديهم هناك وجهة محددة، متوقعين أن يتم إرشادهم إلى حيث يلجأون متى اجتازوا حدودها.
إلى جوار "السيدة زينب"
بين المغادرين أشخاص أكدوا أنهم ما كانوا ليتركوا بيوتهم بأي ثمن، إلا أن أعداد الذين سبقوهم إلى مراكز الإيواء داخل الأراضي اللبنانية حجزوا معظم الأماكن، فلم يعد هناك مأوى يحمي رؤوسهم في بلدهم. بدا واضحاً أن هؤلاء دُفعوا إلى المغادرة بسبب حالة الرعب التي عاشوها في مدنهم وقراهم، وخصوصاً في أحياء ضاحية بيروت، وتحت ضغط القلق الذي انتابهم على أولادهم. لهؤلاء جهزت غرف استقبال مجانبة كما قالوا بمحيط مقام السيدة زينب. حيث أشار أحدهم أنه أوصل عائلته إلى "السيدة زينب" قبل تصاعد وتيرة الاعتداءات، وتفاجأ بالأعداد الكبيرة للبنانيين الذين التقاهم هناك. وفيما أشاد الرجل بحسن الاستقبال الذي يلاقيه النازحون اللبنانيون سواء عند الحدود أو في الداخل، شكا في المقابل من الخوات التي يفرضها عناصر من أجهزة أمنية سورية استغلوا وجع الناس لممارسة بلطجتهم.
بالمقابل، أعرب عدد من السوريين الذين قرروا مغادرة الأراضي اللبنانية عن امتعاضهم من التدبير الذي سيخضع له كل واحد منهم لناحية صرف مبلغ مئة دولار أميركي إلى العملة الوطنية وبسعره الرسمي. وهذا ما قالوا أنه يشكل عبئاً على كثيرين ممن اضطروا للمغادرة بظروف قاهرة.
صرّافون ومهرّبون
أنعش تدبير سوريا لدعم عملتها الوطنية بالطبع، عمل الصرافين الجوالين الذين انتشروا في مختلف أرجاء باحة المغادرة بمنطقة المصنع. غير أن باعة الدولار لم يكونوا الوسطاء الوحيدين من تقنصوا الفرصة في هذا اليوم، وانما أيضاً مهربو البشر، حيث انتشر هؤلاء وسط أرتال الناس الذين حملوا أمتعتهم على ظهرهم ومشوا بها نحو المراكز الحدودية. وقد شوهد بعض هؤلاء وهم يبادرون إلى سؤال المغادرين عن وضعهم القانوني في لبنان ويعرضون المساعدة عليهم لتأمين سبل تسوية أوضاعهم سواء بطرق شرعية أو غير شرعية.
في المقابل، لفت سائقون عموميون على خط سوريا لبنان، إلى كون الأزمة التي تشكلها مغادرة النازحين السوريين إلى بلدهم أكبر من زحمة اللبنانيين. إذ أنه لا عراقيل موضوعة أمام من هربوا من نيران الحرب من اللبنانيين، فيما فرض على كل مواطن سوري أن يقوم بتسوية وضعه الأمني قبل اجتياز الحدود السورية عند نقطة جديدة يابوس، وهذا ما تسبب بزحمة كبيرة على الطرف السوري من الحدود أيضاً.
أما في لبنان، فعلى رغم الآلية التي وضعت لتسهيل عملية انتقال الناس وتجاوزهم الحدود بأسرع وقت ممكن، فإن أعداد الوافدين الكبيرة لم تسهل مهمة الأجهزة الأمنية على الحدود، فعلق الكثيرون على الطرقات المؤدية إلى المعابر الحدودية، والتي سدت جميع منافذها، ليحبس الكثيرون في سياراتهم لساعات طويلة.