انتصار المعلّم... انكسار الاتحاد والأهالي يستنفرون

لم يكد القانون المتعلّق بدعم صندوق التعويضات ورواتب المتقاعدين في التعليم الخاص يُنشر في الجريدة الرسمية، حتى اندلع سجال تربوي واسع بين الأساتذة الذين تنفسوا الصعداء، واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الذي سارع إلى الاعتراض ملوّحاً بالطعن، في وقت بات فيه الأهالي على حافة الانفجار، قلقين من انعكاسات محتملة على الأقساط.

 

في خطوة وُصفت بالتاريخية، أقرّ مجلس النواب اللبناني قانوناً يقضي برفع مساهمات المدارس في صندوق التعويضات من 6 % بالليرة اللبنانية إلى 8% بالعملة التي تُدفع للمعلم، ما يعني عملياً إلزام المدارس الدفع بالليرة أو بالدولار، بحسب رواتب المعلمين. كذلك، تم إقرار قانون يقضي بمنح سلفة مالية لصندوق التقاعد بقيمة 650 مليار ليرة، ما يسمح بمضاعفة رواتب الأساتذة المتقاعدين، لتصبح أقرب إلى نظرائهم في القطاع العام.

 

اتحاد المؤسسات التربوية يلوّح بالطعن ويحذّر 

ما إن أُعلنت هذه القوانين، حتى اشتعل موقف اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، الذي حذّر من "شبهات تشريعية" تطال القانون الجديد، وادعى مخالفته مبادئ المساواة والعدالة، مطالباً بإصدار قانون جديد يراعي ما تم التوافق عليه. الاتحاد لم يكتفِ بذلك، بل نشر فيديوات تحذيرية تُخيف الأهالي من ارتفاع محتمل في الأقساط نتيجة المفعول الرجعي للقانون، الممتد إلى تشرين الأول 2023، زاعماً أن المدارس ستُضطر لتغطية الزيادات من جيوب الأهالي.

 

واعتبر الاتحاد أن المرسوم الرقم 14312 الصادر بتاريخ 26 تشرين الثاني 2024، الذي ينص على زيادة موقتة بنسبة 17 ضعفاً للمساهمات في صندوق التعويضات، يجب أن يُجمّد حكماً بعد نشر القانون الجديد، وفق مبدأ تسلسل القوانين.

 

براءة الذمة: قيد قانوني يضرب في عمق الفوضى المالية

القانون الجديد يتضمن بنداً مفصلياً لطالما تفادته إدارات المدارس الخاصة: لا موازنة مدرسية تُقبل من وزارة التربية من دون إبراز "براءة ذمّة" من صندوق التعويضات، تُثبت أن المدرسة دفعت كامل مستحقاتها. وهي نقطة تُثير حفيظة الإدارات التي اعتادت على تأخير أو التهرّب من الدفع، علماً أن الكثير من المدارس كانت تسدد مستحقاتها على أساس 1500 ليرة للدولار رغم تقاضيها الأقساط بالدولار "الفريش".

 

الأغرب من ذلك، أن الاتحاد احتجّ على دفع الـ 8 % بالدولار، معتبراً الأمر مناقضاً لقانون النقد والتسليف، رغم أنه هو نفسه يفرض على الأهالي تسديد ما يُعرف بـ"الدعم المالي" خارج القسط الرسمي وبالدولار النقدي، دون أي رقابة أو محاسبة.

 

موقف المعلمين: انتصار تأخّر 50 عاماً

رئيس نقابة المعلمين، نعمه محفوض، اعتبر أن الحملة الراهنة من قبل اتحاد المؤسسات ليست سوى تهويل مرفوض ضد حقوق نحو 5 آلاف أستاذ متقاعد يتقاضون اليوم بين مليونين و4 ملايين ليرة فقط. ولفت إلى أن حوالى 500 أستاذ سيتقاعدون هذا العام وسيستفيدون من القانون الجديد، الذي ينصّ بوضوح على آلية تقاضي الراتب التقاعدي أسوة بالقطاع الرسمي، مشدداً على أن القانون لا يُشرعن حسم مساهمات من رواتب المعلمين من دون استفادتهم من هذه الأموال، كما يدعي الاتحاد.

 

محفوض أكّد أن الآلية التنفيذية واضحة، إذ تُرسل المدارس بياناً مالياً سنوياً إلى الصندوق، تُحسب المساهمات بناءً عليه. وبشأن المفعول الرجعي، أبدى انفتاح النقابة على النقاش، مقترحاً تأجيل الدفعات إلى تشرين الأول 2025.

 

طرابلسي يكشف المستور

في حديث لـ"نداء الوطن"، أشار النائب إدغار طرابلسي إلى أن التأخير في نشر القوانين منذ العام 2023، بعد إقرارها في مجلس النواب ومجلس الوزراء، سمح بابتداع ما سُمّي بـ"البروتوكول"، الذي وقّعته نقابة المعلمين مع اتحاد المؤسسات برعاية وزارة التربية، لتأمين مضاعفة موقتة لرواتب المتقاعدين ستة أضعاف، لكنها بقيت أسيرة عجز الصندوق وتخلف المدارس عن الدفع، ما أدى إلى تقاضي بعض المتقاعدين رواتب شهرية لا تتجاوز 25 دولاراً.

 

أضاف طرابلسي، الذي ترأس لجنة فرعية لإقرار القانون، أن "القانون يُنصف القدامى بعد خمسين عاماً، وهذه فرحة كبيرة للآلاف"، مثنياً على جهود اللجنة التي تابعت الملف.

 

وتابع: "أعددنا قانوناً في العام 2023 لإنصاف أكثر من 4500 أستاذ متعاقد يتقاضون 4 ملايين ليرة كحد أقصى، إلا أن اتحاد المؤسسات ضغط على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حينها، ما أدّى إلى عدم نشر القانون. ومنذ ذلك الحين ونحن في معركة حقيقية، ولا حلّ إلا بالقانون الذي يضمن جباية صحيحة للصندوق، تؤمّن للأساتذة تعويضات تصل إلى 13 ضعفاً من رواتبهم".

 

ولفت إلى أن قانوناً ثالثاً من لجنة التربية النيابية، تم تعطيله سابقاً، عاد اليوم ليرى النور بتوجيه من رئيس الحكومة نواف سلام، وسيُنشر في الجريدة الرسمية الأسبوع المقبل ليصبح نافذاً، ما يعني نهاية معاناة استمرت عقوداً، آملاً أن "يُطبق القانون من قبل الجميع".

 

الأهالي بين مطرقة الأقساط وسندان الحقوق

في ظل هذه الإصلاحات، يقف الأهالي في الوسط: من جهة، لا يمكن إنكار مشروعية تحسين أوضاع المعلمين بعد سنوات من الإذلال المالي، ومن جهة أخرى، تتزايد المخاوف من استغلال بعض المدارس هذه القوانين لفرض زيادات عشوائية على الأقساط.

 

الواقع أن عدداً كبيراً من المدارس الخاصة يحمّل أولياء الأمور أثماناً لا علاقة لها بتكاليف التعليم الفعلية، مستفيداً من غياب الرقابة الفعلية على الموازنات، ورفض تقديم حسابات شفافة حول الإنفاق.

 

معركة القانون وضمير التعليم

القوانين الجديدة، رغم ما أثارته من ضجة، تضع حجر الأساس لنظام تربوي أكثر عدالة. لكنها في الوقت ذاته تكشف عن هشاشة البنية المالية والقانونية للقطاع التربوي الخاص، حيث الحقوق تُنتزع لا تُمنح، والالتفاف على القوانين صار عرفاً مزمناً.

 

يبقى السؤال: هل يعلو صوت المعلم، أخيراً، على صوت الموازنات الوهمية؟ وهل ينحاز الضمير الوطني للعدالة، أم يستمر في دفن رأسه تحت مقاعد الأقساط؟