بانتظار مؤتمر "التغيير الجذري" للنظام اللبناني؟

تزداد الصورة السياسية في لبنان شحوباً. يضاف إليها تعثر في مسار الحوار الداخلي، وسط غياب أي مؤشرات جدية على تدويل الأزمة، أو عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، يرعى الوصول إلى تسوية سياسية. الحوار الداخلي رُفض من الداخل، بناء على موقف مسيحي يلتقي على رفض استبدال جلسات انتخاب الرئيس بجلسات حوارية لتحضير الأرضية، إلى أن يحين وقت التسوية. في المقابل، البطريرك الماروني بشارة الراعي، لا يزال على موقفه في المطالبة بضرورة عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، فيما لا مؤشرات خارجية تفيد بأن الدول جاهزة لذلك او مستعدة او حتى متفرغة وراغبة. علماً أن معارضي الاتفاق الدولي في لبنان يعيبون على دعاته كيفية ارتضاء الحوار الدولي الخاص بلبنان، بينما يرفضون الحوار بين اللبنانيين، فيما لا أحد قادر على معرفة الوجهة التي تدفع إليها مصالح الدول وحساباتها.
 
المؤتمر المؤجل
خلال زيارته إلى الفاتيكان وبعدها إلى الأردن، كرر البطريرك الراعي المطالبة بعقد مؤتمر دولي، عقد لقاءات عديدة مع مسؤولين وسفراء عرب وأجانب، ووضعهم في صورة الوضع وتطوراته، وسعى إلى استشراف إمكانية أو استعداد القوى المهتمة برعاية أي مؤتمر لحلّ الأزمة، نزولاً عند ثوابت متوافق عليها بين لبنانيين وقوى خارجية، أبرزها الحفاظ على اتفاق الطائف. ولا بد أن لدعوة البطريرك الراعي بعض الأسس التي لا تزال غير ظاهرة وغير ناضجة، ولكنها قد تكون منطوية على إشارات استعداد لهكذا مؤتمر ولكن ليس الآن، إنما عندما تتوفر ظروف مختلفة تضع لبنان على سلم الأولويات، فيما هناك رهان آخر لدى مصادر متابعة تتعلق بإمكانية تحقيق فرنسا خرقاً سياسياً داخلياً وإقليمياً يقود إلى انجاز تسوية مرحلية، بالإرتكاز إلى مسعى قد تتقدم به باريس في حال قرر الرئيس الفرنسي تثبيت زيارته إلى بيروت في عيد الميلاد، وبعد جولة يقوم بها على دول المنطقة. 
دون ذلك، ستبقى الأزمة اللبنانية قائمة وطويلة، وهي مفتوحة على احتمالات متعددة، أبرزها استمرار الخلافات الداخلية بين القوى المسيحية، وبين المسلمين والمسيحيين، وبين القوى المختلفة سياسياً حول آلية مقاربة إنجاز الاستحقاق الرئاسي، في ضوء الخلاف على المرشحين ووجهة كل مرشح سياسياً واقتصادياً وتحاصصياً.
كذلك، فإن استمرار هذه المراوحة غير محسوبة النتائج والانعكاسات، ولا التداعيات على مختلف الجوانب في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية.

المسعى الفرنسي
وعليه سيكون لبنان أمام المزيد من مراحل الاستنزاف، طالما أن لا إرادة داخلية للسعي إلى معالجة الأزمة، وعدم القدرة على ذلك، وطالما أن الانقسام قائم ومستمر. وهذا لا بد أن يقود مع إطالة أمده إلى الانهيار الشامل، من دون أي اهتمام أو سعي جدي لوقفه. وهذا يعني الوصول إلى مراحل ما بعد التصفير، على أن يتم البحث عندها في كيفية إعادة تركيب النظام السياسي والمالي والاقتصادي من جديد.
في مقابل وجهة النظر هذه، هناك سعي فرنسي واضح لمنع الوصول إلى هكذا سيناريو مخيف. ولذلك لا تزال باريس تسعى إلى جذب الاهتمام السعودي والخليجي والعربي سياسياً في لبنان، للعمل على إنتاج تسوية بالحد الأدنى، تحفظ بقاء النظام وتسعى إلى ارساء الاستقرار ومنع الانهيار الشامل، مقابل سعي إلى تحسين صورة تركيب السلطة. وهذا ما تسعى إليه باريس من خلال حركتها المستمرة، مروراً بترتيب اللقاء بين الرئيس نجيب ميقاتي وولي العهد السعودي. وهو ما سيسعى ماكرون إلى بحثه خلال زيارته لدولة قطر، بالإضافة إلى زيارات أخرى سيجريها في المنطقة. والهدف من ذلك هو السعي الفرنسي للوصول إلى تسوية الحدّ الادنى.

تغيير جذري؟
ما بين هذين الخيارين، تبقى هناك وجهة نظر تراهن على إنتاج تسوية أوسع من الذي تسعى إليه فرنسا، وتكون قائمة على رعاية عربية ودولية. وهو ما يقصد به المؤتمر الدولي الخاص بلبنان، الذي يعيد البحث في تطوير النظام السياسي مع الالتزام باتفاق الطائف، وتطبيق ما لم يطبق منه، في مقابل تغيير جذري في البنية الاقتصادية وفي النظام المالي. وهذه وجهة النظر ترتبط بتحولات سياسية عناوينها الأساسية استعادة الثقة مع المجتمعين العربي والدولي، والوصول إلى اتفاق على استراتيجية دفاعية، بعد إنجاز تسوية سياسية.
ولكن هذا لا يمكن أن يحصل من دون وجود رعاية خارجية كاملة، يتم الوصول إليها بفعل تقاطعات إقليمية ودولية.