المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بومنصف
الاثنين 23 كانون الاول 2024 07:22:54
أن تطرح إشكالية تعديل المادة 49 من الدستور لإتاحة المجال أمام انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، من جانب أيّ فريق سياسي أو كتلة نيابية شيء وأن تأتي اشتراطاتها من فريق الثنائي الشيعي، وسط الظروف التي آل إليها لبنان راهناً شيء آخر. والحال أن المسألة تتجاوز البعد المبدئي والدستوري الصرف بحيث يتعذر تماماً النظر إلى إثارة "الثنائي" للتعديل الدستوري، كما يتسرّب عنه، من زاوية مبدئية دستورية ولا ينسحب الأمر على نيّات مخبوءة تحت ورقة تين لزمن تبدّل موازين القوى بزعم إثارة جانب دستوري.
ذلك أن "الثنائي" هو الفريق المحدّد بعينه أنه "بطل" انتهاك الدستور وتعطيله في تجربتين مدمّرتين على الأقل لا تحتاجان إلى أيّ إثبات، لدى تعطيل "حزب الله" الانتخابات الرئاسية حتى انتخاب حليفه في "تفاهم مار مخايل" (البائد) العماد ميشال عون ومن ثم لدى شراكة الحزب والرئيس نبيه بري في التجربة الراهنة للتعطيل منذ نهاية عهد عون الكارثي. وتالياً فإن "الثنائي" ولو وجد ضمناً أو علناً ما يشاطره من الناحية الدستورية والمبدئية الصرفة ضرورة إجراء تعديل دستوري لانتخاب قائد الجيش، وهو أمر لا بدّ منه لتحصين مشروعية ودستورية انتخابه المحتمل، فإن ذلك لن يحجب أو يخفي مجمل البنية الاتهامية التشكيكية في مقاصد الثنائي نظراً إلى تبعاته الجسيمة في مجمل الأزمة السياسية الداخلية التي أغرقت لبنان في فائض كوارث إبان الفراغ الرئاسي والتي كانت الحرب الإسرائيلية التي استدرجها الحزب تحديداً على لبنان من أشرس تداعياتها.
وبصرف النظر تماماً عن أحقية كلّ فريق سياسي في تأييد أو رفض تكرار تجربة انتخاب قادة الجيش للرئاسة، بحيث سيكون العماد جوزف عون إذا انتُخب خامس قائد للجيش يُنتخب رئيساً في تاريخ الجمهورية اللبنانية، لن يمكّن هذا الحق الثنائي الشيعي وحده أيضاً، من التظلل بمظلة مبدئية مقنعة لكون طرفيه وإن لم يكونا وحدهما، شكّلا رأس الحربة في انتخاب قائد سابق للجيش هو إميل لحود والتمديد لولايته في تعديلين دستوريين كما وافقا مع أوسع شريحة سياسية أخرى على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان بلا تعديل دستوري.
إذن يستدعي الأمر من الآن فصاعداً، حتى 9 كانون الثاني وما بعده "ربما"، وهي "ربما" قد يكبر إطارها أكثر ممّا يتراءى لكثيرين، التعامل مع موقف الثنائي من زاوية الخيارات السياسية المتصلة بهاجس ما بعد مرحلة الزلزال الذي ضرب "حزب الله" ومحوره الممانع من بيروت إلى طهران بلا توقف خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد. هذه الهواجس وحدها ستحدّد أطر التعامل مع ما بقي من عدّ عكسي لموعد 9 كانون الثاني وما إن كان لبنان سيشهد انتخاب رئيس يضع حدّاً لسنتين وبضعة أشهر من الفراغ الرئاسي والإخلال الدستوري والأحادية السلطوية والكوارث المتعاقبة وأولاها التداعيات التي خلفتها الحرب والعدوانية الإسرائيلية المتمادية حتى الساعة حتى في ظلّ "اتفاق وقف الأعمال العدائية"، أم سنكون أمام استعادة لألاعيب التذرّع بما كان يُفرض قسراً على اللبنانيين من مناورات تحت ذرائع توازنات كاذبة مخادعة تتستر بالطوائف والمذاهب لتبرير التبعيات الخارجية والاستقواء الداخلي. "نظرياً" وعملياً وبمعظم وجوه الواقع الجديد، ولّى ذاك العصر القاتم وتلك الحقبة الساحقة للحياة السياسية الصحية في لبنان.. ولكن لماذا لا ترانا نستشعر الأمان بعد؟!