المصدر: independent arabia
الكاتب: بشير مصطفى
الجمعة 28 كانون الثاني 2022 12:31:57
كتب بشير مصطفى في اندبندنت عربية: على مدى أشهر، تابع اللبنانيون والعالم الأساليب الملتوية المبتكرة التي اتبعها صُنّاع حبوب "الكبتاغون" المخدِّرة لتمويه بضاعتهم وتهريبها نحو البلاد العربية. وآخر فصول هذه الجريمة المنظمة والمستمرة، كانت في "ضبط شحنة كبتاغون موضبة داخل شحنة شاي سيلاني على متن سفينة متجهة إلى أفريقيا، على أن يتم إعادة إرسالها إلى وجهتها الأخيرة في الخليج العربي"، وقد سبقها ضبط شحنات موضبة داخل الرمان في السعودية في أبريل (نيسان) 2021، وأخرى داخل البرتقال كانت متجهة إلى الكويت في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وما بينهما شحنات موزعة في الهياكل الحديدية للعربات، والأخشاب أو في شحنات الفاكهة المختلفة والمكسرات للتهرب من فحوص أجهزة الأشعة.
وأساءت هذه الأفعال المتمادية إلى صورة لبنان التي ارتبطت تاريخياً بتصدير الثقافة والصناعات الحرفية الراقية، كما أدت إلى توتر علاقات ذلك البلد مع محيطه الذي بدأ ينظر إليه على أنه بيئة حاضنة لصناعة وتجارة المخدرات. وأعلن وزير الداخلية اللبناني، بسام المولوي أن "إحباط تهريب الشحنة ما كان ليتم لولا المتابعة الدقيقة واستثمار المعلومات"، مؤكداً أن "كشف شبكات الكبتاغون دليل على جدية العمل والمتابعة والتحقيق".
الكبتاغون مخدر كيميائي خطير
في السياق، يشرح العميد المتقاعد عادل المشموشي، الرئيس السابق لمكتب مكافحة المخدرات المركزي في لبنان، ماهية حبوب الكبتاغون، فيقول إنها "مخدرات كيميائية التصنيع من مادة الأمفيتامين التي كانت تُستخدم في صيغتها المشروعة عقاراً لمرضى الجهاز العصبي المركزي، نظراً إلى تأثيرها في تنبيه هذا الجهاز. كما كانت تُستعمَل للأطفال الذين يعانون فرط الحركة وقلة التركيز، حيث يسهم تنبيه الجهاز العصبي في رفع مستويات التركيز لديهم".
ويشير المشموشي إلى أن "التصنيع بدأ في ألمانيا لأسباب مشروعة، قبل أن تشيع إساءة استخدامه بين عموم الناس كجرعات مخدرة"، لافتاً إلى استخدام حبوب الكبتاغون من قبل الجنود اليابانيين خلال المعارك كونها تساعدهم على اليقظة لفترات طويلة تتراوح بين الساعتين و24 ساعة، وتعطي شعوراً بالنشوة والارتياح وحالة من الاعتزاز بالنفس وكثرة الحديث، لتحل مكانها حالة من اليأس بعد انتهاء مفعول الجرعة".
وينصح المشموشي بمراقبة جملة مؤشرات تظهر على المتعاطي، مثل "ارتجاف في اليدين، اتساع في بؤبؤ العين، شحوب الوجه، الإكثار من طلب الماء، التعرق بكثرة ورائحة بشعة، قلة الشهية على الطعام، وصولاً إلى وهن وضعف جسد الإنسان، واحتمال الوفاة المفاجئة بنوبة قلبية".
ويتحدث عن البعد التاريخي، فقد استعمل الجنود الأميركيون الكبتاغون خلال حربهم في فيتنام، وصولاً إلى انتشاره في أوساط طلاب الجامعات في أوروبا وسائقي الشاحنات للبقاء على يقظة لأطول مدة ممكنة. ويحذر من "آثارها على الجهاز العصبي المركزي الذي يمكن أن يتعرض للتلف بالكامل، وكذلك خلايا الجسم، حيث يشيخ المتعاطي قبل أوانه على خلاف الأفراد العاديين".
ويعتقد المشموشي أن "سلسلة سوء الاستخدام بدأت في دول شرق أوروبا وفي بلغاريا على وجه التحديد، قبل انتقاله إلى البلدان العربية وإلى سوريا عبر تركيا، إذ يتم تصنيعه لإرساله إلى دول الخليج العربي". ويضيف أن "أغلبية المواد تُصنع في سوريا، وتُصدَّر عبر الأردن والعراق إلى دول الخليج العربي، ولكن مع تنبه القوى الأمنية في البلدان الخليجية، والتشدد في مراقبة المنتجات القادمة من سوريا، عمدوا إلى تمويه المصدر وإعادة تهريبها من خلال لبنان".
وينوّه المشموشي إلى أنه "مع اندلاع الحرب السورية، انتقلت بعض الخبرات التصنيعية إلى داخل الأراضي اللبنانية في محافظة بعلبك- الهرمل، وتجار المخدرات الذين كانوا ينشطون في مجال زراعة الحشيشة انتقلوا إلى توسيع تجارتهم لتشمل الكبتاغون أيضاً، وانتقل البعض إلى التخصص بها بعد تحقيق أرباح خيالية".
يشرح العميد المشموشي التصنيع من الناحية التقنية، فيقول إن "هذه الصناعات لا تحتاج إلى الكثير من التجهيزات، فهي تستخدم بعض الآلات البسيطة المستعملة في إنتاج العقاقير الطبية، فتحتاج إلى العجانة، وبعد تحول المادة إلى عجين توضع في ماكينة لتخرجها على شكل حبيبات تحمل شعار قوسَين متقابلين. ويتم تهريبها لاحقاً بواسطة الطائرات للكميات القليلة، أما الحمولات الكبيرة فتُرسَل عبر البحر أو البر لأن عمليات التدقيق تكون أقل دقة".
هل من مجال لوقف التصنيع؟
من جهة أخرى، يقول العميد المتقاعد ناجي ملاعب إنه "في كل العمليات التي قامت القوى الأمنية بضبطها، نجد أنفسنا أمام مُنتَج جاهز للتصدير والاستهلاك. ويؤشر تكرار العمليات وبملايين الحبوب، إلى الإنتاج المتواصل. وبالتالي، لم نصل بعد إلى مرحلة قمع هذه الأفعال في المصدر، حيث تدور عجلة التركيب وإنتاج الطبخة كيميائياً". ويتحدث ملاعب عن "حسن متابعة الأجهزة الأمنية اللبنانية لخط سير البضائع المهربة، وتحديداً المخدرات والكبتاغون"، مستدركاً أن "كل هذا الجهد لم يثمر حتى الآن في مداهمة أماكن التصنيع".
ورجَّح العميد ملاعب أن "تكون أماكن التصنيع إما في أماكن حدودية يصعب الوصول إليها، في المنطقة الواقعة بين لبنان وسوريا، وإما في الداخل السوري في المناطق الخاضعة للقوى الحليفة للنظام". ويضيف أن "القوى الأمنية غير عاجزة عن معرفة أماكن التصنيع، بدليل عمليات الضبط التي تأتي نتيجة إخباريات من مخبرين يساعدون الدولة في كشف سكة التهريب لوقفها في أماكن سيطرتها. أما التصنيع فيحصل في أماكن خارج سيطرة القوى الأمنية الشرعية، في مناطق حمايات سلاح حزب الله أو في المناطق الحدودية، والداخل السوري".
بانتظار الإجراءات الحازمة
من جهته، يجزم العميد المشموشي أن "ضبط الكبتاغون وقمع إنتاجه، لا يكون فقط من خلال توقيف الأشخاص الذين يوضَعون في الواجهة، إذ لا بد من إجراء تحقيقات معمَّقة لكشف الأشخاص الذين يقفون وراء هذه العمليات لملاحقتهم ومحاكمتهم بجرائم المخدرات وجرائم تبييض الأموال، وتفكيك الشبكات". ويتحدث المشموشي عن "جهود غير متناسبة بين ما تقوم به الدولة اللبنانية، وحجم الآفة والضلوع بقضايا المخدرات من الإنتاج إلى التصنيع، والاتجار داخلياً وخارجياً"، لذلك يرى أنه "لا بد من تفعيل الأمن الاستباقي الاستقصائي - الوقائي - لجمع المعلومات عن كل الشبكات الضالعة بتهريب المخدرات، والاعتماد على تعقب الاتصالات واستخدام الأجهزة الرقمية، ومتابعة المراسلات الرقمية. وهو أمر مشروع ومباح في قانون المخدرات نظراً إلى خطورة تلك الجرائم، وتفعيل مكتب مكافحة المخدرات ورفده بالأعداد والتجهيزات والخبرات الفنية والعلمية لقمع الظاهرة الإجرامية التي شهدت نشاطاً خلال الفترة الأخيرة. إلى جانب تعزيز الإجراءات على الحدود اللبنانية والسورية الرسمية، وتعزيز الرقابة على المرافئ البرية والبحرية والجوية لكشف ما يتم إخفاؤه".
وينبّه إلى ضرورة إجراء "عملية شاملة ومتكاملة من كل الأجهزة العسكرية والقضائية في ظل تراجع سلطة الدولة اللبنانية، فعلى الرغم من تشديد العقوبات في نص القانون رقم 673 لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، فإن الأحكام لا تُحاكي خطورة هذا الجرم، ولا بد من تشديد القضاء للعقوبات المنطوقة، وكذلك التشدد مع الزراعات الممنوعة وفي مقدمها نبتة (القنّب الهندي) ونبتة (الخشخاش) التي تُستخرَج منها مادتا الأفيون والهيروين".
توتير العلاقات الدولية
وشكل الكبتاغون سبباً إضافياً لتوتير العلاقات بين لبنان والدول العربية، بعد ضبط شحنات كبرى متجهة إلى السعودية والكويت ومصر. ولفت العميد المتقاعد ملاعب إلى شكلين من الشحنات، "إما تلك التي توجَّه مباشرة إلى دول الخليج، أو تلك التي تتم بالواسطة ومحاولة الالتفاف على الإجراءات، كالحادثة الأخيرة من خلال ضبط الكبتاغون في شحنة مؤلفة من سبعة أطنان من الشاي السيلاني المتجهة إلى أفريقيا، ومن ثم إلى الدول الخليجية". يقرأ ملاعب في ذلك "رسالة إلى المعنيين بأننا نستطيع إرباك الوضع الداخلي في تلك الدول، ولهذا نتائج عكسية وتداعيات على الأمن القومي اللبناني في حال تصنيف لبنان مركزاً رئيساً للاتجار بالمخدرات وتهريبها". ويرى أنه "يجب أن تحسم السلطة أمرها وتقضي على أماكن التهريب والتصنيع في المناطق الخارجة عن الشرعية، حيث يفترض أن تضع قدمها في كل الأراضي اللبنانية، وتمنع وجود أي سلاح آخر غير سلاح السلطة الشرعية، سواء كان فلسطينياً أو لبنانياً".
ويتخوف ملاعب من "عدم الوصول إلى أي نتائج ملموسة خلال العهد الحالي المتحالف مع حزب الله، الذي يؤمن له ولسلاحه الغطاء".
كما تطرق إلى إثارة موضوع مكافحة ووقف تهريب الكبتاغون إلى دول مجلس التعاون الخليجي خلال زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إلى لبنان، وتقديمه ورقة إعادة الثقة، متوقعاً حدوث "تطورات خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب وفي مؤتمر القمة العربية، حيث سيُطلَب من لبنان هذا الموضوع بصورة رسمية". ويتوقع أنه "إذا لم يتم التعهد بضبط تهريب الكبتاغون، ستُتخذ تدابير بحق لبنان، ليس أقلها التدابير الدبلوماسية وسحب السفراء".
الشباب في دائرة الخطر
لا تتوقف الأضرار على العلاقات الصحية بين لبنان ومحيطه العربي، وإنما تتجاوزها إلى الإضرار بحياة مواطنيه، إذ لاحظ العاملون في الحقل التوعوي ازدياداً في استهلاك الحبوب المخدرة في صفوف الشباب.
وصرح زياد عقل، رئيس منظمة "يازا" للسلامة العامة أن "هناك مشكلة تطال الشباب لناحية ازدياد كمية تعاطي المخدرات بمختلف أشكالها في المجتمع اللبناني، إذ تبدأ بأوساط الشباب من أعمار مبكرة". واكتشفت الـ"يازا" من خلال عمليات التدقيق بالجرائم أن عدداً كبيراً من حوادث السير ناتج عن تناول المخدرات من الشباب قبل قيادة المركبات. لذلك طالب عقل المجتمع بشكل عام، وكذلك قوى الأمن الداخلي ومكتب مكافحة المخدرات بـ"إدراك حجم المخاطر الكبيرة الناجمة عن تعاطي المخدرات، والكوارث الأخرى التي تُعتبر من آثارها المباشرة بفعل تزايد أعداد الشباب المتعاطين"، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً، وتحتاج عملية علاج بعضهم إلى "عشرات آلاف الدولارات بالنسبة إلى المتعاطين في مراحل متطورة".