المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الخميس 29 تموز 2021 18:49:15
مصائب يومية تنهال على لبنان، كأنه لم يكن ينقص بلد مفلس تغيب لدى حكّامه الخطط والرؤية المستقبلية سوى اشتعال غاباته بعد أن التهمتها نيران مدمّرة. وتستمرّ مساعي السيطرة على الحرائق لليوم الثاني على التوالي، بعد أن اندلعت امس وامتدت اليوم في احراج منطقتي عكار وجرود الهرمل وعدد من البلدات المجاورة للحدود اللبنانية – السورية، وكانت تمكنت فرق الدفاع المدني وطوافات الجيش من السيطرة على الحريق الكبير الذي التهم الأخضر واليابس في القبيات.
وفي الإطار، أشار مؤسّس "جمعية الأرض – لبنان" ورئيس "الحركة البيئية اللبنانية" بول أبي راشد لـ"المركزية" إلى "أننا بدأنا في الجمعية بتصنيع المخابيط لتوزيعها على البلديات والجمعيّات والمحميّات وبلغ عددها 130 منذ تشرين الثاني كخطوة احترازية، إذ لا يمكن انتظار نشوب الحرائق والكوارث التي تحدث منذ سنوات للبدء بالخطوات الاحترازية، وهذا ما لا تقوم به الدولة، في حين أن البلديات لا تمتلك الأموال اللازمة لمكافحة الحرائق ولا الدفاع المدني مجهّز بالآليات المطلوبة".
وكشف أن "الدولة لا تساعد حتّى المجتمع المدني من دون أن يكلّفها ذلك أي قرش، إذ في بسري نبحث منذ سنة عن متبّرع لشراء آلية لإطفاء الحرائق لأن الدفاع المدني بعيد عن المنطقة، وعندما تمكّنا من تأمين سيارة pick up للإطفاء، رفضت وزارة الداخلية بشخص رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلّوم تسجيلها، في حين ان الجمعية توزّع عدّة لإطفاء الحرائق مجّاناً للبلديات، ومعروفة بجدية نشاطها ولديها خطط واضحة، وما حصل يظهر أن ما من رؤية للمنظومة الحاكمة أو ربما تريد ممارسة النكايات أو حتّى لديها قلّة وعي. هناك خلل ما وحالة مرضية مسيطرة..."، لافتاً إلى ان "قانوناً، لا يمكن للجمعيات تسجيل آليات، إلا أن الحصول على الاستثناء وارد، وسبق أن حدث ذلك عام 2007 عندما تقدّمت "اليونيسيف" بسيارة للجمعية لجمع الورق من المدارس".
وبالنسبة إلى الحرائق المندلعة، اعتبر أبي راشد أن "علينا كبشر الاعتراف بدخول عصر التغيّر المناخي وتقبّله، واستيعاب واقع أن الحرائق التي كانت تنشب منذ عشرات السنوات تختلف كلّياً عمّا يحصل اليوم، بمعنى أن درجات الحرارة ترتفع بنسب تفوق كثيراً المعدّلات المعتادة أي أن الجفاف قوي، ويترافق ذلك مع رياح قوّية لم تكن موجودة من قبل، لذلك رغم الحرارة المرتفعة في السنوات السابقة خلال أشهر الصيف، لا سيّما آب، لم نكن نشهد حرائق مدمّرة. من هنا، لا يمكن للدولة الوقوف في وجه الواقع الجديد بالتقنيات المتوافرة وبالتفكير التقليدي الذي يدفع إلى الاعتبار أنه يمكن السيطرة على حرائق مثل التي يشهدها البلد".
انطلاقاً من ذلك، شرح أن "المطلوب تعديل خطط وسياسات التعامل مع الحرائق تسمح بالقيام بالمستحيل لردعها عن الاندلاع لأن حينها تكون السيطرة عليها صعبة جدًا وشبه مستحيلة. بالتالي، يفترض فرض حالة طوارئ في المناطق الحرجية على غرار حالة التعبئة العامة لكورونا، لأننا أمام "جائحة حرائق الغابات"، تستوجب مراقبة صارمة ودقيقة لأي مصدر نار عبر تجهيز كلّ بلدة حرجية بمعدّات أولية تسمح بإطفاء الحرائق، وتكليف شرطة البلدية التوجّه لأي نيران فور اشتعالها قبل انتظار وصول الدفاع المدني. كذلك، يجب فرض حالة استنفار واعتماد العديد من الإجراءات الاحترازية وإعداد لائحة بالأنشطة المحظورة بين أشهر حزيران حتّى تشرين الثاني مثل منع المفرقعات النارية نهائياً خلال الصيف، منع المزارعين من الحرق أو التعشيب، منع الـ picnic وإشعال النار في المخيّمات، منع رمي السجائر... إذ في ظلّ الجفاف المسيطر والهواء يمكن لشرارة نار واحدة وصغيرة ان تتسبب بكارثة".
وتابع أبي راشد: "بمجّرد بدء تمدّد النار لن نتمكّن من السيطرة عليها، فوسط التغيّر المناخي تغلبنا النار إذا لم نوقفها في بداياتها حتّى لو كانت الدولة تمتلك التجهيزات اللازمة، والأفضل منع نشوبها من الأساس. إلا أن هذا لا يرفع المسؤولية عن الدولة السخيفة التي لم تستشرف احتمال اندلاع الحرائق ولم تطوّر المعدّات وتدرّب البلديات. الحلّ متكامل وإذا اتّبعت سياسة تقاذف المسؤوليات سنخسر في النهاية غاباتنا بالرّخص".
أما في ما خصّ كلفة التعبئة، فأوضح "أنها محدودة جدّاً، وترتكز بشكل أساسي إلى قرارات أكثر منها إلى تكاليف مادية، مثل تعيين شرطي كحارس أحراج للمراقبة في المناطق الخالية من مأموري وحرّاس الأحراج. كذلك، المؤسسات الدولية والمانحة لن ترفض منح تجهيزات أولية للبنان في حال حدّد حاجاته".
وعن إمكانية أن يكون الحريق مفتعلاً، شدّد على ان "ذلك قد لا ينطبق على الحرائق الحالية، لكن علينا التوقّع أن أي شخص ينوي بيع الحطب للتدفئة قد يشعل أي مساحة خضراء ببرودة أعصاب وممكن أن يكون أجنبيا، خصوصاً أنه يتمّ الحديث إعلاميّاً عن أن المازوت أغلى من الحطب، وكأن تعطى أفكار لإشعال غابات وتحطيب الشجر للتدفئة. بالتالي، يجب أن تنزل أشدّ العقوبات في حقّ من يتبيّن أنّه افتعل حريقاً، ولم يتمّ الإعلان يوماً في لبنان عن أي مفتعل أو حتّى محاسبته في حال كان معروفاً وهذا يشجّع الآخرين إذ يرون أن من السهل لفلفلة الموضوع. المطالبة بالمحاسبة وفتح تحقيقات ومتابعتها تساهم في الحدّ من الحرائق الإجراميّة المفتعلة".
وبالنسبة إلى تأثير الحرائق على الثروة الحرجية، رأى أبي راشد أن "النيران لم تلتهم الأشجار حصراً، بل أيضاً الشجيرات والنباتات من طبّية وغيرها والأزهار البرية، إضافةً إلى أعشاش الطيور والحيوانات البرية اللبونة والحشرات وكلّ ما يسكن هذه المساحة الخضراء، لذا خسرنا الملايين من الأنواع هذه"، مضيفاً "صحيح أن الخسارة كبيرة وكان من الأفضل تفاديها، إلا أن هذه ليست نهاية العالم ولم تصبح المنطقة صحراوية والأمل موجود إذ يمكن للطبيعة أن تجدّد نفسها وتنمو، حيث على غرار أسطورة طائر الفنيق سنرى الأخضر ينبت من بين الرماد وبغنى وتنوّع بيولوجي أكبر، لكن بشروط حماية هذه الحياة مثل منع دخول الماعز إلى المساحات المحروقة الممكن أن تأكل رأس النباتات ما يهدّد بالتصحّر، منع أي شخص من أخذ الحطب لاستثماره لأن ذلك يشجّع على افتعال الحرائق...".
أما عن الفترة التي تحتاجها الطبيعة للتجدّد، فلفت إلى أن "من الممكن أن نرى المنطقة خضراء من جديد بعد حوالي خمس سنوات، على أن يبدأ ذلك تدريجاً انطلاقاً من السنة المقبلة، وفي الربيع المقبل ستنبت الأشجار الورقية غير الصمغية مثل الصنوبر، أما الأشجار المعمّرة في غابة القبيات فتحتاج إلى مئة سنة كي نراها من جديد"، موجّهاً تحيّة إلى "جميع الناشطين البيئيين في القبيات لا سيّما الدكتور أنطوان الضاهر الذي بكى على غابة تعتبر مفخرة لأهالي المنطقة ومن الطبيعي أن يخلق ما حصل صدمة، لكن لا يجب أن نفقد الأمل".