جعجع في لقاء معراب: لرئيس يتعهد بعدم ترك أي تنظيم أو سلاح خارج إطار الدولة

عُقد لقاءٌ وطني جامع في المقر العام لحزب "القوات اللبنانيّة"، في معراب، تحت عنوان "دفاعاً عن لبنان"، لطرح خارطة طريق إنقاذية بعدما بلغت الحرب التي زُجّ فيها لبنان حدّاً كارثيّاً وفي ظل ما يعاني اللبنانيّون من موت وتهجير ودمار وانهيار.

وشارك في المؤتمر شخصياتٌ سياسية واعلامية واجتماعية وأمنية سابقة معارضة وتمثل حزب "الكتائب اللبنانية" بنائب رئيس الحزب ميشال خوري والوزير السابق إيلي ماروني.

وافتتح اللقاء بكلمة وجدانية مقتضبة لرئيس "القوات" طلب فيها الوقوف دقيقة صمت وصلاة على "ارواح الضحايا الذين قضوا في الحرب الدائرة في لبنان، من أجل شفاء الجرحى والمصابين، من اجل بلسمة عذابات النازحين والمنكوبين، ومن اجل الذين فقدوا احباء واجبروا تحت وابل القصف على الانسلاخ عن بيوتهم وقراهم، ومن اجل طفولة ابناء لبنان وبناته وحقهم في العيش في وطن يضمن حقوقهم، ومن اجل انتهاء الحرب ونزيف الدم واحلال السلام وقيام دولة ومن اجل انقاذ لبنان".

وبعد الانتهاء من المناقشات والحوارات بين المشاركين حول الوضع العام المأساوي، شُكلت لجنة لصياغة البيان الختامي تألفت من النائبين جورج عدوان، وأشرف ريفي، النائب السابق ايلي ماروني، العميد المتقاعد خالد حمادة والإعلامي أحمد عياش.

وتلا جعجع البيان الختامي وجاء فيه: "نلتقي اليوم بعدما بات مؤكّداً لنا، كما لغالبية اللبنانيين، أنّ لبنان اليوم كسفينة تغرق، ولا ربّان لها ولا دفّة. يمرّ وطننا اليوم في أصعب أيّامه في التاريخ المعاصر، فالشعب اللبناني الذي لم ينجُ بعد من تداعيات الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّت عليه في السنوات التي مضت، أُدخل منذ سنة في أتون حرب جديدة، ارتفعت وتيرتها تدريجاً وبلغت منذ شهر تقريباً ذروتها مع اشتداد العنف والدمار والنزوح وهي اليوم مستمرّة، تقضي على البشر والحجر، ما سبب ضرباً لمقوّمات جميع اللبنانيين الذين تضرّرت أرزاقهم وتعطّلت مرّة أخرى حياتهم اليوميّة والوطنيّة وأحلامهم ودخلوا في نفق جديد من المعاناة والألم. وفي ظل ما يعاني اللبنانيون من قتل وتهجير ودمار، وبعد مراعاة الظروف الإنسانية في الفترة السابقة، لا بد اليوم من وقفة وطنية لإيقاف مآسي اللبنانيين وقلب الظروف التراكمية التي أدت اليها، فالشعب اللبناني بطوائفه وأطيافه كاملة يستحق أن يعيش الحياة الكريمة والآمنة من دون ان يبقى هاجس الحروب والدمار مصلتاً عليه".

أضاف: "إنّ أكثر ما يؤلمنا في الوقت الحاضر وجود اكثر من مليون لبناني مهجّر في ارضه، من الجنوب والضاحية الجنوبيّة والبقاع: عائلات فقدت احباءَ لها، وأرغمت على ترك بيوتها وأرزاقها، وباتت تفترش الشوارع البعيدة او المباني الموحشة، وأطفال تشتاق لدفء سريرها وملعب مدرستها وفرح طفولتها. وفي ظل هذا الوضع المأساوي، يثابر البعض على طروحاته وكأن شيئاً لم يكن، ما يتطلب مقاربة تقدم الحلول المستدامة والجذرية، فتراكم أنصاف الحلول لم يؤدِّ سوى إلى الانهيارات والحروب. فقد أثبتت التجارب عبر التاريخ، ان لا استقرار من دون بناء دولة تجمع جميع مواطنيها بعدالة ومساواة، ومؤسسات تحمي حقوقهم جميعاً من دون تفرقة أو تمييز. في هذه المرحلة، لا بد من استعادة هذه الدولة بعد تفكك الكيان وانهيار الهيكل على رؤوس الجميع واستمرار حروب مدمرة بسبب الهيمنة والسلاح والفساد وسيطرة قوى خارجية على قرار الحرب في لبنان، وتدخلها المباشر، المرفوض، عبر ادارة مباشرة للأعمال العسكرية استخدمت جزءاً من الشعب اللبناني في حروبها إما كأدوات قتالية أو كدروع بشرية".

وتابع: "أمام كل ما يعيشه الشعب اللبناني من قلق وخوف على المصير، في وطن منكوب ودولة غير موجودة، كان لا بد من "لقاء وموقف ومبادرة"، نحدّد من خلالها خارطة طريق، استكمالاً لمواقف سابقة لجميع قوى المعارضة، وذلك لوقف النزيف والمعاناة على المستويات كافّة. فالحاجة الملحّة تستدعي أولاً، وبصورة رئيسة وقبل أي شيء آخر، التوصّل الى وقف لإطلاق النار، الأمر الذي يضع حدًا أولياً للكارثة التي يعيشها شعبنا".

وقال: "نعلم جيدًا أن المجتمعين العربيّ والدوليّ لم يعد لديهما ثقة بالمجموعة الحاكمة في لبنان، خصوصاً بعدما تخلّت الدولة لسنوات وسنوات عن قرارها الأمني والإستراتيجي لمصلحة مجموعة وتنظيم خارج الدولة. لا ثقة للمجتمع الدولي والعربي بالمنظومة الحاكمة اليوم التي تتربص بالسلطة من دون أن تحرّك ساكناً لإنقاذ لبنان من محنته. لا ثقة للمجتمع الدولي والعربي بالمنظومة الحاكمة بعد المحاولات المتكرّرة لمساعدة لبنان من خلال مبادرات عدة وقرارات دوليّة وعربيّة لم تؤدِّ الى أي نتيجة. لم تحقق المنظومة الحاكمة الا المزيد من الفشل حتّى تحوّل لبنان الى دولة فاشلة. وما الحرب الضروس الدائرة المدمّرة، والانهيارات على أنواعها التي عاشها شعبنا في السنوات التي مضت، إلا دلائل ساطعة على لامبالاة الطبقة الحاكمة وفسادها وعدم كفاءتها. وبين معاناة الحرب وغياب قدرات المنظومة الحاكمة على إيقافها، لا بد من خارطة طريق واضحة وشفافة لوقف الإنهيار الكارثي الحالي والخروج منه".

وأشار الى ان "أوّل خطوة في خارطة الطريق هذه هي التوصّل الى وقف لإطلاق النار بأسرع وقت ممكن. فبغياب مبادرات دولية جدية، لم يبق لنا، للتوصل الى وقف إطلاق النار إلاّ الذهاب لانتخاب رئيس للجمهوريّة: رئيس يطبق الدستور ويحترم القوانين المرعيّة الإجراء، رئيس ذي صدقية، يتعهّد مسبقاً بشكل واضح وجلّي بتطبيق القرارات الدولية خصوصاً القرارات 1559، 1680 و1701 وفقاً لجميع مندرجاتها، وبنود اتفاق الطائف ذات الصلة، رئيس يتعهّد بشكل واضح وصريح بأنّ القرار الاستراتيجي لن يكون إلا للدولة وللدولة وحدها فقط، رئيس يتعهّد بإعطاء الجيش اللبناني الصلاحيات اللازمة كلها لعدم ترك أي سلاح او تنظيمات أمنية خارج الدولة، رئيس خارج الممارسات السياسية الفاشلة كلها التي عرفناها، ومشهود له بنظافة الكفّ، والاستقامة، والأخلاق العالية والوطنيّة، على ان يتبع انتخاب الرئيس فوراً استشارات نيابيّة ملزمة لتكليف رئيس للحكومة وتشكيل حكومة على الأسس السيادية عينها المنوّه بها أعلاه، وهذا كلّه لا يعني أنّ فريقاً سيكون غالباً وآخر مغلوباً، لا بل سيكون لبنان هو المنتصر لمصلحة شعبه كله وأمنه واستقراره وازدهاره".

وختم جعجع: "إن السياسة العدوانية الإسرائيلية تجاه لبنان والتي تظهر اليوم بأكثر تجليّاتها بشاعة، تحتّم علينا عدم الإنتظار في أي حال من الأحوال حتى تهجير آخر لبناني أو قتله، عدا عن اننا لا نعرف نحن بانتظار من او ماذا؟ ان التاريخ لن يرحمنا جميعاً إن تراخَينا، أو تغاضينا، أو تراجعنا. وقد قدّم لنا امثولات عدة كان فيها التراخي أمام الباطل قاتلاً، واللعب بمنطق الدولة عبثاً، والتراجع عن معركة بناء الدولة خسارة عامة يتكبدها اللبنانيون جميعاً.

اننا نعاهد الشعب اللبناني بأننا سنخوض المعارك السياسية السلمية الديمقراطية الديبلوماسية التي توصله إلى برّ الامان، والتي تثبت حقه بدولة قادرة عادلة سيدة محايدة عن سياسات المحاور منسجمة مع محيطها العربي والدولي، تستعيد دور لبنان، وطن الإشعاع لا وطن الساحات المفتوحة، وطن التعددية كمصدر للغنى والازدهار، لا وطن الاحادية المنتجة للفقر والتقهقر والحروب والتهجير والاندثار".