جونية تفتح مرفأها على أوروبا: بحرٌ من الفُرَص

تحت شعار "مرفأ جونية السياحي… بحرٌ من الفُرَص"، يعود المرفأ بعد انتظار طويل وسنوات من التعثر، ليضع جونية مجدداً على الخريطة البحرية للمتوسط. فالمرفأ ليس مجرد بوابة بحرية لكسروان؛ بل رئة تنبض بالحياة، وفرصة استثمارية واعدة تعيد وصل المدينة بالبحر، وتفتح أمامها آفاقاً جديدة للسياحة والتنمية.

تكمن أهمية المرفأ الاستراتيجية في أن لبنان لا يبعد عن أوروبا سوى 200 كيلومتر، وبرغم ذلك، لم ينجح طوال العقود الماضية في إقامة خط بحري منتظم يربطه بالقارة. واليوم، مع إعادة تشغيله، يعود السؤال: هل يكون مرفأ جونية بداية هذا الربط المفقود؟

رخصة دولية وخريطة المتوسط

يحوز المرفأ رخصة دولية أهلته للانضمام إلى شبكة مرافئ المتوسط المعتمدة، وهذا ما يضع جونية وجبيل على الخريطة البحرية العالمية، ويمنحهما دوراً مركزياً في رفد بيروت وطرابلس بالسياح والوافدين من ذوي الدخل المتوسط. المرفأ مجهز بالكامل لاستقبال السفن السياحية، ومفتوح أمام أية شركة أو وكالة سفر ترغب بالتشغيل بواسطته. من هنا، وُضع اسم جونية مجدداً على الخريطة البحرية العالمية، بعد أن غاب عنها طويلاً. 

قبرص أولاً… ثم تركيا وأوروبا

الحدث بدا احتفالياً بامتياز. لم يكن مجرد قص شريط أو إطلاق مشروع متوقف؛ بل إحياء لذاكرة لبنانية قديمة. فالمرفأ نفسه، بحوض صياديه تحديداً، كان المنفذ الوحيد للبنانيين خلال الحرب الأهلية، عندما تعذّر الوصول إلى مطار بيروت. يومذاك، جرت تعديلات سريعة على تجهيزاته، استُحدثت قاعة ركاب ومكاتب للقوى الأمنية والأمن العام، ليُستخدم في نقل المسافرين إلى لارنكا في قبرص. وعلى مدى عقد كامل تقريباً، تحوّل المرفأ شريان حياة يربط لبنان بالعالم الخارجي.

اليوم يعود من جديد، لكن بوجه سياحي واستثماري. الخطة العملية تبدأ بخط بحري بين جونية وقبرص. البواخر المحملة بين 300 و400 راكب ستنطلق بواقع ثلاث رحلات أسبوعياً، مع إمكان زيادة العدد لاحقاً تبعاً للعرض والطلب. الميزة الإضافية أن رحلة بحرية من أربع ساعات بكلفة معقولة قد تكون خياراً مثالياً للبنانيين المغتربين والطلاب، وأقل كلفة من تذاكر الطيران.

تشغيل الخط حتى أيار

النائب نعمة افرام، الذي تبرّع بالجهد والتمويل لإعادة تشغيل المرفأ، تعهّد بأنه إذا لم تُبدِ أية شركة خاصة اهتماماً حتى أيار المقبل، فسوف يستقدم بنفسه باخرة لتسيير الخط، حتى لا يكون الافتتاح مجرد إجراء شكلي. وقال افرام في حديث إلى "المدن": إن مرفأ جونية مهم جدًا، ونحن ننتظره منذ عشرين سنة. هذا المرفأ سيشكّل إعلانًا عن بداية زمن جديد في لبنان. أضاف "سنتمكّن من ربط أنفسنا بقبرص، وربما بتركيا أيضًا، كما سنستطيع استقدام السياح من أوروبا إلى لبنان، ومن لبنان إلى أوروبا خلال ثلاث ساعات فقط. لو أفاد لبنان من 2 في المئة فقط من السياح القادمين إلى قبرص، لكان لذلك أثر اقتصادي كبير على الفنادق والمطاعم والمعالم السياحية ". وعن الوضع الأمني وصف افرام المرفأ قائلاً "ما يميّز هذا المرفأ أنّه سواء وُجد الاستقرار أم غاب، يبقى قويًّا جدًا".

مشروع مؤجَّل منذ 2008

تاريخ المرفأ السياحي لا يبدأ اليوم. ففي أيار 2008، صدر مرسوم بإنشائه، بعد دراسة أجرتها شركة BMT الألمانية لمصلحة مجلس الإنماء والإعمار، فأوصت بالمكان الحالي آخذةً في الاعتبار التيارات البحرية. وفي العام نفسه، أصدر مجلس الوزراء القرار الرقم 179، ورصد مبلغ 35 مليون دولار لتمويل التنفيذ.

لكن المشروع توقّف سريعاً، لأسباب عديدة تنوعت بين التعثر المالي، وغياب الإرادة السياسية. ومع ذلك، ظل مطروحاً بوصفه حاجة ملحة لإنعاش الحركة الاقتصادية والسياحية في جونية ومحيطها، ولجذب أعداد كبيرة من السياح الأوروبيين وزوار قبرص.

وزيرة السياحة لورا الخازن وصفت المرفأ في حديثها إلى "المدن" بأنّه مهم جدًا للبنان، ورأت أن لبنان، مع المزيد من الأمن والاستقرار، يستطيع أن يكون بلدًا سياحيًا بامتياز، ويستفيد اقتصاديًا في مختلف المناطق.

أمّا وزير الأشغال فايز رسامني، فاعتبر أن الخطوة تجربة ضرورية قائلًا لـ"المدن" فلنجرب، وأنا آمل أنّ الخطوة ستكون فعّالة.

لكن، بين الذاكرة التي تعود إلى الحرب الأهلية، والآمال التي تُعلّق اليوم على المرفأ الجديد، يبقى الامتحان الفعلي في قدرته على التحول من مشروع مؤجل إلى رافعة اقتصادية وسياحية.

المرفأ إذن ليس مجرد رصيف لإرساء البواخر؛ إنه رهان على زمنٍ جديد، يربط لبنان بالمتوسط، بعد أن بقي لعقودٍ معزولاً عن خطوطه البحرية المنتظمة. والسؤال الأهم: هل ينجح المشروع في أن يكون أكثر من افتتاحٍ احتفالي، أم يبقى حلقةً جديدة من حلقات التجارب المؤجلة؟