المصدر: الراي الكويتية
الخميس 14 تشرين الثاني 2024 01:15:58
من المتوقع أن يبدأ غزو لبنان على نطاق واسع من قبل الفرق الإسرائيلية المدرعة بعد فترة وجيزة من موافقة رئيس الأركان هيرتسي هاليفي على بدء المرحلة الثانية.
ويركز الجيش الإسرائيلي الآن على الاستعداد لهجوم أكبر من خلال نشر قوات المشاة المكلفة تحديد مستودعات الذخيرة الأمامية لـ «حزب الله» وتدميرها وتحطيم القرى. وعُلم أنه تم إخلاء هذه المخازن على عَجَلَ بناء على أوامر من قادة الحزب، تحسباً لهجوم إسرائيلي أوسع نطاقاً.
وعلى طول الحدود مع لبنان، ركزت إسرائيل خمس فرق «لتطهير الطريق» من خلال تأمين المناطق الرئيسية قبل التقدم المتوقَع لدباباتها.
لأكثر من 50 يوماً، ركزت إستراتيجية إسرائيل البرية على الهجوم البري الموسَع لعزمها على منْع «حزب الله» من الحفاظ على سيطرته على جنوب لبنان ولفرض شروطها على بيروت غير المستعدة بعد للخضوع للمطالب الإسرائيلية.
وفي حين لم تسعَ إسرائيل في شكل مباشر إلى نزْع سلاح «حزب الله»، فقد طالبت بمنع المزيد من شحنات الأسلحة الإيرانية إليه عبر سورية، وبأن لها الحق في السيطرة على وجود الأسلحة في المنطقة المحدَدة (وهو شرط ينتهك سيادة لبنان) وانسحاب «حزب الله» من جنوب نهر الليطاني.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تتحقق هذه المطالب، لأن «حزب الله» منظمة متجذرة بعمق في النسيج الاجتماعي والسياسي في البيئة الشيعية في لبنان، ويضم عشرات الآلاف من الأعضاء من جنوب لبنان وأجزاء أخرى من مناطق متفرقة.
وعلاوة على ذلك، نجح «حزب الله» في شكل كبير في تطوير قدراته المحلية في تصنيع الأسلحة، خصوصاً في إنتاج الطائرات من دون طيار والصواريخ الثقيلة نوع بركان. وهذا ما أدى إلى تقليص الأهمية الإستراتيجية لتدفق إمدادات الأسلحة الإيرانية في شكل كبير، حيث نقلت طهران بالفعل قدراً كبيراً من المعرفة الفنية إلى الحزب. ونتيجة لهذا، أصبح توريد المكونات الأساسية مهمة لوجستية أبسط من محاولة نقل الصواريخ المجمعة بالكامل عبر الحدود من إيران إلى لبنان.
دور الفرق الإسرائيلية
لقد خصصت إسرائيل الفرقة 36 (غاش) لقيادة المرحلة الثانية من الغزو بسبب دورها كفرقة مدرعة متعددة الاستخدام ومجهزة للتوغل في العمق. وعلى عكس الوحدات الأخرى ذات الوظائف المتخصصة، فإن هيكل الفرقة 36 يمكنها من التعامل مع كل من الدروع الثقيلة والمناورات المعقدة الضرورية للسيطرة الإقليمية الموسعة. وتشكل قوتها النارية وخبرتها في العمليات البرية أهمية بالغة لتحقيق هدف هذه المرحلة المتمثل في التوسع الجغرافي. وفي الوقت عينه، ستعمل الفرق الأخرى على تأمين الحدود، وتوفير الدعم السريع، وتعزيز القدرة المدرعة، وتشكيل إستراتيجية غزو متعددة الطبقة.
وتركز الفرقة 210 (باشان) على تأمين قطاع الجولان وإدارة العمليات في شمال إسرائيل، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على جبهة خلفية مستقرة ولكن ليس لغارات الخطوط الأمامية.
وشاركت الفرقة 98 (المظليون) في شكل كبير في عمليات التطهير الأولية، وتحييد التهديدات المحتملة بالقرب من حدود إسرائيل، وتالياً تطهير الطريق لدبابات ومشاة الفرقة 36. فقدرتها على الاستجابة السريعة ضرورية في دور داعم مع تقدم الفرقة 36.
وتعمل الفرقة 91 (الجليل) بالقرب من الحدود اللبنانية، وتتولى القتال عن قرب والدفاع عن الجبهة الشمالية لإسرائيل. وخبرتها في المناوشات عبر الحدود تجعلها في وضع التعزيز الدفاعي على طول الحدود المباشرة.
الفرقة 146 (الاحتياطية المدرعة)، تقدم كفرقة احتياطية للتعزيز والدعم المدرع الإضافي إذا واجهت الفرقة 36 مقاومة مستمرة أو تطلبت قوة نيران إضافية لعملية مطولة.
التحول الإستراتيجي لـ«حزب الله»
كانت إستراتيجية «حزب الله» الأولية تركز على موقف دفاعي، بهدف صد التقدم الإسرائيلي وحماية المواقع الإستراتيجية. ولكن مع بدء القوات الإسرائيلية في إنشاء مواقع ثابتة، من المرجح أن يعمل الحزب على الدفاع والهجوم، مستهدفاً المدرعات الإسرائيلية والوحدات المحصنة في جنوب لبنان. ويمثل هذا التحول تصعيداً كبيراً، حيث سيستغل الحزب أي نقاط ضعف إسرائيلية مرتبطة بالاحتلال المطول وانتشار القوات على مساحة أوسع. باستخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وتكتيكات الكمائن، والخطوط الدفاعية متعددة الطبقة، وهو يهدف إلى إنشاء ساحة معركة حيث ستواجه القوات الإسرائيلية استنزافاً مستمراً.
الهيمنة الإسرائيلية الجوية
تظل الميزة التكنولوجية لإسرائيل في الحرب الجوية والطائرات من دون طيار عاملاً حاسماً في الصراع الدائر. وباستخدام طائرات من دون طيار مزودة بمدافع رشاشة وطائرات استطلاع مسلحة وطائرات من دون طيار انتحارية، تستهدف إسرائيل مواقع «حزب الله» بدقة، ما يقلل من تعرُض القوات البرية للالتحام الدائم والخسائر البشرية. وتمكن الهيمنة الجوية إسرائيل من الحفاظ على الضغط على المواقع الأمامية للحزب، ودعْم حركة المشاة وتطهير المسارات لفرق الدبابات. وعلى الرغم من قدرة الحزب على الصمود، فإن اختلال التوازن في القوة الجوية يجعل المعركة تميل لمصلحة إسرائيل في المدى المنظور، ما يسمح لها بمواصلة حملة مطولة ضد قوات «حزب الله». ومع ذلك، فإن الحزب تَكيف مع هذا الواقع من خلال الانتقال إلى مواقع محصنة والحفاظ على أنظمة اتصالات لامركزية، ما يقلل من تأثير هجمات الطائرات من دون طيار الإسرائيلية.
تأثير الحرب على المجتمع الإسرائيلي
يؤدي الصراع المستمر إلى خسائر فادحة في المجتمع الإسرائيلي. فقد أجبرت الهجمات الصاروخية اليومية أكثر من مليون إسرائيلي على اللجوء إلى الملاجئ، ما تسبب بتعطيل الحياة المدنية بشدة وتَصاعُد التأثيرات الاقتصادية، مع قفْل الشركات والمدارس في شكل متكرر نتيجة الأعمال العدائية المستمرة.
وعلى الصعيد السياسي، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو تدقيقاً متزايداً، حيث يعمل نهجه المتشدد على إطالة أمد الصراع دون تحقيق مكاسب ملحوظة. كما بدأت الانقسامات تظهر داخل المجالين العسكري والسياسي الإسرائيلي، حيث ترتفع الأصوات أكثر مطالبة بوقف إطلاق النار، من دون أي تأثير على قرار الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة. ويهدد القتال المطول بتآكل الدعم الشعبي لنتنياهو، وخصوصاً إذا ارتفعت معدلات الإصابات بين القوات الإسرائيلية دون نتائج إستراتيجية في لبنان (على عكس غزة). ومع ذلك، يظل نتنياهو حازماً في هدفه المتمثل في «النصر الكامل»، حيث أظهر التزاماً لا يتزعزع بتكثيف الحرب بدلاً من أي إشارة إلى الاتجاه نحو الحل.
ويبدو أن كلاً من إسرائيل و«حزب الله» يستعدان لصراع طويل الأمد. وتعكس خطة غزو المناطق الجنوبية من لبنان هدفَ إسرائيل المتمثل في السيطرة على مواقع إطلاق الصواريخ الصغيرة وصواريخ الكاتيوشا التابعة للحزب، والتي تستمر في ضرب شمال إسرائيل. وقد عززت تل أبيب أنظمة إعتراض الصواريخ على طول الحدود اللبنانية، ونشرت أفراداً مضاعفة لإعادة التذخير بسرعة أثناء إعتراض الصواريخ الآتية. وتسمح هذه القدرة لإسرائيل باستيعاب أكبر لإطلاق الحزب الصواريخ، رغم أنها ما زالت تعاني عدم القدرة الإعتراضية للطائرات بدون طيار والصواريخ الدقيقة.
وإزدادت قدرة القيادة الإسرائيلية على تحمُل الصراع المطول ووقوع خسائر في صفوف قواتها، الأمر الذي أدى إلى تحول التركيز من المكاسب الفورية إلى ترسيخ السيطرة على جنوب لبنان. ويبدو أن إستراتيجية المرحلة الثانية تتلخص في التقدم المنهجي جنوب نهر الليطاني، مع التركيز على تدمير البنى الأساسية الرئيسية لـ «حزب الله» في تلك البقعة، ومنْعه من شن المزيد من الهجمات. ويؤكد الإحتلال المطول والتدمير المستمر للقرى على التزام إسرائيل بفرض شروطها على لبنان، رغم التكاليف الإنسانية المترتبة على ذلك.
وتتضمن هذه الخطة الاحتفاظ بمواقع إستراتيجية وتوسيع الغزو اعتماداً على الفرصة المتاحة في ساحة المعركة، الأمر الذي يسمح لإسرائيل بإنشاء موطئ قدم يساعد في الضغط على «حزب الله» والحكومة اللبنانية. ويلتزم الحزب بالقدر عينه بمواجهة جهود الاحتلال الإسرائيلي، عبر استخدام مزيج من تكتيكات حرب العصابات، والأسلحة المضادة للدبابات، وقدراته الجوية الخاصة.
صراع طويل ونتائج غير مؤكدة
مازال كلا الجانبين غير راغبين في خفض التصعيد، ما يزيد من احتمالات تَعاظُم الدمار والإصابات بين المدنيين. ويشير إصرار إسرائيل على السيطرة على الأراضي اللبنانية وتصميم «حزب الله» على صد الاحتلال إلى صراع مطول بلا نهاية فورية في الأفق.
كما يشي الحشد العسكري الإسرائيلي على طول الحدود بأن إسرائيل مستعدة لحملة موسعة. ومع ذلك، فإن مرونة «حزب الله»، (إلى جانب دعم إيران) تُظْهِر أن أي احتلال إسرائيلي سيُقابَل بمقاومة كبيرة. في حين مازال السكان المدنيون في كل من لبنان وإسرائيل يتحملون وطأة هذا الصراع، حيث تعمل ديناميات القوة الإقليمية على تغذية حربٍ لا يوجد فيها منتصر واضح في الأفق.
ومن المرجح أن تكون هذه المرحلة من الحرب معركة مْكْلِفة للطرفين بنِسَب متفاوتة، وسط انطباعٍ بأن كلا الجانبين ملتزمٌ بمواجهةٍ تعيد تشكيل المنطقة وتختبر عزيمة كل الأطراف المعنية.