حرب غزة من صراع وطني إلى ديني وإيديولوجي.. كيف يكون "سلاماً" والداعون إليه يبررون العنف؟

لأننا في وطن تعددية الطوائف لا بد من الإعتراف باحترام المقدسات لأن في احترامها إحتراماً لمن يعتقدون بها وفي احتقارها أو استباحتها تحت شعار التعايش والإنفتاح إحتقاراً للآخر.

 ثمة من يقرأ في هذا الكلام تعديا أو تجاوزا لخط احترام مقدسات الآخر، لكن في لبنان الرسالة كما وصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني ، لبنان القيم، لبنان الإنسان، لبنان القداسة "علينا أن نتعلّم احترام الإختلافات بيننا، واعتبارها مصدر غنى، وليس خطرا، وليكن الدين عاملا من عوامل السلام والتعايش والأخوة، وليس عاملا من عوامل التصادم والكراهية والعنف إطلاقا. قالها رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم الذي شارك في "الفعالية الثقافية من وحي عيد الميلاد بعنوان"دمعة مريم –مآسي غزة" التي أقيمت ظهر امس في المكتبة الوطنية في بيروت وشاركت فيه عقيلة الرئيس الإيراني جميلة علملحدا التي تزور لبنان بناء على دعوة من وزير الثقافة محمد وسام المرتضى وتحاكي المآسي الناتجة عن الإعتداءات الإسرائيلية على غزة والجنوب اللبناني وأحيتها لجنة من المثقفين اللبنانيين والعرب.

هذا الحدث أثار علامات استفهام عديدة لدى مرجعيات روحية وعلمانيين لجهة "الخلط بين مفهوم رمزية عيد الميلاد كحدث ديني ووصفه من قبل أصحاب الدعوة كحدث ثقافي بحضور عقيلة الرئيس الإيراني".

مشاركة الأب أبو كسم  جاءت بخلفية ثقافية كما يوضح لـ"المركزية" " نحن مع الحق والسيد المسيح علمنا وقال: تعرفون الحق والحق يحرركم. ونحن نتضامن إنسانيا مع أهالي غزة ونستنكر الإعتداءات الوحشية ".

والسؤال الذي يطرح:"  هل نحن في زمن احتدام صراع الحضارات على النحو الذي توقعه هنتنغتون؟ وكيف نواجه؟ باللامبالاة؟ بالمعاملة بالمثل؟ بالقوة أو باللين؟ بالشجار أو بالحوار؟ بالكراهية او بالمحبة؟ بالأيمن أو بالخدِّ الأيسَر؟

"في البعد الإنساني نحن من أشد المتضامنين مع أبناء غزة ولا يوجد أي إشكال في هذا المعنى. لكن في البعد الديني لا يجب أن نخلط الزيت مع الماء بغض النظر لمن تعود الأفضلية" تقول مصادر دينية لـ"المركزية". وعن عنوان الحدث الثقافي كما ورد في الدعوة توضح المصادر أن "لا علاقة لمريم في القرآن الكريم ومريم في الإنجيل المقدس".

وتضيف، "نحترم ونجلّ مريم في القرآن الكريم لكن ثمة فوارق عديدة. فمريم في القرآن هي إبنة عمران وقد ولَدَت تحت شجرة نخيل، ومريم في الإنجيل هي إبنة يواكيم وحنّة وقد ولَدَت الطفل يسوع في مغارة بيت لحم وإلى جانبها يوسف والرعيان والمجوس. أيضا، تضيف المصادر الدينية أن مريم في المسيحية هي أم الله المتجسد بيسوع المسيح وليست ام النبي، إذا ليست هناك أية علاقة".

نقطة ثانية تطرقت إليها المصادر في السياق نفسه وهي "الخلط في المعتقدات الدينية مع التأكيد على احترام كل المقدسات وتقول"لا يجوز استغلال المناسبات الدينية من أجل الخلط بين الأمور. فنحن متضامنون إلى أقصى الحدود مع أطفال غزة وكل مظلوم وكل الضحايا وكل لاجئ وكل مهجر. هذه هي المسيحية . لكن لا يجوز المزج بين البعدين الديني والثقافي. في البعد الأول نحن متضامنون ولكل نظرته الدينية إلى الله والوطن والمرأة والطفل، وفي البعد الثاني لكل ثقافته".

لكن ثمة بعدٌ يتجاوز الخطوط الحمراء وهو الأخطر."فعندما تتحول الحروب إلى دينية أي أنها مبررة من قبل الله من خلال آيات ونصوص في كتب مقدسة من هنا، أو آيات من هناك. ويتم تبرير العنف بإسم الله عندها نفقد أية مرجعية للسلام، لأن الله هو المرجعية الوحيدة للسلام. هذا أخطر ما يحصل اليوم إذ تحولت الديانة إلى إيديولوجية وتكفير الآخر أياً كان هذا الآخر، وهنا نقع في المحظور إذ نكون دخلنا في صراع ديني عالمي عنفي شرس.

هذا الواقع الخطير ينطبق على أرض الواقع وتحديدا على الحرب في غزة تشير المصادر" فالحرب في غزة تحولت إلى صراع بين اليهود والمسلمين ويقحمون المسيحيين لإثارة الغرائز الدينية في العالم الغربي وتحديدا أوروبا والفاتيكان. وبذلك تحولت هذه الحرب الوجودية إلى صراع ديني عالمي وإيديولوجي تماما كما كان الحال خلال الصراع بين الرأسمالية والإشتراكية وبات يتوجب على الإشتراكي أن يقتل كل رأسمالي. في حين أن طبيعة الصراع في غزة وطنية بامتياز ".

وتسأل المصادر"إذا كان الله يبرر العنف فكيف يكون المرجعية للسلام؟ وكيف يمكن طرح مبادرة السلام والداعون إليه يبررون العنف بإسم الله؟

نسأل عن الحصانة والمرجعية لتدارك هذا الخطر وتجيب المصادر"علينا أن نتحصن بالفكر والفلسفة وأن تكون لدينا قضية". وفي السياق تسأل" ما هو الطرح البديل في لبنان أو غزة أو حتى في الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا؟ هنا تكمن المشكلة لذلك يجب أن نفكر بالعمق عن الطرح .

"كمسيحيين نحن نطرح فكر يسوع المسيح القائم على بناء الجسور والسلام وليس استغلال أوجاع الناس والمظلومين من أجل استراتيجيات ذات أبعاد إقليمية تخدم هذا الفريق أو ذاك. الفكر المسيحي يقوم على حوار الحضارات وليس صراع الحضارات كما يجري في غزة والمبادرة التي يجب أن نطلقها هي أن نعلّم الآخرين كيف نبني السلام .عدا ذلك يعتبر تسييساً وتدنيساً ومماحكات ومراءاة " تختم المصادر.