حرب لبنان الثالثة إلى شهرها الثاني... لا أفق لوقف النار

مع دخولِ «حرب لبنان الثالثة» أمس شهرَها الثاني منذ اندلاعها على شكل اجتياح جوي مروّع في 23 سبتمبر الماضي، ثم غزوٍ بري بدأت «طلائعه» في 1 أكتوبر وما زالت محاولاتُ تَرْجمته مستمرّةً على الحافة الحدودية وضمن نطاق 5 كيلومترات، تَشي الوقائعُ الميدانية بما يشبه «الستاتيكو» الذي ارتسم، وإن مع تصعيدٍ متبادل تحت سقفه، ولم يَعُد كسْره ممكناً إلا في ضوءِ طبيعة ومستوى الضربة الاسرائيلية على إيران التي باتت كفيلة بتحديد اتجاهات الريح ليس فقط على جبهة لبنان بل في عموم المنطقة، سواء في اتجاه مزيدٍ من التدحْرج الأعتى أو فتْح الباب ولو مواربةً أمام مَخْرج دبلوماسي تتسارع محاولاتُ بلوغِ اتفاقٍ إطار له وإرساء مرتكزاته ولو بمفاعيل مؤجَّلة صار مرجّحاً أن تشمل أيضاً حرب غزة وتداعياتٍ تطول التمدد «الأخطبوطي» لطهران في الاقليم.

ولم يَعُد خافياً وفق أوساط مطلعة أن المواجهات بين اسرائيل و«حزب الله» أصبحتْ محكومةً بأمرين:
- انفلاشُ الغارات المجنونة بوصْفها الأداة الرئيسية لإيلام الحزب وبيئته بضرباتٍ لكل جسمه العسكري والمالي والصحي كما قيادته بمختلف مستوياتها، مع توسيع لها نحو حلفاء له وأبرزهم رئيس البرلمان نبيه بري في ضوء انتقال الطيران الحربي في الأيام الماضية لاستهدافٍ تدميري لمناطق محسوبة عليه وخصوصاً النبطية ومدينة صور، بالتوازي مع مواصلة التوغل البري الذي حقق تقدّماً ولو بطيئاً في غالبية المحاور حيث يَمْضي الجيش الاسرائيلي في إستراتيجية دخول بلدات حدودية، وكان آخِرها عيتا الشعب، وتفجير قسم كبير من أبنيتها كما فعل قبْلها في محيبيب وبليدا ومركبا، من دون اتخاذ وضعياتِ احتلالٍ ظاهرة وثابتة، وذلك في سياق هدف تحقيقِ منطقة عازلة أو «ميتة» بعمق 5 كيلومترات على امتداد الحدود من الناقورة حتى شبعا (حوالي 100 كيلومتر).

- ارتقاء «حزب الله» في عملياته كمّاً ونوعاً، بحيث باتت حيفا وما بعدها أشبه بكريات شمونة وما قبلها في الاستهداف الموجع لها، وصارت تل أبيب وضواحيها هدفاً شبه دائم، مع تكثيف استخدام المسيَّرات ضد قواعد عسكرية أو مصانع أسلحة، بالتوازي مع خوض معارك ضارية على الحدود يقول إعلام قريب منه إنها تمنع الجيش الاسرائيلي من تحقيق أي توغّل دائم أو تعميق الغزو، رغم إعلان القناة الإسرائيلية 12 «أن الجيش قريب جداً من إكمال مهمته في العمليات البرية بلبنان، والمستوى السياسي سيقرر توسيع العملية أو الحفاظ على الإنجاز الحالي».

وفي رأي الأوساط المطلعة أن هذا التقابُل يمكن أن يستمرّ طويلاً، ويتدرّجَ في جولاتٍ أعنف، من قبل إسرائيل التي يلامس طيرانها المستشفيات في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى مثل بيروت (مستشفى رفيق الحريري الحكومي) كما مطار العاصمة اللبنانية، ومن «حزب الله» الذي يضع الإصبع على زناد صواريخ دقيقة يقنّن في استخدامها لزوم مقتضيات المعركة وتوسُّعها نحو إيران، ما يَعني أن طريق إحداث كوة في جدار انسداد الأفق الدبلوماسي لا يزال شاقاً وشائكاً وقد يتطلب المزيد من «عضّ الأصابع» وعدّ الضحايا وإحصاء «الدمار الشامل»، ليبقى العنصرُ الذي يمكن أن يبدّل الموازين، الردّ الاسرائيلي المرتقب على الهجوم الصاروخي الإيراني، باعتبار أن ما بعده لن يكون كما قبله بحسب منسوب الضربة وهل سيلتزم بنيامين نتنياهو بضوابط لها.

وفي انتظار حصول الضربة الاسرائيلية، يتعزز الاقتناعُ بأن الوضعَ سيدور في دوامة العنف نفسها لبنانياً، من دون أن يكون بإمكان أحد الجزم بما إذا كان نتنياهو سيعطي إشاراتٍ لاستعداده لبلوغ حلّ، بمعزل عن مسودات التفاهم حول «اليوم التالي» للحرب في لبنان التي تُطرح لتُرفض لِما تنطوي عليه من فرْض شروط خارقة للسيادة اللبنانية، بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية أم بعد أن يتسلّم الرئيس الجديد مهماته في يناير، وتالياً هل سيأخذ «وقتاً إضافياً» في حربه أسبوعين أو شهرين، وهذا بحال جاء الردّ على طهران منضبطاً ولا «تحرق المراكب» لجهة الحفاظ على جسور العودة إلى مَخرج دبلوماسي.

الحراك الدبلوماسي

وفي هذا الإطار، تُبدي الأوساطُ نفسها اعتقادَها أن الحِراك الدبلوماسي المكثف الذي يجري في اتجاه لبنان واسرائيل، وتتقدّمه الولايات المتحدة التي يزور وزير خارجيتها انتوني بلينكن المنطقة بعد الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين، وفرنسا التي تستضيف اليوم مؤتمر دعم لبنان كما الدول العربية والخليجية خصوصاً، لن يُفْضي إلى حلول وشيكة، وإن ساهم في تظهير «مسلّمات» أي تَفاهُمِ - وأبرزها التنفيذ الكامل للقرار 1701 بحذافيره وبملحقات تنفيذية تضمن إنهاء النزاع «لمرة واحدة وأخيرة» - و«استحالاته» على مقلبيْ اسرائيل و«حزب الله» ومن خلفه إيران.

قوة متعدّدة الجنسية

وفي رأي هذه الأوساط أن هذا الواقع يفسّر التقارير من كل حدب وصوب حول مقترحات الحلّ، سواء كما حَمَلَها معه هوكشتاين الى بيروت، أو تسرَّب في وسائل إعلام غربية، وبينها فكرة نشر قوة متعدّدة الجنسية في جنوب لبنان إلى جانب الجيش في حال التوصل إلى وقف النار، وفق ما أفاد دبلوماسي غربي عبر «فرانس برس».

وقال الدبلوماسي، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، «ما نحتاج إليه الآن هو وقف النار ووجود يحظى بثقة الجانبين، وقد يكون هذا الوجود عبر القوات المسلحة اللبنانية مع قوات دولية»، في إشارة الى قوات خارج «اليونيفيل» التي تُعتبر الناظم و«الناظر» لتطبيق القرار 1701 (مع الجيش اللبناني) الذي رغم تأكيد هوكشتاين أنه لم يعد كافياً لوضع حد للنزاع إلا أنه شدد على ضرورة أن يكون القاعدة لأي حلّ «مع الشيء الإضافي الذي يمكن القيام به للتأكد من تطبيقه بطريقة عادلة وشفافة».

وبحسب الدبلوماسي فإنَّ الدفع باتجاه تطبيق القرار «1701 بلاس» (1701+، مع إضافة) هو انعكاس لحقيقة مفادها أن أياً من الجانبين لم ينفّذ القرار 1701»، موضحاً «أن شركاء لبنان بدأوا بالفعل دعم القوات المسلحة اللبنانية وهم يبحثون بشكل ملموس عن كيفية دعمها بشكل أكبر لتكون جاهزة في سياق وقف إطلاق النار واتفاق دبلوماسي طويل الأجل».

مؤتمر باريس

ومعلوم أن فرنسا تستضيف اليوم مؤتمراً دولياً حول لبنان، أعلن الاليزيه أنه سيتركز على الاستجابة لنداء الأمم المتحدة لجمع أكثر من 400 مليون دولار لمساعدة النازحين في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، وذلك على وهج تحذير جاء تصريح وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو قبل يومين من «حرب أهلية وشيكة في لبنان».

وإذ استقبل الرئيس ايمانويل ماكرون أمس، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عشية افتتاح المؤتمر الذي سيتطرق أيضاً الى الأزمة الرئاسية في لبنان ويحاول تقديم مقترح متكامل لوقف النار وسط رصد هل سيُعتبر انتخاب الرئيس مدخلاً لوقف النار أو لتطبيق أي حلّ يليه، أكد وزير خارجيته جان نويل بارو لإذاعة «ار تي ال» أن باريس تساند لبنان و«لن تخذله»، موضحاً أن «الهدف هو أولاً إعادة تأكيد ضرورة وقف النار والتوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الأعمال العدائية، فضلاً عن حشد المساعدات الإنسانية من أكبر عدد من الدول ودعم المؤسسات اللبنانية، وعلى رأسها الجيش اللبناني».

وأشار إلى «أن المؤتمر سيشهد مشاركة 70 دولة و15 منظمة دولية»، مؤكداً أن «كل من دعوناهم سيحضرون».

ومع ذلك، لم يحدد الوزير مستوى التمثيل، معتبراً أن القرار 1701 «يضمن من ناحية سيادة لبنان ووحدته، ومن ناحية أخرى يوفر ضمانات أمنية لإسرائيل، ما يمكّن الستين ألف شخص الذين اضطروا لمغادرة منازلهم بعد 7 اكتوبر 2023 في شمال إسرائيل من العودة إليها».