المصدر: الشرق الأوسط
الكاتب: بولا اسطيح
الخميس 3 آب 2023 07:32:19
بعدما سبق أن لمّح رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في شهر مايو (أيار) الماضي، إلى استعداده لمقايضة القبول بانتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل إقرار «اللامركزية الموسعة» والصندوق السيادي المرتبط بالعائدات المرتقبة من النفط والغاز، آثر في الأيام الماضية الإعلان عن ذلك صراحةً، مما يطرح علامات استفهام حول خلفية هذا الموضوع، وما إذا كانت المفاوضات بينه وبين «حزب الله» تتقدم أو أنه يسعى لتمرير مزيد من الوقت خدمةً لأهداف انتخابية.
وفي لقاء شعبي في نهاية الأسبوع الماضي قال باسيل: «نعلن أننا نعمل بجديّة مع غيرنا على مشروعي اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة وعلى الصندوق الائتماني». وأضاف: «اتفاق الطائف نص على اللامركزية الفعلية، وحتى تكون فعلية يجب أن تكون لها مقومات إدارية ومالية صلبة».
يُذكر أن اتفاق «الطائف» نصَّ في خانة «الإصلاحات» على وجوب «اعتماد اللامركزية الإدارية الموسَّعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام، تأميناً للمشاركة المحلية».
وتُجمع القوى السياسية راهناً على التمسك باتفاق الطائف، وتدعو لتطبيق الإصلاحات التي تضمّنها. إلا أن الخلاف اليوم هو حول اعتماد اللامركزية المالية التي يربطها باسيل باللامركزية الإدارية، في وقت يرى «الثنائي الشيعي» أن في ذلك خروجاً عمّا ورد في «الطائف».
وكان المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، النائب علي حسن خليل، قد قال في يناير (كانون الثاني) 2022، إن «الكلام عن اللامركزية المالية خطر كبير ينسف منطق الدولة الموحدة».
ويرى النائب في كتلة «التنمية والتحرير» الدكتور فادي علامة، أن «المطلوب اليوم تطبيق بنود (الطائف) التي لم تطبَّق بعد، ومنها الدولة المدنية، وقانون انتخاب على أساس لبنان دائرة واحدة، وإنشاء مجلس شيوخ، واللامركزية الإدارية وغيرها»، لافتاً إلى أنه «لو طبّقنا كل ذلك لما وصلنا إلى المشكلات التي نتخبط فيها اليوم».
ويشير علامة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «إذا أردنا في المستقبل اقتراح وتطبيق ما لا يلحظه (الطائف)، تجلس القوى اللبنانية بعضها مع بعض وتبحث ذلك»، مضيفاً: «الملف الرئاسي حالياً يُفترض أن يتخلله بحث بمواصفات الرئيس وبرنامج عمله».
وحتى الساعة لم يَرِد أي تعليق رسمي من أي مسؤول في «حزب الله» حول ما يطرحه باسيل، بما يوحي بأنه يتريث في الرد كي لا ينسف الجسور التي تم مدّها من جديد بين الحزب والتيار الوطني الحر. وقالت مصادر مطلعة على جو «حزب الله» إن «الحزب لا يمكن أن يقبل مقايضة الرئاسة باللامركزية الإدارية والمالية الموسَّعة بوصفه يتعاطى مع هكذا طرح كفيدرالية مقنعة»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحزب منفتح على النقاش في اللامركزية الإدارية وليست المالية».
ويستغرب المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين، فصل اللامركزية الإدارية عن المالية، معتبراً أنه «بطبيعة الحال، اللامركزية الموسعة تكون موسَّعة من حيث صلاحيات الوحدات الإدارية. وبالتالي لا توجد لامركزية دون لامركزية مالية كونها تتوجب أن تعطي الوحدات استقلالاً مالياً وإدارياً دون وصاية السلطة الإدارية المركزية. فيذهب قسم من الضرائب التي تتم جبايتها من منطقة لهذه المنطقة لإنمائها والقسم الآخر للسلطة المركزية في العاصمة، ما يؤمِّن في الوقت عينه عدالة مناطقية ضرائبية وفي نفس الوقت مبدأ التنمية الشاملة باعتبار أن هناك مناطق لا إيرادات مهمة فيها فتتم تنميتها من السلطة المركزية».
ويرى يمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه لإقرار اللامركزية الموسعة، «لا حاجة لتعديل الدستور، فذلك يمكن أن يحصل من خلال قانون عادي»، شارحاً الفرق بين اللامركزية والفيدرالية، متحدثاً عن «فارق كبير» من منطلق أن «الفيدرالية التي يسميها البعض اللامركزية السياسية تقوم على توزيع الصلاحيات الدستورية بين السلطات المحلية في الكانتونات والسلطة السياسية المركزية في العاصمة ضمن دولة اتحادية. في المقابل، فإن اللامركزية الإدارية تعني توزيع الصلاحيات الإدارية بين السلطة الإدارية والسياسية في العاصمة وبين الجهات الإدارية المعنية في الوحدات الإدارية دون تمتع هذه الوحدات بأي صلاحيات دستورية وسياسية لأن اختصاصها يكون محصوراً في الشؤون الإدارية والإنمائية».
من جهته، يقول الخبير الدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك، لـ«الشرق الأوسط» أن إقرار اللامركزية الموسّعة «يخفِّف أعباء كثيرة عن كاهل المواطنين ويسهّل أعمالهم ويحقق العدالة الاجتماعية وعلى صعيد الحقوق والواجبات على اعتبار أن الفرد يصبح واثقاً بأن الضرائب والرسوم التي يتكبدها تؤدي لإنماء المنطقة التي يعيش فيها، لا منطقة أخرى».