المصدر: الراي الكويتية
الاثنين 11 آب 2025 23:13:46
ليس أدلّ على مقولة «إذا أردتَ أن تعرف ماذا يَجري في بيروت عليك أن تعرف ماذا يحصل في بغداد» من «وحدة الحال» التي تَظَهَّرَتْ في الأيام الأخيرة على تخوم ملف «حصرية السلاح بيد الدولة» الذي يُرفع في البلدين وبوجه تنظيميْن، «المشترَك» بينهما أنهما وكيلان لإيران، الأول أي «الحشد الشعبي» في «حديقتها الخلفية»، والثاني أي «حزب الله» الذي يشكّل «خطّها الأمامي» على المتوسط دفاعاً عن مشروعها المترامي الساحات.
وعلى وَهْجِ تَعاطي طهران مع قرار حكومة الرئيس نواف سلام بسحْب سلاح «حزب الله» بحلول نهاية السنة على أنه «على الموجة» نفسها لإعطاء حكومة بغداد ورئيسها محمد شياع السوداني إشاراتٍ إلى استعدادٍ لترجمةِ خطابه بشأن حصْر السلاح بيد الدولة إلى إجراءات عملية والتصعيد غير المسبوق وتحديداً مع «كتائب حزب الله»، تأتي زيارة ممثل المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني لكل من العراق ثم لبنان لتؤكّدا الترابط الوثيق بين واقع عاصمتين فاخرتْ طهران قبل أعوام بأنهما من الأربع التي تسيطر عليها في العالم العربي، قبل أن تهتزّ الأرض تحت نفوذها الإقليمي بعد «طوفان الأقصى» وتَنتقل «المعركة» إلى «تحت نافذة» نظامها في حرب الأيام الـ 12 مع إسرائيل.
ولم يَعُد خافياً أن القطبةَ المَخْفيةَ وراء جعْل العراق ولبنان أول محطتين خارجيتين للاريجاني منذ تعيينه في منصبه، تتّصلان في الشكل بالأولوية التي توليها طهران لهاتين الساحتين بمواجهة محاولات «سحب البساط من تحت أقدامها» فيهما، في حين أن المضمون يحتمل تفسيريْن، يتشابكان، في ضوء شخصية رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي والأدوار التي تتقاطع معها.
فلاريجاني الذي يَصفه البعض بأنه «إصلاحيّ المحافظين الأصوليين، ومحافظ الأصوليين لدى الإصلاحيين»، والذي اعتُبر تعيينه في المجلس الأعلى، تعبيراً عن منحى إيرانيّ يريد تظهير مرونة تجاه الداخل والخارج على طريقة «ارتداء القِناع» لإقناع مَن يعنيهم الأمر بتخفيف الضغوط عن طهران في ضوء مساعي إحياء مسار النووي، يأتي الى لبنان في الوقت الذي يشهد ملف سلاح «حزب الله» تَوَهُّجاً داخلياً زادتْ منه تصريحات مسؤولين إيرانيين كبار حملت عنوان «نزع السلاح حلم لن يتحقّق»، وفق ما أعلن علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى، الأمر الذي أثار استياء رسمياً في بيروت حيث وصفت الخارجية اللبنانية هذه التصريحات بأنها «تشكل تدخلاً سافراً وغير مقبول في الشؤون الداخلية اللبنانية وسنردّ بما تقتضيه الأعراف».
وبهذا المعنى، وفيما يَمْضي «حزب الله» بمواقف تحت سقف «الموت ولا تسليم السلاح ولا إبرة منه»، تعتبر أوساط واسعة الاطلاع أن إيفاد لاريجاني إلى بيروت التي يُفترض أن يَصل إليها مساء غد أو الأربعاء للقاء مسؤولين كبار هو في سياق السعي إلى «سكب مياه باردة» ما أمكن على ملف السلاح واحتواء ملامح الأزمة الديبلوماسية مع لبنان، وذلك في ضوء ارتسام سباقٍ بين سرعتين:
- «السرعة» التي اعتمدتها بيروت في ما خص ترسانة «حزب الله» والمضبوطة على إيقاعيْ الضغوط الدولية لاستعجال حصر السلاح بيد الدولة قبل أن تأخذ إسرائيل «الأمر بيدها»، و«مصلحة لبنان أولاً».
- والسرعة الإيرانية التي تحبّذ إبطاء هذا المسار، و«مثيله» في العراق، لزوم «تمديد صلاحية» أوراقها الإقليمية وإمكان استثمارها «على الطاولة» مع واشنطن وبوصفها «صاحبة الإمْرة» على أذرعها رغم الوهَن الكبير الذي أصاب «حزب الله» عقب حرب الـ 65 يوماً مع إسرائيل والانكفاء التكتيكي لدور «الحشد الشعبي» في ما يشبه «الإنحناء أمام العاصفة».
لاريجاني
وعَكَسَ كلام لاريجاني قبيل توجهه إلى العراق اتجاهاً احتوائياً حيال لبنان إذا اعتبر أنّه «إحدى الدول المهمّة والمؤثرة في منطقة غرب آسيا، وإيران لها منذ القدم علاقات تاريخية وثقافية وسياسية عميقة مع هذا البلد». وأضاف: «علاقاتنا مع الحكومة والشعب اللبناني في مجالات مختلفة، تشمل السياسة والثقافة والاقتصاد، وهي متجذرة وواسعة، وفي هذه الزيارة أيضاً، سنعقد مشاورات مهمّة مع المسؤولين اللبنانيين والشخصيات المؤثرة».
كما اعتبر أنّ «الظروف السائدة في لبنان، خصوصاً في ظلّ التطورات الأخيرة والاشتباكات الخطيرة مع الكيان الصهيوني، حسّاسة وخاصة»، قائلاً «من هنا، فإنّ الحوار من أجل تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي يحظى بأهمية كبيرة».
وأكد لاريجاني أنّه خلال جولته في لبنان، سينقل رسائل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فـ«المواقف الإيرانية تجاه لبنان كانت دائماً واضحة تحت عنوان الحفاظ على الوحدة الوطنية اللبنانية في أي ظرف، والتأكيد على استقلال لبنان وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية». وختم «انّ الجمهورية الإسلامية كانت دائماً مستعدة لمساعدة الشعب اللبناني من أجل تجاوز الأزمات وإيجاد الاستقرار والتنمية المستدامة، وستظلّ كذلك».
وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أعلن «أن طهران تدعم حق لبنان في الدفاع عن نفسه أمام إسرائيل»، معتبراً أن ممارسة هذا الحق غير ممكنة دون التمتع بقدرات تسليحية وعسكرية.
وقال «(...) نؤمن بأن القرارات في هذه القضايا شأن داخلي لبناني، وعلى شعب هذا البلد، مع مختلف مكونات المجتمع اللبناني، تحديد مصالح وطنه من خلال الإجراءات القانونية والمعتمدة، والعمل على الأساس نفسه».
وأضاف: «ندرك الصعوبات في مجاراة كيان محتل وغير ملتزم بالقوانين الدولية والتجربة أثبتت أن تجهيز الدول بالمعدات العسكرية وتعزيز القدرة الدفاعية هو الحل الوحيد لمنع الاعتداءات الإسرائيلية».
استياء لبنان
وإذ أفيد في بيروت أن السفارة الإيرانية تقدمت بطلب رسمي إلى السلطات اللبنانية وتم تحديد مواعيد للقاء لاريجاني مع الرئيس جوزاف عون وسلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ذكرت تقارير أن رئيس الحكومة «سيكون حاسماً مع لاريجاني، وسيبلغه استياء لبنان مما يُعتبر تدخلاً في الشؤون اللبنانية».
ووفق هذه التقارير فإن المسؤول الإيراني لم يطلب أي موعد مع وزير الخارجية يوسف رجّي «الذي لم يكن ليستقبله ولو طلب موعداً»، وأن«رئيس الدبلوماسية اللبنانية أبدى استياءه من المواقف الإيرانية وكان يفضّل ألا تحصل الزيارة وألا يتم السماح للاريجاني بزيارة بيروت».
وعشية زيارة لاريجاني، رفع «حزب الله» سقف مواقفه، حيث أكد نائب رئيس المجلس السياسي محمود قماطي أن«الحكومة اللبنانية لن تستطيع أن تسحب سلاح المقاومة، فهذا أمر مستحيل دونه دماء في مواجهة العدو الخارجي»، معلناً أن«المقاومة ليست معزولة أو محاصرة، بل هي جزء من جبهة وطنية عريضة».
لا تسليم للسلاح
ورأى خلال لقاء وفد «حزب الله» مع الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب، أن«الحكومة باعت الوطن وأعطت الخارج شيكاً من دون رصيد، ولن تستطيع تحقيق ما تريد»، محذراً من أن «الشعب اللبناني كله سيتصدّى للحكومة إن حاولت تنفيذ قرارها»، وداعياً الحكومة «رغم سقوطها»، إلى «تصحيح المسار والابتعاد عن القرارات التي تضرّ لبنان».
وفي الإطار، اعتبر نائب «حزب الله» إيهاب حمادة أن «ما فعلته الحكومة هو ضرب للميثاقية». وأضاف أن «الشعب سيسقطها ولن تكمل حتى الانتخابات المقبلة».
وجدد تأكيد أن الحزب لن يسلم سلاحه، قائلاً «المقاومة لن تسلّم إبرة من سلاحها وهذا المشروع سيفشل».
جعجع والجميل
في المقابل برز موقفان من مناهضي «حزب الله» اعتراضاً على مواقفه كما تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وصولاً لاعتبار النائب زياد حواط أن زيارة لاريجاني هي في إطار «مهمة تحريضية».
- الأول لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي طالب الحكومة بـ«أن تفكّر جدياً بدعوة مجلس الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي إلى عقد جلسات طارئة لطرح مسألة التهديد الإيراني للبنان، وكذلك التقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن مفادها بأن إيران تهدّد لبنان وتتوعّده، وصولاً إلى التهديد بالتدخّل العسكري المباشر».
وقال جعجع في بيان «دأب مسؤولون إيرانيون، من مختلف المستويات، خلال الأسبوع الماضي، على التطرّق إلى قرارات الحكومة اللبنانية ومهاجمتها، والأسوأ من ذلك كلّه (...) الجزم بأن قرار الحكومة بنزع السلاح لن يمر، فهذا ينمّ عن تحريض من جهة، وتهديد بتدخّل عسكري ضدّ الحكومة اللبنانية من جهة أخرى، من أجل منعها من تنفيذ قراراتها».
واعتبر أن «حزب الله» بقوله إن «قرارَي مجلس الوزراء في 5 و7 أغسطس والمتعلّقين بحصر السلاح كلّه بيد الجيش اللبناني، وكأنهما لم يكونا ينفّذوا انقلاباً واضح المعالم».
- والثاني لرئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل الذي قال بعد زيارته سلام «نرفض كل التصريحات الإيرانية (...) وعلى إيران أن تحترم قرار لبنان وسيادته ومصلحته. وأعتقد أن لبنان دفع بما فيه كفاية عن سياسة إيران وثمن كل تدخلاتها بالشؤون اللبنانية عبر تمويل وتسليح حزب الله وجر الحزب إلى معارك دفع ثمنها ليس فقط الحزب بل كل اللبنانيين».
مجلس الوزراء
في موازاة ذلك، يعقد مجلس الوزراء الأربعاء جلسةً سيحضرها وزراء الثنائي الشيعي، الذي كان انسحب من جلسة إقرار الأهداف الـ 11 الواردة في مقدمة مقترح الموفد الأميركي توماس براك حول نزْع السلاح، والذي يَربط«الموقف النهائي»من بقائه في الحكومة، بما سيقدّمه الجيش اللبناني في إطار ترجمة قرارها بتكليفه وضع خطة تطبيقية لسحب السلاح بحلول 31 الجاري، وهل ستعطي الحكومة أمراً بالتنفيذ«ولو بالقوة»، وسط معلومات عن «استراحة» (عطلة) ستأخذها السلطة التنفيذية حتى نهاية الشهر وستكون بمثابة فسحة لمزيد من الاتصالات لمحاولة تهدئة المناخات المشحونة التي تُترجم منذ الثلاثاء الماضي تحركات في الشارع من مناصرين لحزب الله.
عون
ولم يكن عابراً ما نقله النائب فراس حمدان عن عون لجهة تأكيده«على موقفه الثابت بالمضي قدماً في تنفيذ القرار التاريخي لجهة تحقيق حصرية السلاح بيد الدولة، وإطلاق مساره العملاني عبر الجيش اللبناني، تنفيذاً لتعهدات خطاب القسم والبيان الوزاري».
وقبْلها أكد عون أمام زواره «ان الإصلاحات انطلقت ولا رجوع عنها رغم الصعوبات والحواجز التي تواجهنا، لكننا لن نستسلم (...)»، مضيفاً «تعرضنا وسنتعرض لضغوط وانتقادات لكن امام المصلحة العليا كل شيء يهون لان مصلحة البلاد هي فوق كل اعتبار».