حكومة فلسطينية جامعة وتحولات سوريّة وإعادة تموضع إيراني

تتعدد مسارات البحث عن تسوية في المنطقة، إنطلاقاً من السعي أولاً لاتفاق الهدنة الإنسانية في قطاع غزة. بعض المصادر الديبلوماسية تشير إلى اقتراب تحقيق اتفاق الهدنة، والذي سيكون على ثلاث مراحل. الأولى، تمتد لخمسة وأربعين يوماً يتم خلالها إطلاق سراح الدفعة الأولى من الرهائن الإسرائيليين، النساء والمسنين منهم، في قطاع غزة، مقابل أسرى فلسطينيين. أما المرحلة الثانية فيبدأ التفاوض عليها خلال الهدنة للوصول إلى اتفاق أوسع، يشمل إطلاق سراح مجندات وجنود الاحتياط مقابل إطلاق سراح دفعة أخرى من الأسرى الفلسطينيين، تمهيداً للمرحلة الثالثة والتي تنص على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار، بالتزامن مع مفاوضات سياسية جدية حول انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع والبحث في حل سياسي، لا بد أن ينجم عنه إعادة تشكيل حكومة فلسطينية جامعة. وهو ما سيكون له تأثير مباشر على وضع الحكومة الإسرائيلية أيضاً.

تحولات في سوريا
على وقع هذا البحث، يستمر خلط الأوراق في المنطقة. وهو ما يبدو واضحاً وظاهراً في سوريا، إنطلاقاً من التحولات التي يجريها النظام السوري، بدءاً من تغييراته الأمنية وصولاً إلى المعطيات التي تتحدث عن تورط بعض ضباطه في تسريب أخبار ومعلومات عن الضباط الإيرانيين، بالإضافة إلى تسليف العرب مواقف وإبداء الاستعداد للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين.
ومع هذه التحولات، يبرز تحركان عربيان باتجاه دمشق، من خلال إرسال السعودية والإمارات وفود ديبلوماسية إلى دمشق وتفعيل عمل السفارات. ويأتي ذلك بعد زيارات متعددة لبريت ماكغورك، مستشار البيت الابيض لشؤون الشرق الأوسط، والذي بحث مع الدول العربية في مسارات تتصل بالوضع السوري، وما يسمى تقويض النفوذ الإيراني مقابل انفتاح العرب ومقابل تقديم تنازلات من النظام، بدأت من عدم الانخراط في فتح الجبهة ضد إسرائيل.

المفارقة أنه بالتزامن مع العودة الديبلوماسية العربية إلى دمشق، وفي ظل استمرار المساعي للتقارب السعودي الإيراني، جاء خبر انسحاب كبار الضباط في الحرس الثوري الإيراني من سوريا. وهو ما يفتح مجالات كثيرة للنقاش حول العودة إلى منطق ارساء التوزان في المنطقة بين الخليجيين من جهة وإيران من جهة أخرى. وهو ما يفترض أن يظهر في سوريا ولبنان وفلسطين.

التموضع الإيراني
عملياً، يأتي خبر انسحاب ضباط الحرس من سوريا في ظل التهديدات الأميركية بتوجيه ضربة، رداً على استهداف قاعدة البرج 22 في الأردن، ما أدى إلى سقوط 3 قتلى أميركيين. والقرار الاميركي الذي تم الاعلان عنه مسبقاً بتوجيه ضربات للقوى الإيرانية في سوريا والعراق، هو عبارة عن إفساح بالمجال أمام طهران لإعادة التموضع وإخراج ضباطها وإفراغ مخازنها. ما يعني أن الرد الأميركي سيكون مرتبطاً بسياق تكتيكي لا استراتيجي، ولن يؤدي إلى تغيير موازين القوى في سوريا أو المنطقة.
وتأتي "شائعة" الإنكفاء الإيراني بعد تلقي طهران وضباط كبار في الحرس الثوري ضربات متعددة على الأراضي السورية. وهذا ما يسهم في جعل سوريا عبئاً كبيراً على الجميع، بما فيهم طهران. 
فحتى الآن حجم التكاليف التي تتكبدها إيران في سوريا أعلى بكثير من المردود. ولذلك هي تسعى إلى تثبيت نفوذها بناء على علاقة وتفاهم مع الأميركيين. فتسعى طهران للتفاهم مع واشنطن حول نفوذها وسعيها لتثبيت وجودها على البحر الأبيض المتوسط لتحقيق المردود. من هنا تقدم إيران إشارات لتجنب التصعيد مع واشنطن، وبحثاً عن نقاط مشتركة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط.
يأتي ذلك بعد تصعيد حلفاء طهران، التي تطرح التسوية الكبرى. وبحال لم تتحقق هذه التسوية فإن سوريا كما العراق ولبنان ستبقى ساحات استنزاف لها.

جزء من سحب إيران لضباطها من سوريا، هو لتفادي الإحراج، كي لا تتعرض للمزيد من الضربات التي لن تكون قادرة على الردّ عليها بالمستوى نفسه. وعليه، لا بد من وضع هذا الإعلان أو التسريب عن الانسحاب في خانة مرحلية، لتفادي أي تصعيد. خصوصاً أن طهران لن تكون مستعدة للتنازل عن الساحة السورية بعد كل ما بذلته وقامت به ودفعته. هنا تقول مصادر قريبة من إيران إن الإجراء عادي وطبيعي في ظل التهديدات الأميركية، وبالتالي تلجأ طهران إلى اجراء عملية إعادة تموضع لكبار الضباط تجنباً للاغتيالات. وهذا لا يعني انسحاباً من سوريا.