حكيم: الموازنة يجب أن تكون أداة لخلق فرص العمل ودعم القطاعات الإنتاجية وجذب الاستثمارات

أوضح عضو المكتب السياسي الكتائبي الوزير السابق البروفيسور آلان حكيم  أن الموازنة التي اعتمدتها الحكومة ليست موازنة دولة تسعى فعليًا إلى الخروج من الأزمة، بل مجرد تمرين محاسبي خالٍ من أي رؤية اقتصادية أو اجتماعية. إن لبنان لا يحتاج إلى أرقام مرصوفة لسد عجز سنة واحدة، بل يحتاج إلى خطة إنقاذ شاملة، إلى استراتيجية اقتصادية متماسكة وطموحة.

وفي حيديث لــ "Ici Éco" اعتبر حكيم أنّ الموازنة يجب أن تكون أداة لخلق فرص العمل، لدعم القطاعات الإنتاجية، لجذب الاستثمارات، لاستعادة الثقة بالنظام المالي والمصرفي، وللحد من الهدر والفساد. ما لم تكن هذه الأهداف في صلب السياسة المالية، سنبقى ندور في حلقة مفرغة.

وأكّد أنّ غياب الشفافية في الأرقام، واستمرار تعدد أسعار الصرف، ومواصلة نهج الإنفاق من دون أي إعادة هيكلة حقيقية، كلها أدلة على أن هذه الموازنة ليست سوى امتداد للنظام الذي قاد البلاد إلى الانهيار. ينبغي إعادة تأسيس السياسة المالية على أساس الأولويات الوطنية، لا على التوازنات السياسية أو التسويات الفئوية.

 الضريبة بنسبة 3% في الموازنة

في ما يتعلق بضريبة الـ 3% الواردة في المواد 30 أو 31 من الموازنة، اعتبر حكيم أنها تدبير مرتجل، غير فعّال، وغير عادل. أي سياسة ضريبية يجب أن تكون جزءًا من إصلاح شامل يهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وإرساء عدالة ضريبية حقيقية، لا أن يفرض أعباء إضافية على الطبقات الوسطى والشعبية.

وقال: "لبنان يحتاج إلى نظام ضريبي يحفّز النمو، لا أن يخنقه. يجب تركيز الجهود على مكافحة التهرّب الضريبي والجمركي، على تحسين جباية الإيرادات العامة، وعلى استرجاع حقوق الدولة من كبار المتهرّبين، بدلًا من فرض ضرائب عشوائية تضعف الاستهلاك وتعمّق الركود."

وأضاف: "إلى جانب ذلك، فإن هذا النوع من الضرائب يوجّه إشارة سلبية للمستثمرين والمواطنين: إذ يُظهر أن الدولة مستمرة بالنهج نفسه الذي قاد إلى الأزمة، في حين أن الموازنة يجب أن تكون مناسبة لإعادة بناء الثقة."


العجز المالي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي

في ما يخص الفجوة المالية، اعتقد حكيم أن الخطوة الأولى لأي حل تكمن في الاعتراف بحجم الخسائر الحقيقية والتعامل معها بشفافية وواقعية. لا يمكن لأي خطة إنعاش أن تنجح إذا لم نعترف بحقيقة الأرقام، وإذا لم نضع توزيعًا عادلًا للخسائر بين الدولة والمصارف والمودعين، مع حماية كاملة لصغار المودعين.

أما بالنسبة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، قال: "المشكلة ليست في الصندوق نفسه، بل في غياب الإرادة السياسية في لبنان. السلطات لا تزال تتهرّب من الإصلاحات الضرورية وتؤجل القرارات الصعبة. إن أي مفاوضات جدّية تتطلب خطة إصلاحات واضحة، إعادة هيكلة شاملة، توحيد سعر الصرف، استقلالية القضاء، وتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة."

وعبّر عم إيمانه بأن التعاون مع صندوق النقد فرصة، لا تهديد، شرط أن نعرف كيف نحسن استخدامه. لكنه لن يؤدي إلى أي نتيجة ما دامت الدولة أسيرة المصالح الحزبية والفئوية.

 إعادة الهيكلة

ولفت الى أنّ إعادة الهيكلة ليست تفصيلًا تقنيًا، بل شرط أساسي للإنقاذ. علينا أن ننخرط في عملية إعادة هيكلة عميقة للقطاع المصرفي لضمان حقوق المودعين، وللقطاع العام من أجل ترشيد الإنفاق ووقف الهدر، وللمؤسسات العامة لجعلها فعّالة ومنتجة.

وأضاف: "هذه الخطوة يجب أن تترافق مع إصلاحات تشريعية وهيكلية قادرة على استعادة الثقة الداخلية والخارجية وجذب الاستثمارات. من دون إعادة هيكلة، ستبقى الموازنة حبرًا على ورق وستظل الأزمة المالية بلا حل."

الموقف السياسي – نزع السلاح، الإصلاحات والنمو

وأوضح حكيم الى انّه لا يمكن لأي إصلاح اقتصادي، أو موازنة، أو استراتيجية نمو أن ينجح ما لم تُستعد سيادة الدولة بالكامل وما دامت هناك أسلحة خارج الشرعية. أنا مقتنع بأن احتكار الدولة للقوة هو الشرط الأول لأي إنقاذ، لأن غياب السيادة يدمّر الثقة، ويمنع الإصلاحات، ويثني المستثمرين، ويُبقي لبنان رهينة صراعات ليست صراعاته.

وشدّد على أنّ الإصلاح السياسي لا ينفصل عن الإصلاح الاقتصادي، مشيرًا الى أنّ  تطبيق الدستور، واتفاق الطائف، والقرارات الدولية أمر أساسي لبناء دولة قوية قادرة على فرض القانون وحماية مؤسساتها. لا يمكننا الحديث عن نمو ما دامت القرارات السياسية منقسمة، ولا عن إنقاذ ما دامت الاقتصاديات مشلولة بفعل أطراف خارج الدولة.

وقال: "أنا أؤمن بشدة بأن الإصلاحات الهيكلية والنمو الاقتصادي يمران عبر بناء دولة سيّدة، عادلة وحديثة. إن نزع سلاح الميليشيات، استقلالية القضاء، مكافحة الفساد، تحديث القوانين، وتحفيز القطاعات الإنتاجية هي ركائز لا غنى عنها لأي مشروع خلاص وطني."

وتابع: "برأيي، الخروج من الأزمة يتطلب تغييرًا جذريًا في المسار: موازنة قائمة على رؤية اقتصادية وطنية، إعادة هيكلة شاملة، تفاوض جدّي وشفاف مع صندوق النقد الدولي، واستعادة سيادة الدولة. من دون هذه الشروط، لن يكون هناك لا إنقاذ، ولا ثقة، ولا نمو مستدام."