المصدر: المدن
الكاتب: جنى شقير
الأحد 24 تشرين الثاني 2024 20:05:41
تمثل معاناة محمد، معاناة لبنانيين كثر خسروا أرزاقهم. إذ تقدّر أضرار المؤسسات الصناعية والتجارية والسياحية بـ510 ملايين دولار، منذ 17 أيلول الماضي، وهو تاريخ توسع الحرب الاسرائيلية على لبنان، حتى تاريخ 15 تشرين الثاني الحالي. لكن هذه القطاعات، واحدة من عشرات القطاعات التي تضرّرت بفعل الحرب، ورفعت كلفة الخسائر المباشرة وغير المباشرة إلى أكثر من 11 مليار دولار، يتصدّرها قطاع السكن.
تقديرات الخسائر
وتكشف "الدولية للمعلومات" المتخصصة بالاحصاءات والدراسات، أن أضرار الحرب القائمة على لبنان، هي ضعفا أضرار "حرب تموز" 2006.
فأضرار حرب الثلاثة وثلاثين يوماً وصلت قيمتها إلى 5 مليار و300 مليون دولار. أما أضرار العدوان الحالي فتنقسم الى مرحلتين: من 8 تشرين الأول 2023 حتى 16 أيلول 2024، وهذه الأضرار لم تتجاوز قيمتها 3 مليار و860 مليون دولار.
أما المرحلة الثانية، من 17 أيلول 2024 حتى 15 من الشهر الحالي، فتقدّر قيمة الأضرار في هذه المرحلة بـ4 مليار و950 مليون دولار. لتقدّر قيمة الأضرار في المرحلتين بـ9 مليار دولار، يضاف إليها أضرار البنى التحتية وغيرها من الأضرار، ليصل مجموع الأضرار المباشرة وغير المباشرة إلى 11 مليار و200 مليون دولار.
في الواقع، تتساوى خسائر 62 يوماً بأضرار أحد عشر شهراً، حسبما يؤكد الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين لـ"المدن"، مفسراً أسباب ارتفاع تلك الأضرار بوتيرة سريعة وبفترة زمنية أقصر: "في المرحلة الأولى، بلغ عدد الوحدات السكنية المدمرة 4 آلاف وحدة، بينما قفز في المرحلة الثانية إلى 46 ألف وحدة سكنية مدمرة"، مما يعني أنه تم تدمير 42 ألف وحدة سكنية في غضون شهرين. ويشير شمس الدين إلى أن أضرار الوحدات السكنية تقسم إلى 30 ألف وحدة سكنية غير صالحة للسكن و45 ألف وحدة سكنية متضررة بأضرار طفيفة.
أضرار القطاع السكني
أما عن كيفية حساب كلفة أضرار الوحدات السكنية، فقد اعتمدت "الدولية للمعلومات" في المرحلة الأولى على أرقام البلديات لإحصاء الأضرار في كل منطقة، واعتمدت في المرحلة الثانية على ما يتم تداوله على وسائل الإعلام من أرقام المباني المدمرة، "فالإحصاءات ليست بدقيقة وإنما هي أقرب إلى الواقع والدمار الحالي"، حسب شمس الدين.
وفيما يخص الوحدات السكنية، تم الاعتبار أن تكلفة الوحدة السكنية المدمرة بشكل كامل بمتوسط مساحة 200 متر، وتكلفة تشييد المتر المربع الواحد 300 دولار، وهي أدنى تكلفة متوقعة للبناء. ما يعني أن كلفة المنزل المدمر 60 ألف دولار، وتقدّر كلفة تجهيز المنزل وفرشه بـ15 ألف دولار.
ويقول شمس الدين إن "البعض ينتقد هذه الأرقام" باعتبار أنها لا تكفي حتى لحساب كلفة تجهيز الوحدات السكنية، مضيفاً: "الدولية للمعلومات لم تتطرق لتفاصيل أسعار القصور والفلل في الجنوب، بل اهتمت بحساب الأضرار التي طالت الوحدات السكنية المتواجدة في المناطق أجمع (بيروت، الضاحية الجنوبية، الجنوب والبقاع)".
كما أن أضرار الوحدات السكنية يقدر عددها بـ220 ألف وحدة سكنية، بين أضرار كلية وجزئية، وتصل تكلفتها لحدود 4 مليار و950 مليون دولار، حسب شمس الدين.
الأراضي الزراعية والبنى التحتية
يقوم العدو الإسرائيلي بإبادة بيئية للأراضي اللبنانية، خصوصاً أراضي الجنوب، مستخدماً القنابل الفوسفورية الحارقة لمساحات واسعة من الأحراج، لاسيما حقول الزيتون والحمضيات؛ لتصبح المنطقة مكشوفة أمام مواقعه العسكرية وطائراته الحربية. وقد عملت وزارة البيئة على توثيق هذه الاعتداءات عن طريق المجلس الوطني للبحوث العلمية، وتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة من خلال وزارة الخارجية اللبنانية.
وحسب شمس الدين، فقد وصلت هذه الأضرار إلى حدود 900 مليون دولار، والمساحة المحروقة في الجنوب هي 2000 هكتار، منها 120 هكتاراً مساحة حقول الزيتون المحروقة.
وتوضح أرقام شمس الدين، أن أضرار البنى التحتية في العدوان الحالي هي أقل من "حرب تموز"، فمسار الحرب هذه المرّة مختلف وأهداف العدو متجهة نحو تدمير المنشآت أكثر من غيرها، إذ أن كلفة أضرار البنى التحتية للعدوان الحالي لا تزيد عن 580 مليون دولار، بينما في 2006 بلغت كلفة الأضرار 900 مليون دولار.
الخسائر البشرية
والحديث عن الخسائر الهائلة التي تسببها الحرب الإسرائيلية على لبنان، لا يقتصر على الأضرار المادية فحسب، بل يمتد ليشمل معاناة بشرية هائلة وآثاراً اقتصادية واجتماعية عميقة. إذ تتجه حصيلة الخسائر البشرية تصاعدياً مع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان. فقد أبيدت أكثر من 32 عائلة لبنانية جرّاء الحرب. ووفقاً لتقرير وزارة الصحة اللبنانية، وصل عدد الشهداء إلى 3.645 شهيداً بينما بلغ عدد الجرحى 15.355 جريحاً (حتى إعداد هذا التقرير). ويقدّر شمس الدين أن الأعداد الحقيقية قد تكون أكبر، خصوصاً مع وجود شهداء من مقاتلي "حزب الله" لم يتم الإعلان عنهم وغيرهم من الشهداء المدنيين لا يزالون تحت الرُكام.
وأشار شمس الدين إلى كارثة بشرية ومتلازمة خلفتها الحرب. إذ أن "أكثر من 3000 جريح أصبحوا لديهم إعاقات دائمة، أبرزها في العيون، والأيدي والأرجل".
النزوح داخل لبنان وخارجه
هذه الحرب، اقتلعت الكثيرين من جذورهم حتى أصبحوا "نازحين". وبدأت معاناة النزوح منذ 13 تشرين الأول 2024 حين ازداد القصف الإسرائيلي على قرى الجنوب، ونزح آلاف الجنوبيين إلى مناطق أكثر أماناً.
وبحسب شمس الدين، تتراوح أعداد النازحين داخل لبنان بين 890 و900 ألف نازح. وتقدّر أعداد المقيمين في مراكز إيواء بـ190 ألف شخص، و700 ألف شخص نزحوا إلى بيوت سكنية أخرى.
أما النازحون خارج لبنان، فهم 210 ألف نازح نزحوا إلى سوريا، وبين 28 إلى 38 ألف شخص حلّوا ضيوفاً في العراق، و150 ألف نازح توجهوا إلى دول أخرى.
التداعيات الاقتصادية وإعادة الإعمار
وحذرت الأمم المتحدة، الشهر الماضي، من تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان إثر الحرب، وتوقعت انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.2 في المئة العام 2024 في حال استمرار الحرب. فالاقتصاد اللبناني حالياً يقدّر حجمه بـ22 مليار دولار، أي أن الاقتصاد اليومي 60 مليون دولار.
ويوضح شمس الدين أنه في المرحلة الأولى من الحرب، تراجع الاقتصاد بنسبة 10 في المئة، أما في المرحلة الثانية من الحرب، فتراجع الاقتصاد بنسبة 50 في المئة. ويضيف: بعملية حسابية بسيطة، إذا كان الاقتصاد اليومي 60 مليون دولار يعني أن خسارتنا اليومية هي 30 مليون دولار، وعلى مدى 60 يوماً يتبين أن قيمة الخسائر مليار و800 مليون دولار. وعليه فإنه منذ 8 تشرين الأول لغاية الآن بلغ إجمالي الخسائر 3 مليار و860 مليون دولار نتيجة انكماش الاقتصاد.
4 سنوات لإعادة الاعمار
وفيما يخص إعادة الإعمار، يقول شمس الدين: "نحتاج إلى 4 سنوات لبناء كافة الأبنية المهدمة، إذا توفر التمويل"، مشيراً إلى أهمية إقرار قانون إنشاء هيئة وطنية لإعمار القرى والمناطق المتضررة، على غرار"مصلحة التعمير" التي أنشئت في العام 1956 غداة كارثتي فيضان نهر أبو علي، والزلزال الذي ضرب قرى الشوف والجنوب.