خطة أمنية لنقل السجناء من الجنوب والضاحية: اكتظاظ إضافي

مع توسع رقعة الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، وما أفرزه ذلك من خطرٍ محدق بالضاحية الجنوبية لبيروت، محولًا إياها إلى منطقةٍ غير آمنة، لا للسكّان ولا حتّى للموقوفين في مخافرها ونظاراتها، وخصوصًا بُعيد الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمنطقة حارة حريك.. دفع كل هذا الأجهزة الأمنية إلى وضع وتنفيذ "خطةٍ أمنيةٍ طارئة" لإخلاء جميع المساجين من مراكز الاحتجاز في الضاحية الجنوبية، ونقلهم إلى مراكزٍ آمنة نسبيًّا ومُحيدة عن الضربات الإسرائيليّة المتوقعة.

مرحلة الترقب والتخطيط
وفي حين تسيطر حالة من الترقب بين أهالي الضاحية الجنوبيّة بانتظار الردّ الإيراني على استهداف طهران، وانتظار ردّ حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية، وسط تخوف كبير من أن يصبح ردّ إسرائيل على الردّين هو استهداف الضاحية الجنوبية مرةً أخرى، حمَل هذا الوضع الأجهزة الأمنية إلى وضع "خطة أمنية طارئة" وتمّ تنفيذها خلال الأيام القليلة الماضية، والتي قضت بنقل جميع الموقوفين المتواجدين داخل فصائل الضاحية الجنوبية كالمريجة، حارة حريك، الأوزاعي، بئر حسن، برج البراجنة.. ونقلهم إلى سجن رومية في قضاء المتن، خصوصًا في ظل تفشي حركة نزوح سكان المنطقة نحو مناطق أكثر أمانًا.

وحسب مصادر أمنية لـ"المدن"، وبعد اغتيال القيادي في حزب الله، فؤاد شكر، وضعت قوى الأمن الداخلي خطة لإخراج جميع المساجين من الضاحية الجنوبيّة ونقلهم إلى سجن رومية في المتن أو سجن القبة في الشمال، وذلك خوفًا من توسع رقعة الحرب ومن استهداف الضاحية الجنوبية مرةً أخرى. وأكدت المصادر أن الخطة نُفّذت منذ أيام، ونُقل حوالى مئة موقوف إلى سجن رومية، وباتت مراكز فصائل الضاحية الجنوبيّة خالية من السجناء.

كذلك في جنوب لبنان، ومع تطور الأحداث العسكرية، أخلت الأجهزة الأمنية جميع الموقوفين من كل المخافر والمراكز في جنوب لبنان. وحسب المصادر الأمنية لـ"المدن"، نُقل أيضًا حوالى 120 سجينًا إلى رومية وسجن القبة في شمال لبنان.

أزمة الاكتظاظ
لكن بمقابل هذه الخطة، استفحلت أزمة الاكتظاظ في السّجون. هذه الأزمة الّتي أساسًا جعلت من مراكز الاحتجاز في لبنان، أماكن موبؤة وغير صالحة للعيش البشريّ، ولا تؤدي دورها المتمثل بالإصلاح الاجتماعيّ والعدالة القضائيّة. وحسب مصادر "المدن" المتابعة لأوضاع السجون، فإن أزمة الاكتظاظ بنسبة إشغال تتجاوز الحدود المعقولة، وأدّت إلى أزمةٍ صحيّة غير مسبوقة، من أمراض جرثومية كالكوليرا والتيفوئيد والتهابات جلديّة منتشرة، ولم تتحسن الظروف الصحيّة المتعلقة بالطعام والمياه الملوثة، هذا وناهيك عن انقطاع الكهرباء الدائم. يُقابل ذلك امتناع المستشفيات الحكوميّة والخاصة عن استقبال المرضى من النزلاء، وتقصير مصلحة الصحة في قوى الأمن الداخلي عن واجباتها في هذا الشّأن، فيما بات عبء الطبابة مرمياً على كاهل العائلات، لدفع تكاليف الطبابة لأقربائها في المستشفيات.  وهذا الوضع استفحل مع "نزوح" سجناء وموقوفين جدد إلى هذه المراكز.

وفي هذا السياق، توضح رائدة الصلح، نائبة رئيسة لجنة أهالي الموقوفين، في حديث خاص لـ"المدن"، أن "الحالة النفسية للمساجين باتت صعبة جدًا. ومع تحويل المساجين المتواجدين في الضاحية الجنوبية إلى سجن رومية المركزي، تولّد ضغط نفسي كبير على المساجين، من دون مراعاة القدرة الاستيعابية لمباني سجن رومية، في ظل عدم توفر مقومات العيش الأساسية. لافتةً إلى أن تداعيات هذه الخطة ستكون خطيرة خلال الفترة المقبلة، وتحتاج إلى دراسة واهتمام من كافة الجوانب، خصوصًا أن المساجين يعانون من صعوبة في الحصول على الطبابة اللازمة والوصول إلى أدويتهم الشهرية، كما أن هذا الأمر من شأنه إحداث الفوضى داخل السجون نتيجة الضغوط النفسية التي يعانون منها".   

وإذا كانت الخطة الّتي أعدتها قوى الأمن الداخليّ، مبادرة جيّدة في ظلّ الأوضاع الأمنيّة المتردية، إلا أنها حملت في طياتها نوعًا من الحلول الترقيعية، الّتي من شأنها مفاقمة الأزمة المستفحلة أساسًا في السجون. فيما تقع الجدوى اليوم في وضع خطط موازيّة وأطر سليمة، للتعاطي مع الخطر المحدق.