المصدر: النهار
الكاتب: رياض قهوجي
الاثنين 25 آب 2025 07:34:03
يتفاعل موضوع قرار الحكومة اللبنانية الأخير بحصر السلاح بيد القوى الشرعية، خاصة بعد رفض "حزب الله" للقرار وإصراره على الاحتفاظ بسلاحه مستخدماً ذرائع عدة، أهمها حماية الشيعة في لبنان. وقد جند الحزب رجال الدين المقربين منه لتصوير الأمر وكأن ما يجري حملة ضد شيعة لبنان، وأن الطائفة متمسكة بهذا السلاح حتى ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية. كما أطلق مسيرات دراجة لمناصريه الذين هتفوا شعارات تهدف إلى شد العصب الطائفي.
وكان لافتاً تمايز رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس "حركة أمل" نبيه بري عن موقف "حزب الله"، إذ رفض النزول إلى الشارع ورفض التهديد بالحرب الأهلية، وشدد على أهمية دور الدولة في هذه المرحلة. لكن بري انتقد توقيت الحكومة بإعلان البدء بعملية سحب السلاح ودعوة الجيش اللبناني لوضع جدول زمني لذلك.
وتساءل العديد من المراقبين والمسؤولين العرب والأجانب عن حقيقة موقف بري. فهل هو مؤيد لسحب السلاح فعلاً؟ وكيف سيتصرف إذا صعّد "حزب الله" من موقفه الرافض لتسليم السلاح؟
تاريخ العلاقة بين ما يعرف بالثنائي الشيعي شهد مراحل عدة منذ ولادة "حزب الله" عام 1982، إذ خاض الطرفان بين عامي 1985 و1990 مواجهات دموية عدة عّرفت حينها بحرب الإخوة.
"حركة أمل" التي أسسها السيد موسى الصدر عام 1974 هي حركة وطنية لبنانية تحمل في ميثاقها أهدافاً عدة، مثل الإصلاح السياسي والمساواة وإلغاء الطائفية. أما "حزب الله" فهو نتاج تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية ويتبع عقيدة الولي الفقيه، وقد موّلته وسلّحته إيران لخدمة أهداف طهران الإقليمية.
بعد انتهاء الحرب الأهلية، وضع النظام السوري آلية لتقاسم النفوذ بين الطرفين، فباتت "أمل" القوة السياسية لشيعة لبنان، وترأس زعيمها البرلمان اللبناني من عام 1992 وحتى اليوم، فيما استُثني "حزب الله" من قرار سحب سلاح الميليشيات عملاً باتفاق الطائف، وبات القوة المسلحة للشيعة التي احتكرت عمل المقاومة ضد إسرائيل بغطاء الحكومات اللبنانية المتعاقبة. وبعد انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، فقد الحزب غطاءه السياسي، وقررت قيادته دخول معترك السياسة اللبنانية بقوة لتشارك "أمل" القرار السياسي.
بعد حرب تموز 2006، عمل "حزب الله" بشكل وثيق مع "حركة أمل" للحفاظ على المكتسبات السياسية التي حصلا عليها خلال الوجود السوري. وبعد محاولة الحكومة اللبنانية المس بالبنية العسكرية للحزب، قادا معاً تحركات الشارع والاعتصامات وصولاً إلى احتلال بيروت عسكرياً في 8 أيار 2008، ما أدى إلى اتفاق الدوحة الذي كرّس معادلة "جيش وشعب ومقاومة".
نما نفوذ "حزب الله" داخل الطائفة على حساب "حركة أمل"، وانعكس ذلك بعدد مقاعدهم في البرلمان والحكومة وبالتعيينات الطائفية في الدولة، إذ باتت المناصفة سائدة بينهما. ورغم المنافسة على زعامة الشيعة، عملا على المحافظة على وحدة الطائفة ومشاركة الهيمنة على قرارها.
لكن المتغيرات الجيوسياسية منذ تشرين الأول 2023، وأهمها هزيمة الحزب بالحرب الأخيرة وسقوط النظام السوري، فرضت معادلات جديدة تهدد وحدة الصف الشيعي وهيمنة الثنائي على زعامة الطائفة والقرار السياسي في لبنان. بينما يريد "حزب الله" الاحتفاظ بالسلاح لارتباط أهدافه بمصالح إيران، تحاول "حركة أمل" تأخير تسليمه لحين انسحاب القوات الإسرائيلية وضمان احتفاظ الطائفة بمكتسباتها السياسية واستمرارية قيادة الحركة للطائفة.
وبحسب مسؤول لبناني مخضرم، فإن بري زعيم قديم ومتمرس، معتاد على وضع مصالح الطائفة ووحدتها أولاً، ولن يكون سهلاً استمالته بمغريات اقتصادية. وهو يخشى أن تؤدي الضغوط على "حزب الله" إلى تصادم مع الدولة في وقت لم تنه إسرائيل حربها ضد لبنان. يسعى بري لتحرير الطائفة من النفوذ الإيراني دون تهديد علاقته بالحزب، إذ إن تآكل نفوذ إيران سيضعف الحزب تلقائياً، ما يمكّنه من استعادة مكانته كزعيم سياسي أوحد لشيعة لبنان.
وبناءً عليه، يواجه بري مهمة صعبة في إبقاء الطائفة موحدة وبمكتسباتها السياسية واستعادة زعامته دون شريك. وفي خضم كل ذلك يبرز موضوع أكثر إلحاحاً: سلامة الطائفة في ضوء استمرار التهديدات الإسرائيلية وإمكانية عودة الحرب في الجنوب والبقاع إذا رفض الحزب تسليم سلاحه. الحرب الأخيرة أظهرت أن سلاح الحزب لا يحمي المناطق الشيعية، بل قد يهدد سلامة لبنان، خصوصاً مناطق الشيعة. لذلك قد يجد بري نفسه مضطراً للاختيار الصعب بين وحدة الطائفة أو سلامتها من حرب مدمرة.