"ديوان المحاسبة" لوزير الإتصالات: كفى هدراً للوقت

«كفى إضاعة للوقت، وللذهاب فوراً لإطلاق دفتر شروط جديد لتلزيم قطاع البريد». هذه هي خلاصة إجابة ديوان المحاسبة على موضوع كتاب وجهه إليه وزير الإتصالات جوني القرم بتاريخ 4 كانون الثاني من العام الجاري، ويطلب فيه رأي الديوان حول إمكانية تعديل جداول أسعار الخدمات البريدية الواقعية مع «ليبان بوست»، وذلك بعد تمديد العقد معها على سبيل التسوية الى حين إطلاق مزايدة رابعة لتلزيم القطاع.

فبحسب القرم لا يتجاوب تعديل الأسعار الذي طلبه قرار مجلس الوزراء الصادر في شهر تشرين الثاني الماضي، مع توصيات وضعها ديوان المحاسبة بتقرير صدر عنه في حزيران من العام 2021 لتحسين موقع الدولة من عقدها مع الشركة المشغّلة. أمّا رد الديوان الوارد من الغرفة الناظرة برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر، فلم يجد أي تعارض بين تعديل الأسعار وتطبيق توصياته، مذكراً القرم بـ»مسلمات» إعتبرها مصدر قضائي في الديوان «أساسية ولا يجوز التلهي عنها بإجراءات مطلوبة لمرحلة إنتقالية، على رغم أهميتها».

فالمطلوب أولاً وفقاً للديوان «العمل ومن دون إبطاء على إطلاق مزايدة جديدة لتلزيم ادارة وتشغيل المرفق العام البريدي، تراعى فيها جميع الملاحظات والتوصيات الواردة في قراري ديوان المحاسبة رقم 109 الصادر في شهر آب من العام 2023 ومن ثم في شهر تشرين الاول من العام نفسه».

وأما بالنسبة لتوصياته بتحسين الشروط التعاقدية ما بين الادارة وشركة «ليبان بوست»، فقدم له الديوان معادلة حسابية بسيطة تقوم على رفع نسبة حصة الدولة من واردات الشركة بعد «تشريع» تعديل تعرفة الخدمات البريدية بما يتناسب مع حجم التضخم المالي الحاصل وإنهيار قيمة العملة الوطنية، وفق نظرية «الظروف الطارئة». وافترض الديوان أن لا تقل حصة الوزارة عن 8 بالمئة من قيمة واردات «ليبان بوست» من الخدمات البريدية المقدمة. على أن تعتمد زيادة تعرفة كل نوع من أنواع الخدمات على دراسة مالية، بما يؤمن المصلحة العامة وسير المرفق العام.

وإذا كانت هذه العملية تحقق توصية الديوان الأولى في تقريره الصادر منذ العام 2021 برفع النسبة المئوية لحصة وزارة الإتصالات من المبالغ التي تتقاضاها الشركة، فقد رأى الديوان أنّها تستجيب أيضاً لطلب الحكومة بتعديل جداول الأسعار البريدية الواقعية وبالتالي حصة الدولة منها، مشيراً إلى أنّ التوصيات الأخرى التي وضعها الديوان في تقريره المذكور، «تتعلق بإعادة النظر ببدلات الإيجار، وبأمور أخرى لا تمت الى قرار مجلس الوزراء بصلة، ويمكن تطبيقها كلها عن طريق تعديل شروط العقد مع الشركة، على أن يؤخذ بها عند إعداد دفتر شروط إطلاق المزايدة الرابعة».

وللتذكير فإنّ تقرير ديوان المحاسبة الصادر في العام 2021 كان قد توقف عند الخسارات التي لحقت بالدولة وخزينتها جراء عقد مجحف «حرم الخزينة مبالغ مالية كبيرة». ولم يربط الأمر بالنسب المتدنية لأرباح الدولة من الواردات فقط، وإنما بإستفادة «ليبان بوست» من أملاك عامة، لم تدفع بدلات بعضها المحقة، وخصوصاً بالنسبة لمركزي المطار ورياض الصلح. وهذا ما وضع الدولة في نزاع قضائي مع الشركة لضمان إسترجاع حقوقها، من دون أن يدفع ذلك حتى الآن لتدارك إستمرار هدر مداخيل الدولة من هذا القطاع.

أما الطرح الجدي الوحيد الذي قدمته وزارة الإتصالات في هذا الإطار، فكان في العام 2022، من خلال ما عرضه وزير الإتصالات على مجلس الوزراء حول نتائج مفاوضات أجرتها الوزارة مع الشركة، وخلصت الى مقايضة تحسين شروط العقد بتمديد عقدها 13 سنة، نجح القرم بتقليصها الى ثماني سنوات، كما يقول، مقابل تطبيق توصيات ديوان المحاسبة السبع. وهذا ما رفضه مجلس الوزراء حينها، وطلب من القرم إطلاق مزايدة لتلزيم القطاع، لتبقى الحال على حالها بالنسبة لعقد «ليبان بوسيت» الساري المفعول حتى الآن.

بالمقابل بدا واضحاً من جواب الديوان الأخير أنه لم يعد يستسيغ عملية المماطلة المستمرة في إستكمال إجراءات تلزيم القطاع مجدداً. ولذلك نصح القرم «بإدارة الوقت وإستثماره بالطريقة الفضلى، لما للوقت من قيمة مالية وأهمية بالغة في عملية تلزيم القطاعات الإقتصادية والمرافق العامة الحيوية، وبالتالي إنعكاس إيجابي على عجلة الاقتصاد الوطني، ومساهمة في خلق فرص عمل ترفد الخزينة بالأموال».