المصدر: لبنان الكبير
الاثنين 30 آب 2021 18:08:11
لم تعد تقدر فادية. ن. وهي تعمل مزيّنة نسائية في مدينة الميناء، أن تتحمّل عبء فاتورة صاحب المولّد الكهربائيّ الذي تتعامل معه، إذ باتت عاجزة عن دفع هذه الفاتورة التي لا تتمكّن من تأمين حتّى ربع ثمنها من الزبائن الذين يعيشون أيضاً أعباء اقتصادية ومعيشية ضخمة تتفاقم يومًا بعد يوم.
تعمل فادية طوال النهار، وتبقى حتّى ساعات المساء الأولى لتأمين ثمن "الـ 10 أمبير" التي تحتاجها بسبب غياب التيّار الكهربائي، لكن بعد تجاوز فاتورتها الأخيرة المليون ليرة لبنانية، قرّرت وهي خائفة على مصدر رزقها الوحيد والذي لن تتمكّن من العيش من دونه، إلغاء الاشتراك إلى حين تحسّن الأوضاع.
وتقول فادية لـ "لبنان الكبير": "بحسرة وحرقة، أفتح محلّي منذ الصباح الباكر ويبقى مظلمًا طوال الوقت حتّى ساعات متأخرة من الليل، لكن أقوم باستقبال زبائني لقص شعرهنّ و"الصبغة وغسل الشعر" فقط لا غير، من دون إنارة أو استخدام أيّ وسيلة للتجفيف والتصفيف... وهذا ما يدفع عدداً من الزبائن إلى عدم الحضور إلى الصالون، ما أدّى فعليًا إلى تراجع المردود المالي الذي كنت أتقاضاه من مهنتي الوحيدة التي أعمل فيها منذ أكثر من 20 عامًا". وتضيف: "قرار إلغاء الأمبيرات العشرة لم يأت من فراغ أو بسبب ارتفاع فاتورة الاشتراك فحسب، بل بسبب عدم تشغيل صاحب المولّد التيار الكهربائي بشكلٍ منتظم، فهو يقوم بقطعه كلّ ساعات النهار، ويقوم بتشغيله بعد الساعة السابعة والنصف أو الثامنة مساءً بحجة نقص المازوت، فهل يُعقل أن أطلب من الزبائن الحضور في هذا الوقت المتأخر ليلًا؟... لقد قطعت هذه الدّولة أرزاقنا، مع هذه المافيات التي تعمل على تحطيم هذا الشعب بلا رحمة، ونحن نتقبّل هذه المذلة والمهانة من دون أن نحرّك ساكنًا ضدّ من ينتهك كراماتنا وحقوقنا المشروعة".
حال فادية، تُشبه حال الآلاف من الطرابلسيين والشماليين الذين قرّروا إلغاء الاشتراكات الكهربائية نظرًا لعدم قدرتهم على دفع ثمنها الباهظ، لتنتشر مع هذه الظاهرة صور وكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي تُشير إلى التوجه لهذا القرار ولا سيما بالنسبة للأشخاص الذين لا يستفيدون من ساعات التغذية التي يُقدّمها أصحاب المولّدات.
يُشدّد أحد المصادر على أنّ بعض أصحاب المولّدات يقوم ببيع جزء كبير من حصّته من المحروقات في السوق السوداء، ويحتجّ في الوقت عينه من شحّ مادّة المازوت ليقوم بعدها بقطع التيّار الكهربائي عن الناس، الذين يعتقدون أنّ المازوت غير متوافر لدى صاحب الاشتراك.
ويقول المصدر لـ"لبنان الكبير": "تحصل محطات أخرى على حصّتها من المازوت، لكن بسبب عمليات السرقة والسلب المنتشرة مؤخرًا بشكلٍ كبير والتي استهدفت عددًا من الصهاريج، لا تصل هذه الكمّيات المطلوبة لتشغيل المولّدات التي تعمل بشكلٍ متواصل، ما يُؤدّي إلى تراجع ساعات التغذية".
ويُمكن القول إنّ هذه الأزمة لا تقتصر على مدينة طرابلس فحسب، وفق ما يقول المصدر: "إنّ عملية خنق المناطق والأحياء لا يقتصر على طرابلس فحسب، بل هو تخطيط يُركّز على خنق مختلف مناطق الشمال بشكلٍ كبير لدرجة أنّ الشعب لا يشعر بأيّ انفراج لهذه الأزمة الكارثية منذ زمن، بل هناك توجه للتصعيد في مجالات مختلفة وصولًا إلى تحرّك مناطقيّ يبدأ من الشمال".
يرى خبير اقتصاديّ أنّ رفع الدعم عن المحروقات سيُؤدّي إلى نتائج كارثية تنعكس على المواطنين من جهة، والقطاعات المختلفة من جهة ثانية، ويقول لـ"لبنان الكبير": "هذه الخطوة من شأنها أن تحدّ من عمليات التهريب والسوق السوداء التي تتضاعف تجاوزاتها مؤخرًا، ذلك لأنّ القائمين عليها يُدركون أنّ قرار رفع الدعم اتُخذ وسيُنفذ لا محالة، لكنّهم يستغلّون هذه الأزمة حاليًا... أمّا بعد رفع الدعم فلن يتمكّن أحد من استغلال المحروقات لأنّ أسعارها وطريقة الحصول عليها واستيرادها لن تكون كالسابق".
ويُضيف: "هذه الظروف الخطيرة تقتضي وجود سلطة لتسيير الأمور بإدارة صحيحة، وهذا ما لا نجده مؤخرًا، فرفع الدعم يقتضي وجود خطّة وهي غير واضحة أمام أيّ من المواطنين حتّى الآن، وفي الوقت عينه، نرى المؤسسات والإدارات المعنية غير مكترثة لوضع المواطنين الذين باتوا في حيرة من أمرهم".
ويوضح: "ويبقى الخوف من رفع الدعم بسلبياته أكثر بكثير من الإيجابيات، لأنّه سيُؤدّي بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتسعيرة المولّدات الكهربائية أيضًا وغيرها وهي قطاعات عانت مسبقًا من ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار العملة، مع تعامل بعضها في السوق السوداء، ما انعكس جليًا على أسعار البضائع، وهذه الضغوط ستُعيد مشهد الفوضى والاحتجاجات الشعبية في الشارع لتنفيس الغضب".
فوجئ الكثير من الطرابلسيين بقرار الإقفال الذي اتخذه مستشفى "دار الشفاء" في منطقة أبي سمراء، وهو أوّل مستشفى خاصّ يتخذ هذا القرار، بسبب أزمة المازوت التي دفعت الطاقم الطبّي إلى التوجه إلى هذا الإجراء الخطير الذي يُهدّد معظم المرضى ولا سيما مرضى السرطان وغسيل الكلى الذين كانوا يصرخون هم وعائلاتهم من شدّة الأزمة التي ضربتهم وجعلتهم في مواجهة عاصفة من الألم والعذاب، فضلًا عن عدم قدرة الكثير من المستشفيات المختلفة على تأمين التكييف كما يلزم، مما سيُؤدّي بلا أدنى شكّ إلى مشاكل متنوّعة وغضب بين الناس والمرضى.
وبعد إعلان المستشفى إغلاق أبوابه السبت، وبعد مناشدة المعنيين تأمين بعض الكمّيات له، عاد المستشفى ليُعلن تمديد العمل فيه حتّى صباح الأربعاء، ما يعني أنّ الأزمة لم تنته بعد بل هي قابلة للتمديد بسبب المعاناة التي يُواجهها مع نقص أو غياب مادة المازوت التي كانت من أهم الموارد الأساسية، إذ لم يُدرك المواطن يومًا أنّ الدّولة ستقوم بـ"إيقاعه في شرّ أعمالها"، ليتمسّك بقطرة مازوت أو بنزين أو حتّى مياه يعثر عليها.
يُمكن القول، إنّ مشهد المستشفيات بات مثيرًا للشفقة والذعر، مع فقدان الكثير من الأدوية وتدهور حال الكثير من المرضى، فضلًا عن تأزم وضع إدارة المستشفيات مع عدم قدرتها على تأمين حاجتها الكافية من المازوت، وغيرها من الظروف التي تدق ناقوس الخطر عسى أن يتحرّك المعنيون لفرض القانون والنظام ميدانيًا وهم قادرون على ذلك، وذلك حرصًا على صحة الموطن لمنع كارثة إنسانية وصحية هي أقرّب إلينا ممّا نتوقّع!