روسيا تدرك هوية معدّ موقف لبنان من غزو أوكرانيا...وهكذا ستتأثر علاقاتها مع الدول!

 أثار بيان وزارة الخارجية والمغتربين الصادر بعد ساعات من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا بلبلة سياسية وانقساماً في الداخل اللبناني لكونه تبنى موقفا مناهضا لروسيا، اذ ندد باجتياحها الأراضي الأوكرانية، وأدان العمليات العسكرية، داعيا موسكو إلى وقفها فورا وسحب قواتها. وجاء الرّد الروسي من خلال السفارة في بيروت التي عبرت عن دهشة موسكو من بيان الخارجية اللبنانية، لمخالفته سياسة النأي بالنفس واتخاذه جانب طرف ضد آخر، مذكّرةً بانها لم توفر جهداً في المساهمة في نهوض واستقرار الجمهورية اللبنانية. أما العواصم الأوروبية فرحّبت من جهتها بمضامين البيان اللبناني، وطلب سفيرا فرنسا وألمانيا من وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مشاركة لبنان في تبني القرار المقدّم أمام مجلس الأمن حول الأزمة والتصويت عليه في الجمعية العامة لاحقاً، الا ان لبنان امتنع. 

مصادر سياسية على اطلاع وثيق على لموقف الروسي تؤكّد لـ "المركزية" انزعاج موسكو وعتبها على بيان وزارة الخارجية اللبنانية والسبب الأساسي الكلمات والمصطلحات المستخدمة فيه للتعبير عن موقف بيروت. ومع كل محاولات التبرير ونقل المسؤوليات من جهة لأخرى، باتت هوية الشخصية التي كانت خلف البيان والتي تريد استرضاء الأميركيين والأوروبيين مكشوفة وواضحة لدى الروس، بحسب ما توضح المصادر، لافتةً إلى أن العلاقات اللبنانية-الروسية لن تتأثر نتيجة هذه الحادثة لأن الروس أكبر من أمور مماثلة. 

في المقابل، أبدت موسكو ارتياحها وتقديرها للموقف العربي من خلال بيان جامعة الدول العربية التي التزمت الحياد، وتم الترحيب تحديداً بالموقف الإماراتي. ومن هنا نبعت موافقة روسيا أمس على اعتبار الحوثيين منظّمة إرهابية في مجلس الأمن. أما المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ محمد بن زايد لبحث تطورات الأزمة مع أوكرانيا، فوصفها الجانب الروسي بأنها شديدة الإيجابية، حسب ما تنقل عنه المصادر.  

وتضيف "الموقف الإسرائيلي المؤيد لأوكرانيا، خلق أيضاً انزعاجاً كبيراً لدى الروس، خصوصاً بعد كلّ ما قاموا به للوقوف إلى جانب الإسرائيليين، لا سيما في سوريا. وعبرت موسكو عن موقفها هذا للسفير الإسرائيلي لديها وكان الحديث في الإطار واضحاً وصريحاً. وتكشف المصادر أن التأييد الإسرائيلي لكييف سيؤثّر من دون شكّ على وضع تل أبيب في سوريا، لأنه أدّى إلى موقف روسي جديد من الملف.  

من جهة أخرى، وعلى عكس كلّ ما ينشر ويحلّل إعلامياً، تؤكّد المصادر نفسها أن المدّة الزمنية المطروحة للعملية العسكرية الروسية لم تكن تقلّ عن أسبوعين والسبب عدم رغبة الروس في وقوع خسائر مدنية كبيرة وحرصهم على تفاديها عبر إطالة فترة المعركة واستخدام السلاح الدقيق، بناءً عليه ينصبّ التركيز الأساسي على التصويب على المراكز العسكرية في اوكرانيا.  

وتشدد على أن الروس لن يتراجعوا قبل تنفيذ مهامهم الأساسية من العملية وهي إنهاء القوى العسكرية الأوكرانية وفرض الحياد على أوكرانيا والاعتراف بالملكية الروسية لأراضي جزيرة القرم. القيادة الأوكرانية الحالية طلبت الانضمام إلى الناتو وفتحت كل المجالات له وللأميركيين بالتدخل في شؤون البلاد، في حين أن إمكانية أن يصبح الناتو على حدود موسكو، بشكل خاص في أوكرانيا، تعتبر خطّا  أحمر من الناحية الأمنية بالنسبة إلى روسيا، ولن تسمح به مهما كلّف الأمر، والرهان على بعض المسؤولين والسياسيين في أوكرانيا لإنقاذ بلدهم وعدم استخدام الغرب لمصالحهم الخاصة، توضح المصادر. 

وتتابع "على عكس ما يتم تصويره، الخطّة العكسرية الروسية تجري ضمن الأطر المطروحة، والروس على دراية بالحملة الإعلامية المشوشة على الصعد كافةً لتشويه العملية العسكرية واعتبارها فاشلة. وقبل إطلاق العملية توقعت روسيا ردات الفعل الأوروبية والغربية، إذ لطالما كانت موسكو حذرة بالنسبة إلى الوجه الذي تظهره أوروبا مدّعيةً من خلاله أنها تريد نسج علاقات حسنة مع روسيا، فانكشفت حقيقة مواقفها تجاه روسيا وأُثبتت من خلال التصعيد الاقتصادي. لدى روسيا العديد من الأذرع للضغط على الأوروبيين لم تستخدمها حتّى الآن، تقول المصادر، وستردّ على العقوبات بعد انتهاء العملية العسكرية خصوصاً على أوروبا، وكل إجراءات الاوروبيين ستنعكس سلباً على اقتصادات بلادهم. والأجواء الأوكرانية أصبحت تحت السيطرة الروسية وأي مساعدات عسكرية مفترض أن تدخل الأراضي الأوكرانية سيتم قصفها حتماً قبل وصولها.  

وراهناً اتّخذت الحكومة الروسية إجراءات اقتصادية حازمة للجم السوق وبدأت تظهر نتائجها بالحدّ من الانهيار الاقتصادي والروبل الروسي، دائماً حسب المصادر عينها، التي تؤكّد ان على عكس ما يشاع، الحياة طبيعية في موسكو وليس هناك أي تخوّف وما من تراجع عن الخطّة العسكرية لفرض الحياد على أوكرانيا. فمنذ العام 2014 ترفع روسيا هذا المطلب وكانت النتيجة عكسية فاتّجهت القيادة الاوكرانية أكثر فأكثر إلى الغرب والناتو، وهذا خطّ أحمر بالنسبة إلى روسيا التي لا يمكنها في أي شكل من الأشكال أن توافق على انضمام أوكرانيا للناتو ما يسمح بأن تكون الصواريخ الأميركية على مسافة قربية جدّاً من الكرملين. 

أما في ما خصّ الحديث عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، فتطمئن المصادر إلى أنها لن تحدث لأن تصريحات الناتو تؤكّد أنه يعلم أن لا يمكنه الاقتراب من أراضي أوكرانيا. وتختم ناقلةً عن الروس تقييمهم الإيجابي لمفاوضات أمس لوقف القتال، فهم منفتحون عليها وستستكمل وشروط روسيا خلالها واضحة وثابتة: حياد أوكرانيا، عدم انضمامها لأي حلف، وتفهّم مخاوف روسيا الأمنية.