زيارة البابا إلى لبنان تنتظر العهد الجديد؟

كتب غسان حجار في النهار: 

البابا فرنسيس يرغب في زيارة لبنان في اقرب فرصة لدواعٍ انسانية، خصوصا منذ انفجار المرفأ في 4 آب 2020، وهو يدرك علاقة أسلافه، وفي مقدمهم يوحنا بولس الثاني، بهذا البلد، كما يدرك اهمية لبنان بالنسبة الى مسيحيي الشرق، وهو البلد الوحيد الذي يتولى رئاسة الجمهورية فيه مسيحيٌّ في عالم عربي واسلامي ليس من دور سياسي للمسيحيين فيه، ويعلم جيدا انه مقر أو ممر للمضطهدين في دولهم، خصوصا متى سُدّت امامهم فرص النجاة والهجرة سريعاً، وهو الرئة لحوار الاديان في منطقة الصراعات والحروب الدائمة.

لكن الدوائر الفاتيكانية التي تؤيد البابا في توجهه، لا توافقه على اختيار التوقيت، في حزيران المقبل، وهي تهيّبت تحديد الموعد، وتعاملت معه بحذر شديد تمثّل في عدم صدور أي بيان رسمي عن الكرسي الرسولي في شأن الزيارة، لا تأكيداً ولا نفياً قبل ذلك، ولا اعلان التأجيل. واذا كان السبب الظاهر بروتوكولياً، وسبب التأجيل صحّياً، فان الاسباب الحقيقية سياسية وتتعامل معها الدوائر المختصة في الفاتيكان بكثير من الحنكة والتروي بما يتجاوز الاندفاع الشخصي للبابا فرنسيس.

ولا تحبذ الادارة الفاتيكانية القيام بالزيارة بعد الانتخابات النيابية مباشرة، لان في ذلك مباركة لمجلس النواب الجديد الذي يمكن ان يكون "حزب الله" ومَن يدور في فلكه، نال الاكثرية المطلقة فيه. ويمكن ان يكون لبنان عاجزاً عن تأليف حكومة جديدة تتعامل مع الازمة المستفحلة، وتستمر حكومته في ادارة الازمة عبر تصريف الاعمال ليس اكثر، وبالتالي يمكن للازمات المعيشية ان تتفاقم في مرحلة ما بعد الانتخابات، فيشهد البلد تطورات على ابواب زيارة البابا.

أما الأهم بالنسبة الى الفاتيكان فهو امكان اجراء انتخابات رئاسية في موعدها، من دون عرقلة، ومن دون فخ الوقوع في الفراغ الرئاسي، وهو ما تعمل عليه دوائر الكرسي الرسولي مع عواصم القرار، وترى ان الزيارة البابوية يمكن ان تتم بشكل افضل مع العهد الجديد، والحكومة الجديدة، ومجلس النواب الجديد، فتشكل مباركة للمرحلة المقبلة التي يجب ان تكون توافقية لإخراج لبنان من محنته.

وتنسق دوائر الفاتيكان، خصوصا مع فرنسا التي تتولى رعاية الشأن اللبناني مباشرة، للقيام بمساعٍ حقيقية مع كل الاطراف الفاعلة، وبالتنسيق مع المملكة العربية السعودية وايران، لضمان انتقال سلس للسلطة، وفي حال تعذّر ذلك، رعاية حوار لبناني لا يقود الى تغيير جذري في النظام يطيح مقوماته وركائزه، بل يضمن الاستقرار وتطوير النظام بطريقة سلسة لا تؤدي الى صدامات ولا الى حروب، والاهم لا تؤدي بالمسيحيين الى خسارة موقعهم ودورهم.

وفي هذا المجال تنشط باريس، وقد استعادت مبادراتها حيوية مع اعادة انتخاب الرئيس ايمانويل ماكرون لولاية جديدة، في التواصل مع افرقاء الداخل من دون ان تقصي احدا، بما فيهم "حزب الله"، بل الحزب خصوصا، لدفع الامور قدماً، وهي تعمل، بالتنسيق مع واشنطن، على رعاية مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الاشكالية، والتي لم تنفع معها مقولة "الرئيس القوي" في العبور الى دولة قوية.

تضع باريس خيارات عدة للمرحلة المقبلة وتقنع حلفاءها بضرورة المحافظة على استقرار لبنان، لاسباب كثيرة منها ما يتعلق باللاجئين السوريين وخطرهم على اوروبا، ومنها الترسيم البحري مع اسرائيل لضمان استخراج النفط والغاز، وهي ترى ان زيارة البابا يمكن ان تشكل تتويجاً لكل تلك المساعي، ويشاطرها الرأي كبار الكرادلة المعنيين والمتابعين للشأن اللبناني.