المصدر: المدن
الكاتب: محمد علوش
السبت 8 تشرين الأول 2022 11:48:51
بدأ قطاف الزيتون في بعض المناطق قبل مجيء "الشتوة الأولى"، وسط توقعات بموسم غنيّ وواعد. لكن كيف تبدلت أسعار الزيت والزيتون هذا العام عن العام الماضي، عندما كان متوسط سعر صرف الدولار 20 ألف ليرة لبنانية، فيما وصل اليوم إلى حدود 40 ألف ليرة؟
زيتون "الرصّ"
تختلف أسعار كيلو الزيتون المخصص "للرصّ" بين منطقة وأخرى، بعدما اختفت معايير التسعير الموحد لكثير من السلع ومنها الزيتون. في السنة الفائتة كان متوسط سعر الكيلو 40 ألف ليرة، فيما يتفاوت اليوم بين 65 ألف ليرة في مناطق مثل النبطية، و85 ألف ليرة في منطقة صيدا. مع الإشارة إلى أن في السوق المحلية زيتون سوريّ، يصل سعر الكيلو منه إلى 50 ألف ليرة لبنانية.
قبل الأزمة التي عصفت بلبنان، كان سعر كيلو الزيتون حوالى 6 آلاف ليرة، ما كان يعادل 4 دولارات أميركية حينها. وقياساً بارتفاع سعر الصرف، يمكن القول إن سعر الكيلو اليوم يصل إلى نصف ما كان عليه سابقاً. وقياساً بالعام الفائت فإن حجم ارتفاع الأسعار هذا العام يتماشى مع ارتفاع سعر صرف الدولار، رغم أن كلفة اليد العاملة لم تتغير بالمعدلات عينها. أما بالنسبة إلى أسعار "تنكة" الزيت (16 كيلو)، والتي عادة ما كانت تُسعّر بالدولار الأميركي، فستزيد عن المئة دولار، وقد تصل في بعض المناطق إلى 130 دولاراً أميركياً، بعد أن كانت تُباع قبل الأزمة ما بين 80 دولاراً كحدّ أدنى، و100 دولار كحدّ أقصى، واستمرت حتى العام الماضي.
كلفة العمالة
يقول محمد حيدر، وهو رجل جنوبيّ يملك حوالي 150 شجرة زيتون، إن أسعار الزيت سترتفع عن السابق بسبب الكلفة التي اختلفت أيضاً بنسبة كبيرة. ويلفت في حديث لـ"المدن" إلى أن كلفة الاهتمام بالأرض خلال العام وفلاحتها وتغذيتها ارتفعت. وكلفة عمّال القطف ارتفعت إلى 400 ألف ليرة يومياً. مع العلم أن في مناطق كثيرة تنال النساء العاملات أجراً أقل من الرجال. هذا فضلاً عن الطعام والشراب وبدل النقل، ما يجعل كلفة العامل يومياً تتخطى الـ 600 ألف ليرة أي 15 دولاراً، بينما كانت قبل الأزمة أكثر من ذلك بكثير.
ما يقوله حيدر حول كلفة اليد العاملة يجافيه تعاميم بعض البلديات حول الأجر اليومي للعمال. فمنعاً لحدوث إشكالات حول أجرة العاملين في قطاف الزيتون، كما حصل العام الماضي في أكثر من منطقة، أصدرت بلديات عدّة تعميماً يتعلق بتحديد أجر العمال. فعلى سبيل المثال صدر تعميم مشترك من بلديات قرى مرجعيون حددت فيه الأجر اليومي للعامل على الشكل التالي، وذلك بحسب طبيعة عمله لا جنسه: 250 ألف ليرة يومياً لمن يعمل في "فراطة" الزيتون، و200 ألف ليرة أجرة "القطاف"، وذلك يتضمن كلفة الغداء، ويغطي فقط 7 ساعات عمل، من الساعة 7 صباحاً حتى 2 بعد الظهر.
أما بالنسبة إلى كلفة عصر الزيتون فقد اختلفت. ويشير حيدر إلى أن كلفة عصر الزيتون اختلفت لأن معاصر الزيتون ستعتمد التسعير بالدولار ولن تقلّ عن 10 دولار لكل تنكة زيت، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات. هذا فضلاً عن سعر عبوات البلاستيك الذي يصل إلى نحو 5 دولارات.
"التضمين" واختلاف شروطه
ليس كل من يملك أرض زيتون قادر على تحمل كلفة قطفها والاعتناء بها، واحياناً قد لا تكون الكلفة المانع، بل القدرات الجسدية، واحياناً الرغبة بعدم القطف، فيلجأون إلى ما يُسمّى "التضمين".
يقول أبو مصطفى وهو من الذين يستأجرون أشجار الزيتون، ويعمل في القطاف لمدة تزيد عن شهر أحياناً بمساعدة عائلته: "التضمين" اليوم اختلف عن السابق؛ فبعد أن كنا نعمل في القطاف فقط مقابل الحصول على نصف إنتاج الزيت بعد أن يقوم صاحب الأرض بدفع كلفة الإنتاج، بات علينا اليوم تكبّد كلفة القطاف والعصر، مقابل الحصول على نصف الإنتاج.
حكر على الأغنياء
في مناطق الجنوب سعّر بعضهم تنكة الزيت بـ 130 دولاراً. وهو ما يرى كثيرون أنه رقم مضخّم، لأن كلفة الإنتاج بالدولار لم تتغيّر كثيراً، وبأفضل الأحوال هناك كلفة لا تتعدّى 50 دولاراً أميركياً للتنكة فلماذا تكون الأرباح أكثر من مئة بالمئة؟ يسألون.
في العام الماضي بلغ متوسط ثمن تنكة الزيت مليون ونصف المليون ليرة، فكانت أحياناً تُباع بمليون و300 ألف، وأحيانا بمليون و800 ألف، وبالتالي هي بأقصى الأحوال لم تتخطّ 90 دولاراً، على سعر صرف 20 ألف ليرة، وبالتالي فإن الارتفاع هذا العام لا يتناسب مع تبدل سعر صرف الدولار، اذ سيصل سعر التنكة إلى ما يزيد عن خمسة ملايين ليرة لبنانية. فهل بات زيت الزيتون سلعة نادرة حكراً على الأغنياء، بعدما بات سعرها يفوق ضعفي راتب الموظف في القطاع العام؟