سلام قد تسبقه جولات عنف في لبنان وغزة!

بعد أكثر من سنة دامتها حرب غزة، تتجه المنطقة اليوم نحو مرحلة رمادية؛ فالهجوم الإسرائيلي على حركة "حماس" في غزة، وعلى "حزب الله" في لبنان، فضلاً عن "أذرع" الأخطبوط الإيراني في المنطقة، توقف بضغط من الإدارة الأميركية التي انتهت ولايتها في 20 كانون الثاني، وبسبب غموض سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب الشرق أوسطية، حيث إن الإدارة المذكورة لم تكتمل بعد، وبالتالي فإننا لا نزال في بداية المرحلة الانتقالية التي عادة ما تمتد نحو 60 يوماً.

والحال أن الرئيس دونالد ترامب كان أصر، في الشهر الذي سبق تشكيله سلطاته التنفيذية في 20 كانون الثاني، على أن تكون المدافع هدأت في المنطقة، وعقدت صفقة في غزة بما يؤدي إلى تهدئة المنطقة بشكل عام. فالرئيس الذي يستهل ولايته يصر تقليدياً على ألا يأتي حدث يعكر صفو مراسم تسلمه سلطاته التي تعتبر حدثاً أميركياً وعالمياً تنقله جميع وسائل الإعلام التقليدية والجديدة عبر العالم. من هنا توقفت الاندفاعة الإسرائيلية، وعقدت الصفقة التي اجتهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيراً لإبعادها طوال الأشهر الـ 14 من حرب غزة والحروب التي ولدتها في أكثر من ساحة في الشرق الأوسط.

في مطلق الأحوال نحن في مرحلة رمادية لكن ثمة ملامح واضحة للمستقبل. أولها أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترى نفسها مكلفة بفرض "سلام" أبدي في منطقة الشرق الأوسط يبنى على قاعدة الاتفاقات الإبراهيمية، فإعادة إعمار قطاع غزة وفق منظور مشروع جاريد كوشنر تتطلب نقل مليون ونصف مليون مواطن من غزة إلى دول أخرى، على أن يعودوا أو لا يعودوا بعد أن تنتهي مرحلة إعادة البناء لتحويل القطاع إلى ما يشبه "ميامي- فلوريدا" شرق أوسطية تعتمد على اليد العاملة الغزاوية وعلى ثروات المياه الإقليمية للقطاع التي تقدر بالمليارات. هذا المشروع يتطلب توسيع إطار الاتفاقات الإبراهيمية ليشمل لاحقاً سوريا ولبنان اعتماداً على الثروات النفطية والغازية المتوقعة في بحر الساحل السوري ولبنان. وعليه فإن إنهاء الحرب وفرض معادلة جديدة على الإيرانيين بمقايضة بقاء النظام بدفن المشروع الإمبراطوري التوسعي في المشرق العربي يشكل أساساً لدفع عربة "سلام" الرئيس ترامب في الشرق الأوسط.

ثمة رأي داخل الإدارة الأميركية يميل إلى دفع الوضع الداخلي في إيران نحو الهاوية عبر ممارسة الضغوط القصوى على الاقتصاد الإيراني، ومحاصرة النظام عسكرياً من خلال دعم الحكم الجديد في سوريا لحسم الوضع في منطقة الساحل السوري، إضافة إلى الضغط بشكل أكبر على "حزب الله" لتدمير ما تبقى من أصوله العسكرية. وأصحاب هذا الرأي يعتبرون أن "سلام" ترامب يمر حكماً إما بإسقاط النظام الإيراني أو بتحجيمه إلى أقصى الحدود نحو الداخل، وتدمير الأذرع المنتشرة في ساحات عدة من المنطقة وأهمها "حزب الله" في لبنان والفصائل المسلحة في العراق، دون نسيان التهديد الذي تمثله جماعة الحوثي في المديين المتوسط والبعيد على أمن طرق المواصلات في منطقة غرب آسيا وأثره الأفريقي، واستقرار دول الخليج العربي التي تشكل حجر الرحى لأي مشروع "سلام" إقليمي يرتكز على التبادل الاقتصادي والتكنولوجيات المتقدمة وانفتاح الحدود من تركيا إلى اليمن مروراً ببلاد الشام العربية، إسرائيل والخليج العربي.

لكن ما تقدم بالنسبة إلى مصير الأذرع التي لا تزال إيران تحاول إحياءها بعد الضربات القاصمة التي تلقتها، قد يمر في لبنان وغزة بجولة عنف جديدة لا ترقى إلى حرب كبيرة كالتي حصلت في المرة السابقة، إنما تكون مكثفة وعنيفة بما يكفي لتدمير مشروع "وحدة الساحات" بشكل تام. ومن هنا خطورة الموقف في لبنان وغزة؛ فمظاهر القوة التي تستعرضها حركة "حماس" على خلفية عملية تسليم الرهائن الإسرائيليين قد تشكل دافعاً لإشعال جولة جديدة في القطاع بهدف تدمير المزيد من القوات العسكرية للحركة والفصائل المقاتلة، ووضع الأساس لإقناع قطاعات واسعة من السكان لتقبل فكرة المغادرة المؤقتة خلال مرحلة إعادة الإعمار تحت قيادة فلسطينية جديدة. أما في لبنان فمقاومة "حزب الله" لفكرة نزع سلاحه وتحوله نحو العمل السياسي والاجتماعي  في البلاد، واحتفاظه وفق تقارير دولية بكميات كبيرة من الأسلحة جنوبي نهر الليطاني وشماله يدفع المراقبين إلى ترجيح احتمال نشوب جولة عنف جديدة بعد شهر رمضان المقبل.

إنه ثمن الانقلاب الجيوسياسي الأخير!