المصدر: المدن
الكاتب: طارق الحجيري
الجمعة 14 تشرين الثاني 2025 14:32:14
تعود جرود عرسال في السلسلة الشرقية إلى الواجهة من جديد، مثيرةً أسئلةً ومخاوف من عودة مشهدٍ ظنّه أهل البلدة النائية أنّه بات طيّ النسيان.
فمنذ أيام، تشهد الجرود تحرّكات ميدانية لافتة، بدأت بإشاعات عن هروب عناصر من تنظيم داعش واشتباك مزعوم بين الجيشين اللبناني والسوري، قبل أن تتبيّن الحقيقة على الأرض، تجريف واسع للطرقات والمساحات الزراعية تمهيدًا لإقامة سواتر ترابية. لكن، في نظر كثيرين، يتجاوز ما يجري الإطار الروتيني ويستحضر ملامح مرحلة ما قبل معارك الجرود عام 2014.
سواتر بعيدة عن الحدود
بحسب شهادات عدد من المزارعين، بدأت جرافات الجيش العمل في مناطق تبعد بين سبعة وعشرة كيلومترات عن الحدود مع القلمون السوري، بعضها قرب الأراضي المأهولة في "منطقة العجرم"، وبعضها الآخر مزروع بالمشمش والكرز في "وادي الديب"، "خربة يونين"، "المجر" و"وادي سويد". وقد أدى ذلك إلى اقتلاع أشجار مثمرة يعود تاريخ زراعتها إلى عشرات السنين.
يقول أحد المزارعين لـ"المدن": "فوجئنا بإقامة سواتر ترابية داخل بستاننا. لا أحد يعرف السبب الحقيقي، حتى البلدية تقول إنها لا تملك أي معلومات دقيقة."
وفي ظل صمت رسمي مطبق، يتزايد قلق أهالي عرسال من أن تكون هذه الأعمال مقدمة لمرحلة جديدة من التوتر الأمني. مصادر أمنية قلّلت من المخاوف، مؤكدةً أن ما يجري هو "تحرك روتيني يهدف لمكافحة التهريب في الاتجاهين"، ونافِية ًدخولَ أيِّ عناصر من القلمون إلى الأراضي اللبنانية.
الجرود بين الأمس واليوم
عام 2014 كانت عرسال في قلب العاصفة. واليوم وبعد أكثر من عقد، يعيد المشهد نفسه بملامح مختلفة: الأرض نفسها، التبريرات نفسها، و"الضرورات الأمنية" ذاتها، فيما الجهات المنفذّة لم تعلن رسميًا عن طبيعة الأعمال بعد. ويتردد على ألسنة أبناء البلدة سؤالٌ مرير: من يضمن ألا نقع ضحايا مشاريع لا ناقة لنا بها ولا جمل؟ وهل علينا أن ندفع الفاتورة دائمًا؟
وفي ظل الانهيار الاقتصادي، تبقى الزراعة آخر ما يربط أهالي عرسال بأرضهم. ومع ذلك، تُقتلع أشجارهم وتُخرّب طرقاتهم الزراعية باسم الأمن، بلا تفسير مقنع، وتواجههم عوائق للوصول إلى بساتينهم، يراها كثيرون مصطنعة.
يقول أحد الشبان: "لا نعرف إن كانت هذه الأعمال لحمايتنا أم لإبعادنا عن أرضنا، لكننا نعرف أن الأرض تُحمى بالزراعة والمزارع، لا بمنعه من الوصول إليها". من جهته، يؤكد مختار عرسال علي أحمد الحجيري في حديثه للمدن احتضان الناس للجيش: "نحن مع الجيش دائمًا وأبدًا، بجانبه خلفه وأمامه، ونتمنى من السلطة تأمين جميع المستلزمات للجيش الذي يسهر على أمن المواطنين ويحمي حدودنا".
ذاكرة لا تنام
بين التجريف والصمت، يعيش أهالي عرسال قلقًا متزايدًا يشبه ما عاشوه قبل أحد عشر عامًا. فالمنطقة التي كانت يومًا مسرحًا للمواجهات، تعود اليوم إلى واجهة القلق الشعبي، في انتظار توضيحات رسمية تطمئن السكان وتكشف أسباب هذه التحركات.