المصدر: independent arabia
الكاتب: بشير مصطفى
الثلاثاء 14 أيلول 2021 11:53:44
كتب بشير مصطفى في اندبندنت عربية: ببرود اللامبالي استقبلت طرابلس اللبنانية تشكيل الحكومة التي يرأسها ابن المدينة نجيب ميقاتي للمرة الثالثة، إذ تقدم الهمّ المعيشي على ما دونه من أمور في مسقط رأس رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة. فالناس في عاصمة شمال لبنان يبحثون عن حبة الدواء، وتأمين لقمة الطعام، والقرطاسية على أبواب العام الدراسي الجديد. هناك في تلك المدينة التي يعرفها اللبنانيون كلهم باسم "أم الفقير"، يدخل النقاش في الثلث المعطل وحصص الأحزاب والطوائف دائرة الترف، لأن رسم اشتراك الكهرباء أصبح ضعفي الحد الأدنى للأجور. جالت "اندبندنت عربية" في أحياء طرابلس وأزقتها، حيث يجلس المواطنون في الخارج على أطراف الطريق والأرصفة، باحثين عن نسمة هواء ترطب جبهاتهم التي كواها حر الصيف، والقاسم المشترك بينهم هو "كيف نؤمن الحد الأدنى من حاجات الأسرة؟".
الناس غير متحمسة
غابت عن طرابلس أجواء الصخب والبهجة والفرح، لأن الأزمات المتتالية أنهكت العامة، وأثنتهم عن النقاشات السياسية البعيدة الأجل. وتشي المحادثات الجانبية بانقسام في الرأي العام الطرابلسي، ففي محيط "جمعية العزم والسعادة" التي يرأسها ميقاتي وشقيقه طه، يأمل المناصرون أن ينجح رئيس الحكومة الجديد حيث أخفق الآخرون. أحد المواطنين الذي رفع صورة ضخمة لميقاتي يتوجه بالدعاء لرئيس الحكومة لكي يخرج البلاد مما آلت إليه. نتقدم قليلاً نحو منطقة الجامع المعلق، حيث تعبّر إحدى السيدات عن عدم اهتمامها بتشكيل الحكومة، فهي لديها فتاة تعاني السكري وتحتاج إلى الأنسولين، تبحث من مكان إلى آخر ولا تجد الدواء، وتضيف "حتى حبة البنادول لا نجدها، نضطر إلى طلب إحضارها من بعض السائقين الذين يتوجهون إلى سوريا". تتحدث هي وزوجها عن عدم إمكانية شراء دجاجة بـ85 ألف ليرة، وكلفة طبخة اللوبياء والأرز بـ100 ألف. وتقارن تعاطي نواب المدينة مع سكانها، فالمعاملة تختلف بين زمن الانتخابات واليوم، إذ يغيب أي اهتمام منهم ومن الدولة بالناس التي تموت ببطء.
أما في سوق العطارين، فيعبّر المارة عن عدم اكتراثهم بالحكومة، فالأولوية لشراء البطاطا التي لم تعد طعام الفقير، لأن سعر الكيلو أصبح بثمانية آلاف ليرة، وكذلك حال الخيار والبندورة والخس. تؤكد إحدى السيدات أنها تجول في السوق للبحث عمّا هو أرخص لشرائه.
أصحاب الحرف يأملون
ولا تقتصر الشكوى على الناس، وإنما تتجاوزها إلى أصحاب المحال والدكاكين. ونتلمس بعض الإيجابية لدى هؤلاء تجاه فكرة تشكيل حكومة تخرج البلاد من الفراغ، لتبدأ مرحلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل عودة بعض الرساميل الأجنبية إلى لبنان. يشير عبد السلام قاطوع (صاحب متجر للبهارات) إلى أن مدينة طرابلس تعاني تهميشاً كبيراً، ويأمل أن يكون تشكيل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي فرصةً للقيام ببعض المشاريع الإنمائية. ويتحدث عن خطوة ضرورية وإيجابية هي تشكيل الحكومة، ولكنه في المقابل، لا يعوّل كثيراً عليها لأن الوضع صعب للغاية. من جهته، يطالب عبد الواحد حسون (مالك مصنع للصابون) ميقاتي "بأخذ موقف حازم داخل الحكومة، وجلب حقوق مدينة طرابلس على غرار ما يقوم به باقي الرؤساء لمناطقهم"، مشيراً إلى أن "طرابلس جزء من لبنان ولها حقوق على الدولة وإنماؤها ليس منةً من أحد".
لا تختلف آراء باقي التجار في طرابلس، فالشكوى من الوضع الاقتصادي أكبر من أن توصف، كما أن الأزمة الاقتصادية بلغت مرحلة لا تُطاق، ودخلت الأسواق في مرحلة المنازعة. ولا يمكن التعويل برأيهم على حكومة جاءت لإجراء انتخابات، ولتدير دولة أفلست بسبب المحاصصة.
المستقلون: ميقاتي رجل الحلول
وعبّر النائب في كتلة الوسط المستقل، علي درويش، عن اعتقاده بأن "ولادة الحكومة جاءت بعد أن وصلت كل الأطراف إلى مرحلة الإنهاك، وأننا بلغنا مرحلة الانفجار وعدم القدرة على الاستمرار، كما أن مفاصل الحياة أصبحت صعبة ولا تطاق بالنسبة إلى المجتمع اللبناني الذي كفر بالأحزاب". كما أشار إلى توافق داخلي لبناني وصيغة دعم خارجية أسهمت في إبصار الحكومة النور.
والتقى درويش مع وجهة النظر القائلة بأن الحكومة لن تتمكن من تحقيق إنجازات كبرى في الفترة المحدودة، ولكنها برأيه ستبدأ بحلول يمكن البناء عليها. وذكر على سبيل المثال أثر الصدمة الإيجابية في سعر صرف الدولار. وطالب بالتعجيل في إنجاز البطاقة التمويلية، وتأمين حلول لمشكلة المحروقات، وتخفيف أزمات موضوع الكهرباء والمياه والخبز.
وتحدث درويش لـ"اندبندنت عربية" عن "شبكة علاقات دولية يتمتع بها ميقاتي، الذي يجري سلسلة اتصالات لحل بعض الأزمات عن طريق الجهات المانحة، والتأسيس لمرحلة الانفتاح على المحيطين العربي والخليجي. وهذا يسير جنباً إلى جنب مع مفاوضات صندوق النقد الدولي التي تُعتبر أساسية للنهوض الاقتصادي".
وذكر درويش أن "هناك سعياً لصياغة بيان وزاري متوازن يفتح أبواب العالم العربي أمام لبنان، للتعاون مع الأشقاء وتجنب الاصطفافات العنيفة". وعن مدى إمكانية العودة إلى النأي بالنفس في ظل التوازنات الجديدة، يجيب درويش أن "المنطقة تتجه نحو التنسيق والتسوية، وتخفيف منسوب الصراعات".
أما في طرابلس، فتبرز الحاجة إلى الإنماء وتفعيل المشاريع، ورأى درويش أن "هناك حاجة إلى إطلاق المشاريع الوازنة بعد أن تجاوزت طرابلس مرحلة الصراعات الأهلية في الماضي"، مذكراً بأهمية إعادة بناء مصفاة طرابلس، وتشغيل "معرض رشيد كرامي" من قبل شركات أجنبية، إلى جانب "توسيع مرفأ طرابلس ومنحه بعض الاستقلالية لجعله مركز عبور إلى العمق العربي، وبالتأكيد تحسين البنية التحتية لمدينة طرابلس".
"المستقبل" يبحث في النيات المضمرة
يبقى السؤال عن العوامل التي جعلت ميقاتي ينجح في تشكيل الحكومة، فيما تعذر الأمر على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي سبق له أن عقد مجموعة تسويات سياسية، وتسبب أحياناً في ابتعاد حلفائه عنه.
يشبّه نائب رئيس تيار المستقبل، مصطفى علوش، الحكومة الجديدة بـ"حبة البنادول بانتظار التشخيص العام للمرض والبدء بعلاجه"، واصفاً إياها بـ"حكومة الصدقات الدولية" لأن "الأولوية هي لتمرير الانتخابات النيابية". وأكد علوش أن "المنطقة شهدت حراكاً دولياً خلال الأسبوعين الماضيين، قد يكون السبب الأهم لإفراج فريق الرئيس ميشال عون عن الحكومة، لأن هذا الفريق كان ينتظر التطمينات الخارجية لا الداخلية، والرغبة الجامحة في هزيمة سعد الحريري شخصياً، وتأمين بقاء جبران باسيل في العالم السياسي". ولفت علوش إلى عامل إضافي هو "شخصية نجيب ميقاتي لأنه أقدر على إقامة التسويات -المضمرة- أكثر من سعد الحريري". لذلك يلمح علوش إلى "أمر ما" حصل وفتح أبواب السراي أمام ميقاتي، من خلال إفراج عون عن الحكومة.
واعتبر علوش أن "الرئيس عون كان يرغب في عدم تشكيل الحكومة والوصول إلى الانهيار التام من أجل البحث في مصير لبنان الجديد ومستقبله خلال فترة رئاسته". ورجّح "الذهاب إلى نموذج أبعد من الدولة الفيدرالية التي تكون فيها العملة، والقضاء، والسياسة الخارجية، والدفاع، مشتركة بين مقاطعاتها، على أن تكون البداية بطرح اللا مركزية الموسعة بسبب عدم الاتفاق على موقف لبنان من الشرق والغرب، وعدم حصرية السلاح".
وقلل علوش من إمكانيات نجاح حكومة ميقاتي على غرار ما جرى مع الحكومة السابقة التي رأسها حسان دياب وتألفت من بعض الأكاديميين، وأصحاب الاختصاص "إلا أن النتيجة كانت سيئة، لأن المشكلة بالمنظومة التي جاءت بهم لا الأشخاص"، مذكراً بـ"حكومة الشباب" إبان عهد رئيس الجمهورية الأسبق سليمان فرنجية، التي استقال بعض أعضائها بعدما مُنعوا من أداء مهماتهم.
لا يعوّل علوش الكثير على حكومة ميقاتي، ففي الحكومة السابقة التي ترأسها في عام 2011، كانت حصة طرابلس ستة وزراء إلا أنها لم تنجز الكثير، معبراً عن اعتقاده بأنه "لا يمكن أن تنتعش طرابلس في منأى عن لبنان كله، وهي جزء من هذا البلد، والإنعاش يجب أن يكون عاماً ويتوجه نحو المناطق الأكثر هشاشة وضمنها تفعيل مرافق طرابلس".
خوف المجتمع الدولي من اللجوء
كما عبّر علوش عن عدم ثقته بالمجتمع الدولي، مضيفاً "لسنا أمام مؤسسات لنشر الديمقراطية، وأفغانستان أكبر دليل ماثل أمامنا". لذلك فهو يشعر بأن "أوروبا خائفة من انهيار الوضع الأمني، ونشوء بؤرة جديدة لتصدير اللاجئين على ساحل المتوسط، وانطلاق موجة هجرة كبيرة". كما أن "هناك مصالح اقتصادية في غاز المتوسط، والدخول إلى السوق التجارية الإيرانية أمام الشركات الكبرى من توتال، وإيرباص، وفورد، وسيمنز"، بحسب علوش الذي يعتبر أن "لا أحد يسأل على اللبنانيين سواء أكانوا مسيحيين أو مسلمين، بالإضافة إلى حرص إيران على منفَذ على المتوسط، والاعتراف بنفوذها في مناطق أبعد من حدودها ضمن تسويات معينة". وخلص علوش إلى أن "الحلول لن تظهر قبل اتضاح الشكل الجديد للمنطقة ونضوج الحلول الدولية".