المصدر: وكالات
الاثنين 23 كانون الثاني 2023 11:42:12
قال الخبير الاقتصادي جان طويلة في حديث لـ«القدس العربي» إن «المنظومة الحاكمة اختارتِ البقاءَ على نهجها القديم في إدارة الأزمة، بدل سلوك مسار الإصلاح على صعيد الاقتصاد ليعود لبنان إلى خارطة دول العالم وليكون جزءاً من بيئته. فهي أضاعتْ فرصة صندوق النقد والإصلاحات الهيكلية على صعيد السياسات المالية والنقدية وإصلاح القطاع العام. "
واضاف: "ما يفعلونه هو تفريغ القوانين من البنود الإصلاحية، على غرار ما حصل مع رفع السرية المصرفية، ويحصل اليوم مع «الكابيتال كونترول» وبدلاً من سياسة مالية تؤمِّن الاستقرار النقدي، لجأوا إلى سياسة الدعم العشوائي من جيوب المودعين، وبدلاً من هيكلة القطاع العام، ذهبوا في موازنة 2022 إلى فرض مزيدٍ من الضرائب، وتحميل القطاع الخاص العبء الأكبر لتمويل الزيادات التي أقرّتها الموازنة للقطاع العام.
واكد ان الأخطر من ذلك كله "هو أنهم بهذه السياسات يدفعون الاقتصاد الشرعي إلى اللجوء للاقتصاد الموازي لجهة التهرّب من الضرائب وعدم التصريح عن الأرباح وتسجيل الأُجَراء في المؤسسات الضامنة، واعتماد «الأبواب الخلفية» في استيراد المواد الأولية التي ستحرم الجمارك من الرسوم، والخزينة من الضرائب والإيرادات الشرعية، إذ إن القاصي والداني يعلم علم اليقين أن «حزب الله» هو المسيطر على الاقتصاد الموازي والمستفيد منه، وصاحب المصلحة الأولى في ضرب أي اقتصاد مُستدام في لبنان. فاضطرار القطاع الخاص إما إلى الإقفال أو اللجوء إلى الطرق الملتوية، وإلى الاقتصاد الموازي بديلاً للاقتصاد الشرعي، سيؤدي إلى تدمير ما تبقّى من مؤسسات الدولة، وبالتالي سيتحوَّل لبنان إلى دولة فاشلة»."
وفي حديث لـ»نداء الوطن»، اكد طويلة أنه «لا يمكن مقاربة ملف الودائع من منطلق شعبوي، بل علينا التعاطي معه وفق مبدأ الواقعية والمسؤولية. بمعنى أننا نعاني من فجوة مالية نتيجة إستعمال المصرف المركزي لأموال المودعين الذين وضعوها في المصارف». لافتاً إلى أن «هذا الأمر ليس من جديد وبدأ منذ أواخر العام 2014، لتمويل الدولة وتثبيت سعر الصرف وسياسة الدعم. والنتيجة أن أموال المودعين موجودة «ورقياً» في المصارف».
واشار طويلة إلى أنه «في الواقع لا يملك مصرف لبنان إلا ما تبقى من إحتياطي المصارف الموجودة لديه. وهي في تناقص مستمر نتيجة تدخله عبر منصة صيرفة، وهو يصرف 25 و 30 مليوناً يومياً من الاحتياطي او ما تبقى من اموال المودعين. ومنذ بداية الازمة في تشرين 2019 كان حجم هذا الاحتياطي 31 مليار دولار، أما حالياً فلا يتجاوز 8 مليارات على الاكثر».
اضاف: «هذا عملياً يعني أن هناك فجوة بين ما يملك المركزي، وبين ديونه تجاه المصارف كي تتمكن من رد الودائع. وهي تقدر بـ77 مليار دولار. ومن دون إقفال هذه الفجوة لا يمكن إعادة أموال المودعين»، موضحاً أن «الناتج المحلي اليوم هو 16 ملياراً تقريباً، ما يعني أن الفجوة هي اكبر من حجم الاقتصاد اللبناني بخمسة اضعاف، وهذه هي المشكلة الحقيقية».
ورأى طويلة أن «الكلام عن أن رد الودائع عبر النمو الاقتصادي هو كلام غير مسؤول. وهذا الاستخفاف في التعاطي مع الشأن العام أوصلنا إلى ما نحن فيه. والجميع يعلم الدور السلبي للجنة المال والموازنة، وعلى رأسها النائب إبراهيم كنعان، في عدم إقرار أي إصلاح من خلال التشكيك في أرقام الفجوة المالية الذي ادى الى عرقلة مسار التعافي المالي».
اضاف: «المطلوب أن يحصل نمو في الاقتصاد اللبناني، ما يزيد عن (double digit growth) خلال عشرات السنين لإعادة أموال المودعين من جهة والنهوض بالاقتصاد اللبناني. وهذا الامر غير واقعي!». مشدداً على أن «الربط بين النمو الاقتصادي وإعادة الودائع أمر منطقي، لكن ضمن أطر وإجراءات لتخفيف هذه الفجوة وآليات تمكن من رد جزء من الودائع، لكن بعيداً عن الشعبوية».
اوضح طويلة أنه «يجب أن يكون هناك مسار لإرجاع حقوق المودع وهو على قسمين: الاول إصلاحي يبدأ باتفاق مع الصندوق الدولي يساهم في إعادة نمو الاقتصاد اللبناني وإعادة الثقة. وهذا ما يزيد تدفق الاموال على خزينة الدولة، الى جانب إعادة الهيكلة للقطاع المصرفي ومصرف لبنان، وهذا ما سيعيد قسماً من الودائع». مشيراً إلى أن» القسم الثاني هو المسار المحاسبي، لتخفيف الفجوة التي ستتركب على الشعب اللبناني. اولاً، التدقيق في الحسابات المصرفية وتحديد ما هي الودائع المشروعة وغير المشروعة. فهناك مودعون محظيون تمكنوا من تحويل أموالهم إلى الخارج خلال الازمة. وهذه الودائع يجب تصنيفها على أنها ودائع غير مشروعة، وثانياً هناك حسابات مشبوهة في المصارف، ولا يجب مساواتها مع حسابات المودعين الذين وضعوا جنى أعمارهم في المصارف للعيش بكرامة. ويجب أن تحذف هذه الحسابات المشبوهة من عملية إعادة أموال المودعين». ويختم: «هناك مودعون كبار تمكنوا من الاستفادة من فوائد عالية، ولذلك لا يمكن إحتساب هذه الفوائد من ضمن الحقوق الاصلية للمودعين. ومن خلال المسار المحاسبي يمكن التصنيف بين ودائع مشروعة وأخرى غير مشروعة. ويجب العمل على رد الودائع المشروعة على مدى زمني معقول، وهذا ما يقلص الفجوة إلى نحو 40 أو 50 مليار دولار».