المصدر: النهار
الكاتب: بتول بزي
الجمعة 24 كانون الثاني 2025 07:32:24
يتوق أهالي مدينة بنت جبيل للعودة إلى منازلهم بعد غياب قسري لحوالي سنة وثلاثة أشهر. وعلى الرغم من عدم توافر مقوّمات الحياة كافّة، فإنّ الإصرار على تفقّد المنازل والممتلكات، دفع الكثيرين لقصد المدينة في اليومَين الأخيرَين بعد وصول الجيش اللبناني وانتشاره في قرى القضاء، ما ولّد شعوراً بالأمن والأمان.
الداخل إلى مدينة بنت جبيل، كبرى مدن القطاع الأوسط في جنوب لبنان، يلحظ حجم الدمار الكبير على جانبَي الطريق من منطقة "صفّ الهوا" إلى الساحة العامة. يتركّز الدمار في محيط السوق التجاري الشهير ومركز البلدية، وسط المدينة، حيث سقط عدد كبير من الشهداء خلال الحرب، ولا تزال عمليات رفع الأنقاض وانتشال الجثامين متواصلة.
العودة التدريجية إلى بنت جبيل انطلقت، فبعد وصول الجيش اللبناني إليها عصر الأحد، شهدت المدينة، صباح الاثنين، إقبالاً ملحوظاً للأهالي لم تشهده منذ وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، إلّا أنّ اندفاع المواطنين للعودة تضاءل تدريجاً بعد تسلّل قوّة إسرائيلية إلى حيّ المسلخ عند أطراف مارون الراس المحتلّة، وتنفيذها عمليات دهم وتمشيط وتفجير بالقنابل لقُرابة أربع ساعات، ما أثار ارتياب الأهالي في إمكانية توغّل القوات الإسرائيلية في أيّ لحظة نحو بنت جبيل، عبر بلدتَي مارون الراس وعيترون المحتلّتَين حتى الساعة.
في حديث لـ"النهار"، يُقدّر رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزّي أنّ "نحو 40 في المئة من سكان المدينة عادوا إلى منازلهم بعد انتشار الجيش، وسط توقّعات بعودة قُرابة 90 في المئة من الميقيمن الاثنين المقبل"، إلّا أنّ ثمّة تخوّفاً من عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من مارون الراس ما قد يتسبّب بمشاكل أمنية وقلق للعائدين.
ثمّة إصرار لدى أهالي بنت جبيل على التمسّك بالأرض، إذ يؤكد أحمد، صاحب إحدى المؤسسات التجارية، أنّه "لا مشكلة لدينا في النوم ليلاً بلا كهرباء، إذا ما شعرنا بالأمان، والأهالي تفاءلوا خيراً بوصول الجيش إلى المدينة"، كاشفاً أنّ "قُرابة 20 عائلة فقط قطنت بشكل كامل فور انتهاء الحرب، أمّا اليوم فالعدد يتضاعف تباعاً مع قُرب انتهاء فترة الـ60 يوماً".
ويضيف: "الأهالي يرمّمون منازلهم أوليّاً، وثمّة أكثر من عائلة تقطن معاً لضمان إنهاء إصلاح بيوتها والعودة إليها خلال وقت قصير".
بنت جبيل تنفض غبار الحرب
يتطلّع سكان بنت جبيل إلى العودة الآمنة بعد انتهاء فترة الـ60 يوماً نهاية الأسبوع الجاري، وقد باشر أصحاب المصالح عملهم تباعاً، ونفضوا غبار الحرب عن محالهم المتضرّرة، خاصة مِمَّن تركوا المدينة منذ بدء الحرب في الجنوب، في تشرين الأول 2023، وخلّفوا وراءهم خسائر اقتصادية ومعيشية جمّة.
حتى الآن، تبدو الحركة خجولة في سوق بنت جبيل الذي دُمِّر جزئيّاً، وذلك مع إعادة افتتاح عدد من محال الخضار واللحوم والأفران والصيدليات، وقد عاودت المهن عملها خاصة ورش الألمنيوم والخشب والزجاج لضغط الطلب عليها ضمن مرحلة إعادة الإعمار، فـ"المؤسسات التجارية لا بدّ من أن تنقذ نفسها"، بحسب بزّي، واصفاً الوضع الحالي بـ"الأسبوع التحضيري"، وذلك قُبيل الانسحاب الإسرائيلي الكامل المرتقب وخاصة من مارون الراس الكاشفة جغرافيّاً لبنت جبيل. ويقول: "ستعود الحياة إلى طبيعتها للمدينة بمجرّد توافر الأمن".
التحدّي الأبرز اليوم لأهالي بنت جبيل وجهات إعادة الإعمار يكمن في تضرّر البنى التحتية للمدينة، كشبكات الكهرباء والمياه والهاتف الأرضي، وسط جهود من بلدية بنت جبيل لإعادة إصلاحها بالتنسيق مع المعنيين.
وفي هذا السياق، يؤكد بزّي لـ"النهار" أنّ "عمال كهرباء لبنان أعادوا تثبيت أعمدة عند مدخل المدينة (صفّ الهوا)، ومن المرتقب أن تصل الإمدادات إلى وسط المدينة في غضون الأسبوع المقبل، للإسراع في إصلاح خطوط التوتّر العالي، تزامناً مع إعادة تمديد خطوط مولدات الاشتراك الخاصة بالبلدية".
وعن شبكة المياه، يشير إلى أنّ "محطّة الضخّ في البلدة لم تتضرّر، فيما المشكلة هي في عدم قدرة مهندسي شركة المياه على الوصول إلى المحطّة الرئيسية في منطقة وادي سلوقي المحتلّة للكشف عليها وتشغيلها، ما يحول دون ضخّ المياه إلى بنت جبيل في الوقت الحالي".
الوضع الأمني في بنت جبيل
تتداخل بنت جبيل جغرافيّاً وعمرانيّاً مع بلدات لا تزال محتلّة، منها مارون الراس وعيترون، حيث الخطر الإسرائيلي. وهنا تكمن أهمية تموضع الجيش اللبناني عند مداخلها لمنع عبور المواطنين نحو القرى المحتلة، إذ يُقيم حواجز ثابتة ونقاطا مستحدثة قُرب المهنية الرسمية لجهة مارون الراس، وعند مداخل عيناثا وعيترون ويارون. وهذا الانتشار أساسي لقرى قضاء بنت جبيل، وفق خطة التموضع العسكرية تطبيقاً للقرار 1701، وصولاً إلى دخول قرى الشريط الحدودي، بعد الانسحاب الإسرائيلي منها.
يتطلّع أهالي بنت جبيل إلى عودة آمنة يحكمها عاملان أساسيّان: الانسحاب الإسرائيلي من مارون الراس، وتوافر الكهرباء والمياه.
يروي ربيع، الذي عاد إلى منزله منذ انتهاء الحرب، أنّ "حالة من الخوف تُسيطر على المدينة اليوم مع استمرار الخروق الإسرائيلية، ما دفع البعض إلى التراجع عن قرار العودة هذا الأسبوع، ريثما يستقر الوضع الأمني مع انتهاء مهلة الـ60 يوماً".
ويشرح في حديث لـ"النهار" أنّ "الحياة تدبّ في بنت جبيل من ساحة البركة صعوداً نحو الساحة العامة، فيما يهاب الأهالي التوجّه نحو أطراف مارون الراس ويارون، حيث تمركَزَ الجيش اللبناني وقطعَ الطرق المتفرّقة نحو القرى المجاورة".
ويؤكد ربيع أنّ الأهالي استقبلوا قافلة الجيش "بارتياح واطمئنان، فهم أبناء البلد، ووجود العسكري بيننا مصدر أمان لنا".
الكشف الميداني لـ"حزب الله" لدفع التعويضات لم يبدأ بعد، كحال القرى الجنوبية الأخرى التي لا تزال مصنّفة "عسكريّاً"، وهو مؤجّل إلى ما بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً. وقد انصبّ العمل الحزبي خلال هذه الفترة على دفع بدل إيواء وأثاث لأصحاب المنازل المدمّرة بالكامل، أمّا الوحدات السكنية المتضرّرة جزئيّاً، فلم يتقاضَ أصحابها بعد تعويضات مالية، وورشة إعادة الإعمار انطلقت من جيوب المواطنين، ريثما تسمح الظروف الأمنية للمعنيين ببدء الكشف رسميّاً.
يقع الأهالي تحت عجز مادي صعب اليوم، فالمدّخرات صُرِفَت خلال فترة النزوح الطويلة، إذ يؤكد ربيع أنّ "الناس يعملون على إصلاح الأضرار الجزئية كالزجاج والأبواب وبعض المرافق، لحماية منازلهم من السرقة أوّلاً، وضمان عودتهم في أسرع وقت ممكن".