عيسى يفتح مرحلة الحسم في مواجهة عرقلة برّي والحزب؟

مع وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى بيروت اليوم، يدخل لبنان مرحلة سياسية دقيقة يُتوقع أن تعيد رسم مسار الأحداث في الداخل وعلى الحدود الجنوبية، فالسفير الذي سيقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس جوزاف عون الإثنين المقبل يصل في لحظة يتبدل فيها المشهد الإقليمي بعد انتقال ملف غزة إلى مرحلة التثبيت والتهدئة، ما سمح لواشنطن بإعادة تركيز اهتمامها على الساحة اللبنانية كإحدى النقاط الأساسية في مشروع إعادة صياغة توازن القوى في المنطقة.

وتشير المعطيات إلى أن ملفات حساسة ستتحرك فور مباشرة السفير مهامه، وعلى رأسها التفاوض مع إسرائيل والوضع الحدودي، في ظل رغبة أميركية واضحة في منع تفلت الجبهة الجنوبية وجر لبنان إلى مواجهة مفتوحة، وفي الوقت نفسه تسعى واشنطن إلى الدفع بقوة نحو إطلاق مسار إصلاحي، باعتبار اللحظة فرصة لإعادة بناء مؤسسات الدولة قبل تبدل الظروف.

بالتوازي، جاء موقف لافت من الكونغرس الأميركي عبر رسالة رسمية موجهة إلى الرئيس دونالد ترامب من عضوي الكونغرس داريل عيسى ودارين لحود، اعتبرا فيها أن أي تعطيل للمسار الديمقراطي من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري أو غيره يشكل " انحيازًا لحزب الله وحلفائه"، داعيين الإدارة الأميركية إلى استخدام كل الأدوات المتاحة لمحاسبة معرقلي الإصلاحات. 

وقد حمّلت الرسالة صراحة قوى لبنانية توصف بأنها "فاسدة" مسؤولية السعي إلى إجهاض فرص التغيير، مؤكدة أن نفوذ إيران في لبنان يتراجع وأن حزب الله يخسر جزءاً من قياداته وبنيته ونفوذه، ما يجعل المناخ مؤاتياً لتثبيت الإصلاحات وترسيخ المسار الديمقراطي.

وفي ما يتعلق بحق اللبنانيين غير المقيمين بالتصويت، شدد النائبان على ضرورة تكريسه بشكل دائم، مذكرين بأن قانون 2017 حدد مشاركتهم بستة مقاعد فقط، قبل أن تتوسع لتشمل جميع المقاعد في انتخابات 2018 و2022 حيث صبت أصواتهم لصالح مرشحين إصلاحيين، وهو ما تعتبره واشنطن مؤشراً على رغبة جزء كبير من اللبنانيين بتغيير المنظومة التقليدية.

أما وصول السفير عيسى، فتقرأه مصادر سياسية مطلعة عبر kataeb.org، من ثلاث زوايا أساسية تكشف الكثير عن طبيعة المرحلة المقبلة.

- الزاوية الأولى تتعلق بالتوقيت، إذ يدخل لبنان مرحلة تقرير مصيره السياسي في لحظة إقليمية تراجعت فيها حدّة صراع غزة، ما أتاح للولايات المتحدة العودة إلى الملف اللبناني بثقل أكبر. 

-الثانية ترتبط بإعادة واشنطن صياغة إدارة المواجهة مع إيران في المنطقة، مع اعتبار الساحة اللبنانية أحد ميادين الضغط المباشر على مشروع طهران التوسعي. 

-أما الثالثة، وربما الأهم، فتكمن في لهجة السفارة الأميركية في بيروت التي بدت أكثر صرامة عقب بيان وزارة الخزانة الأميركية الداعي إلى المضي قدمًا في مواجهة إيران وأذرعها، وفي مقدمها حزب الله.

وتفيد معلومات kataeb.org بأن واشنطن رفعت سقف تحركها في لبنان إلى الحد الأقصى، سواء في ما يتعلق بتجفيف مصادر التمويل غير الشرعي للحزب، خصوصًا بعد الضجة المتعلقة بتحويل مليار دولار من إيران، أو في ما يرتبط بملف السلاح ومسألة الاحتفاظ به خارج إطار الدولة، أو حتى في ملف العقوبات التي تؤكد المعطيات أنها ستستمر بزخم وقد تشمل شخصيات سياسية بارزة متحالفة مع حزب الله، ومن غير المستبعد أن يطال الأمر رئيس المجلس نبيه بري، كما لمح النائبان عيسى ولحود.

من الواضح أن مرحلة السفير الجديد ستكون مختلفة عن سابقاتها، فواشنطن تبدو في وارد تشديد الضغط السياسي والمالي والأمني على المنظومة التقليدية، وعلى الحزب تحديدًا، ساعية إلى تعجيل التسوية الجنوبية وإطلاق مسار إصلاحي جدّي داخل الدولة اللبنانية.

وعليه، على لبنان استغلال هذه اللحظة الدولية لإعادة بناء الدولة، لتجنب الانزلاق مجددًا إلى دوامة التعطيل، هذه المرة تحت رقابة أميركية أشد حزمًا وتصميمًا.