غلاء وعتمة.. اللّبنانيون هم الضحية وقصص من الواقع!

كتبت داني كرشي في "السياسة":

يبدو أن اللبنانيين سيقضون العطلة "على العتمة". فكهرباء الدولة حدّث ولا حرج، أمّا المولدات فغير قادرة على توليد الطاقة في ظلّ شحّ المازوت. حتى "كزدورة" العيد ممنوعة على اللّبنانيين في ظل استمرار أزمة شحّ المحروقات. 

أزمة التيار الكهربائي لم تحرم وحدها اللّبنانيين فرحة العيد. فالأزمة المالية المستفحلة غيّبت مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى عن معظم المدن اللبنانية، التي تمرّ اليوم  بأحلك الظروف المادية بعدما وصل سعر صرف الدولار الى عتبة الـ22500 ليرة لبنانية. 

فمحال بيع اللّحوم والمسالخ التي اعتادت أن تكتظ بالمواطنين ظهرت شبه خالية من اللّحوم مع تراجع عدد الزبائن بشكل كبير.

وكعادته، موقع السياسة، جال على الناس للاطلاع على أحوالهم، وإيصال صوتهم علّ هذه السلطة النائمة تسمع صراخ وأنين الموجوعين والمفجوعين. 

وخلال الجولة، صادف فريق السياسة، أبو حاتم، وهو رجل خمسيني، يعمل كبائع فاكهة على بسطة خشبية في سوق الأحد. 

وقد اعتاد أبو حاتم في كل عيد أضحى أن يذبح خروفًا ويوزع لحمه على الفقراء القابعين على أرصفة السوق. لكن، هذا العام يشعر بغصّة كبيرة لعدم قدرته على إسعاد نفسه وعائلته. 

ويلفت إلى أنّ" الانهيار الاقتصادي المتعاظم بات يمنع حتى ميسوري الحال، من إتمام واجباتهم وعاداتهم القديمة". 

ويوضح أنه " اعتدنا منذ القدم على تقديم الأضحية للناس حتى نكسب الدعاء  بالصحة ويُسر الحال". 

ولكن، اختلفت الأوضاع اليوم، وفق أبو حاتم، حيث لم يعد أمام الشعب اللبناني الفقير سوى الدعاء لنفسه فقط. 

ويتابع: أصبحنا نخاف من بعضنا البعض، لأنّ الجوع هو أخطر الأسلحة التي يمكن أن تهدد الإنسان. وهو ما قد يدفع بالناس للسرقة أو القتل من أجل رغيف خبز!

ويختم: الدولة هذا العام اتخذت القرار بأن تُضحي بنا. فحياة اللّبنانيين باتت أرخص من الخروف لدى هذه السلطة الفاسدة. 

أزمة الكهرباء تنعكس سلبًا وبحدّة على الملاحم

وعلى بُعد ثلاثة شوارع وتحديدًا على طريق النهر، يقف محمد أمام محلّه مهمومًا، مرهقًا ومعالم اليأس على وجهه. 

محمد، وهو رجل شاب بعمر الأربعين، يملك محلًا لبيع اللحوم وقد ورث هذه المصلحة عن أبيه المرحوم على حدّ قوله. 

ويؤكد خلال حديثه مع موقع السياسة، أن " مصلحته كانت أكثر من مربحة، فهي تعادل أرباح الذهب. ولكن، هذا الكلام كان قبل حلول الأزمة الاقتصادية المشؤومة على البلاد".

هذا العام هو الأسوأ على مصلحتنا، بحسب قول محمد، إذ كنا في السابق ننتظر عيد الأضحى على أحرّ من الجمر، لأنه من أكثر المواسم التي تشهد إقبالّا كبيرًا على شراء اللّحوم وذبح الخراف لتقديمها كأضحية. 

ويلفت إلى أنّ" الأزمة الموجعة لم تحرم الجزار من الزبائن فقط، بل حرمته من شراء الخراف بسبب ارتفاع أسعارها الى حدّ غير معقول. واللّافت هو التفاوت بالأسعار بين تاجر أغنام وآخر. فالاحتكار بات غير مقبول". 

ويشير إلى أنّ " حتى ولو تمكنا من شراء اللّحوم، فالمشلكة الأكبر ترتبط بأزمة الكهرباء، حيث يتعذّر علينا شراء كمية وافرة من اللّحم، خوفا من تعرضه للتلف بسبب انقطاع التيار لساعات طويلة". 

ويختم: لقد انقلبت العادات. إذ بات الخروف مرتاح البال، بينما الشعب هو المذبوح ليُقدم كأضحية على مذابح الوطن. 

كبار السن لا يجدون من يعيلهم

وعلى بُعد أمتار من محل محمد، تجلس أم شريف وهي جدة لسبعة أحفاد، على كرسي أمام منزلها الصغير هربًا من الرطوبة وانقطاع الكهرباء. 

وتتحدث أم شريف لموقع "السياسة"عن حزنها وقلقها من عدم تمكنها من تحضير المأكولات "الطيبة" لأحفادها. 

وتلفت إلى أنها توقّفت منذ ستة أشهر عن شراء اللّحوم بسبب تبدل الأولويات العائلية وأصبحت تعتمد على الخضار والحبوب في وجبات الطعام.

وتتابع: "كنّا ننتظر عيد الأضحى لنوزع الأضاحي ونصنع المأكولات لأولادنا وأحفادنا ولنجتمع على الطاولة، كالعادة. ولكن اختلفت الأوضاع هذا العام، ويبدو أننا لن نحصل حتى على أي حصة من الأضاحي التي كانت توزع على الفقراء". 

وتختم: جميعنا أصبحنا تحت خط الفقر، ولا أحد يبالي لا بوجع ولا بجوع الناس. أبناؤنا يركضون ليل نهار لإعالة أولادهم، وعليه يتعذر عليهم الاهتمام بنا كالسابق.